Jazirat Rudus
جزيرة رودس: جغرافيتها وتاريخها وآثارها، تليها خلاصة تاريخية عن أشهر جزائر بحر إيجه
Genres
وقد تم ذلك بشروط عرضها «دي ليل آدم» وقبلها السلطان، وروى المؤرخون أن الجيش العثماني لما عجز عن فتح الجزيرة بعد تلك المعارك الهائلة فترت همته وكاد يكف عن القتال، وإذا برسالة أتته في سهم من فوق أسوار المدينة، وفيها من الأنباء عن قوة الفرسان ومواقع الضعف ما شدد عزيمته، فأعاد الكرة وفاز ببغيته، وقد أرسلت هذه الأنباء بإيعاز من أحد كبار القواد واسمه «أندريه دامرال»، فقد كان هذا القائد يطمح من زمن في تولي الرئاسة، ولما وقع الانتخاب على «دي ليل آدم» حقد عليه وأضمر له السوء، فكان يرصده بالغوائل حتى نشبت هذه الحرب، فانتهز الفرصة ليشفي غلته، وقد انكشف أمره فأمر الرئيس بعقد مجلس حربي لمحاكمته، وقد أبان التحقيق أنه كان يبعث للجيوش العثمانية برسالة في كل أسبوع عن حالة الحصون والذخيرة وعدد القتلى، فحكم المجلس عليه بالقتل بعد تجريده من رتبه ودرجاته، فقتلوه ومثلوا به.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها دعا السلطان سليمان الأمير دي ليل آدم لمقابلته، وكان شيخا طاعنا في السن وعلى محياه أمارات الهيبة والشجاعة، فحضر في الوقت المعين للمقابلة؛ (انظر دي ليل آدم أمام فسطاط السلطان سليمان) وعند وصوله إلى الخيمة الشاهانية كان الوزراء في حضرة السلطان للمفاوضة في بعض الأمور، فانتظر دي ليل آدم خارج الخيمة مدة طويلة هو ومن معه من الفرسان، وكانت الأمطار تهطل بشدة والأرض تغمرها المياه، ثم أذن له السلطان في الدخول بعد أن خلع عليه جريا على العادة المتبعة في تلك الأيام، فكان ملتقاهما مؤثرا جدا، إذ لبث كل منهما صامتا حتى ابتدأ السلطان بالحديث فقال: «اعلم أيها الأمير أن الأيام دول والملوك والممالك مصيرها إلى الفناء، وأن الدوام لله وحده، وإني معجب بشجاعتك وثباتك وآسف لما حل بك وبقومك»، وبعد أن بالغ في إكرامه انصرف هو ومن معه من الفرسان.
وفي يوم 26 ديسمبر دخل السلطان سليمان مدينة رودس في موكب عظيم وأطاف بالحصون وشاهد أماكن الوقائع، ولما بلغ قصر دي ليل آدم دخله مع بعض ياورانه، وكان قد أمهل الفرسان 12 يوما للجلاء عن الجزيرة، فسأله هل يريد مهلة أخرى، فتشكر له وقال: لا أريد غير المحافظة على الشروط التي اتفقنا عليها، فوعده السلطان خيرا وطيب خاطره. وهذا من الأدلة على ما كان عليه السلطان سليمان من السماحة وكرم الخلق. وفي اليوم الأول من شهر يناير سنة 1523 حضر دي ليل آدم عند السلطان ليودعه قبل سفره وأهدى إليه أربعة أوان نفيسة من الذهب الخالص، ثم غادر رودس مع سائر الفرسان قاصدين جزيرة إقريطش (كريد)، وارتحل معهم أربعة آلاف من أهل الجزيرة وقيل خمسة آلاف، وكان عدد السفن التي أقلتهم 30 سفينة كبيرة، وروى بعض المؤرخين أنها كانت 50 سفينة، ولعل الفرق بين الروايتين عدد السفن التي أمر السلطان بإعدادها لنقل المهاجرين غير سفن الفرسان، وفي ذلك اليوم ذهب السلطان سليمان في موكب حافل إلى كنيسة القديس يوحنا، وهي أكبر كنائس المدينة، وصلى فيها الظهر بحضور الوزراء ورؤساء الجيش والعلماء، وبعد حمد الله على هذا النصر تلي الخط الشريف المؤذن بجعل هذه الكنيسة جامعا، وأعلن في جميع أنحاء الجزيرة، ثم ألف السلطان مجلسا للنظر في شئون المدينة، وما تحتاج إليه من الإصلاح وترميم ما تهدم من الحصون، وأمر بإنشاء مأوى للفقراء (تكية) وعمل مآذن لجميع الكنائس وجعلها جوامع وبناء مساجد جديدة، والحكم بالعدل بين سكان الجزيرة على اختلاف مللهم وجنسياتهم.
وقد اشتهر حصار السلطان سليمان لرودس بما أطلق فيه من الكرات الحجرية الضخمة، وما وضع من اللغوم المخربة في أماكن كثيرة، ولما استقام الأمر للعثمانيين بعد خروج الفرسان (الشفاليه) حاسنوا الأهلين، وأبقوا ما في الجزيرة من التماثيل والآثار والرسوم، وما زالت الجزيرة في حوزتهم إلى أن احتلها الإيطاليان في سنة 1912.
منظر عام لمدينة رودس في العصور الوسطى.
آثار رودس ومعاهدها
أما مدينة رودس فهي في الطرف الشمالي الشرقي من الجزيرة، وما زالت الأسوار والخنادق والمتاريس كما كانت عليه في عهد الفرسان، وفوق الأسوار القلاع والأبراج الشاهقة، وفيها كثير من الكرات الحجرية الباقية من زمن الفتح، وبعضها كبير الحجم جدا يبلغ ثقله 500 كيلوجرام، أما المدافع القديمة فلم يبق منها شيء، وقد أهدى السلطان عبد العزيز بعضها إلى نابوليون الثالث إمبراطور فرنسا، وهي الآن في متحف الآلات الحربية بقصر الإنفاليد بباريس، وللمدينة عدة أبواب أشهرها: (1)
باب دامبواز (في الجهة الغربية) سمي بذلك نسبة إلى الرئيس «دامبواز السادس عشر» من الفرسان الذين تولوا الحكم على الجزيرة، ويسميه الترك «أكري قبو» أي الباب المنحرف؛ لأن الطرق المؤدية إليه من داخل المدينة وخارجها منحرفة عن اتجاه هذا الباب، ويسميه الأروام «توبروماسترو»؛ لأنه أقرب الأبواب إلى القصر الذي كان يقيم فيه الرئيس الأعظم، وأمام هذا الباب من الخارج خندق عميق فوقه قنطرة، وعلى جانبيه برجان عظيمان، وفي أعلى الباب تمثال ملك باسط جناحيه وبيده اليمنى شارة الفرسان، وفي اليسرى شارة الرئيس «دامبواز» وفوقه تمثال المسيح، وهما منحوتان في قطعة واحدة من الرخام. (2)
باب سان جورج (في الجهة الغربية) بالقرب من جامع السليمانية، وفي أول شارع الشفاليه. (3)
باب سانت كترين (في الجهة الشرقية)، ويسميه الترك موصلق قبو (باب الحنفية) وبازار قبو (باب السوق)، وعلى جانبيه برجان عظيمان، وتعلوه تماثيل ثلاثة أشخاص كبيرة من الرخام تمثل القديس بطرس، والقديس يوحنا والقديسة كترينة. (4)
Unknown page