التركيز، والتفكير المجرد، والتدريب الروحي؛ العزلة المنتظمة في عالم الفكر، الزهد ومذهب المتعة، عزلة منتظمة في عالم الحس والشعور والألم. ولكن الحياة الطيبة هي في العلم بمن أنت في الحقيقة بالنسبة لجميع الخبرات. لتكن إذن واعيا؛ واعيا في كل موقف، وفي كل وقت، أيا كان ما تعمل أو تعاني معقولا كان أم غير معقول، سارا أم غير سار. هذه هي اليوجا الصحيحة، التدريب الروحي الوحيد الذي يستحق الممارسة. - كلما ازددت معرفة بالمفردات ازددت معرفة بالله. هكذا قال اسبينوزا. وإذا ترجمنا لغته إلى لغتنا يمكن أن نقول: كلما ازددت معرفة بنفسك بالنسبة لكل ضروب التجارب، زادت فرصتك في إدراكك - فجأة ذات صباح جميل - من أنت في الواقع.
صدق القديس يوحنا؛ فالكلمة في عالم مبارك صامت لم تكن «مع» الله، إنما كانت هي الله، شيئا يعتقد فيه. الله رمز لما يدور في الأفئدة، اسم مجسد لكلمة مجردة.
إن الإيمان شيء يختلف كل الاختلاف عن العقيدة. العقيدة هي أن تأخذ باطراد كلمات لم تحلل مأخذا جديا للغاية، سواء في ذلك كلمات بولس أو ماركس أو هتلر؛ فإن الناس يأخذونها مأخذا جديا مبالغا فيه، فماذا يحدث؟ إن ما يحدث هو تكافؤ المتناقضين في التاريخ بشكل غير معقول؛ السادية (حب إيذاء الآخرين) إزاء الواجب، أو (وهو أسوأ بدرجة لا تقارن) السادية باعتبارها واجبا، الورع يقابله جنون العظمة، الإحسان يواسون به ضحايا قضاة التحقيق المنتمين لكنيستهم والصليبيين المتعصبين لمذهبهم. أما الإيمان، فعلى نقيض ذلك؛ لا يمكن أن يؤخذ مأخذا جديا مبالغا فيه؛ لأن الإيمان هو الثقة - التي لها ما يبررها عمليا - في قدرتنا على أن نعرف من نحن في الحقيقة، وعلى أن ننسى المانوي الثمل ونستبدل به الحياة الطيبة، اللهم اعطنا اليوم إيمانا وخلصنا يا رب من العقيدة.
ثم سمع ويل طرقا على الباب، فرفع بصره عن الكتاب ونادى: من هناك؟
ورد عليه صوت أعاد إليه ذكريات بغيضة عن الكولونيل ديبا وعن الرحلة الخيالية بعربة المرسيدس البيضاء، وقال الصوت: هو أنا.
وفي صندل أبيض على قدميه، وسروال قصير أبيض، وساعة معصم من البلاتين تقدم موروجان نحو سرير ويل. - ما أجمل الشعور الذي دفعك إلى أن تحضر لرؤيتي!
ولو كان الزائر شخصا آخر غير موروجان لبادر بسؤاله: كيف أنت الآن؟ ولكن موروجان كان مشغولا بنفسه كلية مما يفقده القدرة حتى على أن يتظاهر بأدنى اهتمام بأي شخص آخر. وقال متبرما: أتيت إلى بابك منذ ثلاثة أرباع الساعة. ولكن الرجل العجوز كان ما يزال هنا؛ لذلك عدت إلى البيت، واضطررت إلى مجالسة أمي والرجل المقيم معنا وهما يتناولان الفطور ...
وسأله ويل: ولماذا تحرجت من الدخول عندي حينما كان الدكتور روبرت معي؟ هل في حديثك معي ما يتنافى وقواعد السلوك؟
فهز الفتى رأسه في قلق وقال: كلا بالتأكيد، إنما أردت ألا يعرف السبب في زيارتي.
وابتسم ويل وقال: السبب؟ إن عيادة المريض من عمل الإحسان، وهي أمر مستحب للغاية.
Unknown page