تمهيد
لمحة تاريخية عن شبه جزيرة القرم
سبب هذه الحرب
عباس باشا الأول ومساعدته في هذه الحرب
ولاية سعيد باشا ومساعدته في هذه الحرب
شهادات قواد الجيوش المتحالفة ببسالة الجنود المصرية في حرب القرم
مساعدات مصر للدولة العلية في هذه الحرب
تمهيد
لمحة تاريخية عن شبه جزيرة القرم
سبب هذه الحرب
عباس باشا الأول ومساعدته في هذه الحرب
ولاية سعيد باشا ومساعدته في هذه الحرب
شهادات قواد الجيوش المتحالفة ببسالة الجنود المصرية في حرب القرم
مساعدات مصر للدولة العلية في هذه الحرب
الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم
الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم
1853-1855م
تأليف
الأمير عمر طوسون
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
قضت الفرمانات السلطانية التي تسود علاقة مصر بتركيا أن يشترك جيش مصر البري والبحري في الحرب الروسيا المعروفة (بحرب الشرق أو القرم أو سباستبول -
Guerre d’Orient, de Crimée ou de Sebastopol) . وقد سميت هذه الحرب بالاسم الأخير تذكارا لحصار هذه المدينة الحصينة، وهو حصار جدير بالذكر لما ترتب عليه من استيلاء جيوش المتحالفين فرنسا وإنكلترا وتركيا عليها، وانتصارهم في هذه الحرب انتصارا حاسما.
ولما كان هذا الاشتراك لا يلم به في أيامنا هذه إلا النزر اليسير من المصريين بدا لي أن يكون من الخير والفائدة أن أبين قصة هذا الاشتراك الذي انتهى بصورة مشرفة تمام التشريف لجنودنا، وأن أنوه بالجهود العظيمة التي بذلتها مصر لمساعدة الدولة في هذه الحرب من سنة 1853 إلى سنة 1855م، ولعل في ذكرى هذه القصة المخلدة لذكراهم على ممر الأعوام مشجعا لإخوانهم من أبناء الجيل الحاضر والأجيال القابلة على الاهتداء بهديهم وعمل ما يخلد ذكرهم، فقد كانوا رحمهم الله وأوسع لهم في الجوار مضرب الأمثال في الشهامة والبسالة وحوز ألقاب النصر والشرف والفخار.
ومما سهل لي هذه المهمة تسهيلا عظيما البحث الذي أجريته في الدفاتر التركية بدار المحفوظات المصرية بالقلعة والمصادر الأخرى؛ فقد عثرت في سجلات الدار المذكورة على مستندات شتى خاصة بالنجدات المصرية البرية والبحرية والمساعدات المالية التي أرسلت لمساعدة تركيا في هذه الحرب في عهدي عباس الأول وسعيد، وقد ترجمنا هذه المستندات بنصوصها من التركية إلى العربية وأثبتناها في هذا الكتاب، وسبق لنا أن نشرنا ملخص هذا الاشتراك في جريدة (الأهرام) تباعا بتاريخ 8 و9 و10 و11 مايو 1932م، ولكنا هذه المرة توخينا توسعة هذا الموضوع بقدر المستطاع آملين أن نكون قد وفيناه حقه من جميع نواحيه.
لمحة تاريخية عن شبه جزيرة القرم
لقد كانت شبه جزيرة القرم في القرون التي خلت من البلاد الإسلامية، وكان يسكنها قوم من التتر، ويتولى حكومتها ويشرف عليها حاكم يلقب بلقب (خان).
وأول غارة شنها المسلمون على هذا البلد كانت في سنة 616ه (1219م) بقيادة سلطان تركي من سلاطين آسيا الصغرى، ولكن المسلمين لم يوطدوا أقدامهم في ربوعها إلا بعد هذا التاريخ؛ لأن أقدم نقود عثر عليها من مسكوكاتهم يرجع تاريخها إلى عام 686ه (1287م).
وفي هذه السنة أرسل سلطان مصر
1
مهندسا معماريا و2000 دينار (1200 ج. م) إلى عاصمة هذا البلد لإقامة مسجد بها وتسميته باسمه، وهذه العاصمة تسمى الآن (لوكوبوليس)
Leukopolis ، ويبدو أنه يوجد بين أطلال هذه المدينة في أيامنا هذه آثار مسجد مبني على الطراز المصري.
وفي عام 845ه (1441م) استولى على هذا البلد أمير من التتر يقال له: حاجي جيراي ونصب نفسه عليه «خانا» وأسس فيه أسرة حاكمة تولت الحكم فيه ثلاثة قرون انتهت بضمه إلى روسيا.
وقد شيد المسجد الكبير الباقي إلى الآن في أوباتوريا
Eupatoria ، (كوزلوا) (Couzlowa)
المسمى خان جامعي خان من أولئك الخانات في سنة 1552م، ودفن في هذا المسجد الفريق المصري سليم فتحي باشا وأميرا الألاي علي بك ورستم بك، وهم من أبطال الضباط المصريين الذين خاضوا غمار هذه الحرب وقاتلوا فيها بأعظم شجاعة، تغمدهم الله بواسع رحمته وجزاهم بجهادهم الجزاء الأوفى.
ولهذا المسجد 14 قبة، وهو يعد من أعظم المباني التي أقيمت في روسيا وفقا لهندسة المعمار الإسلامي، وهذا المسجد عاطل في هذه الأيام فلا تقام فيه الشعائر الدينية كما هو الحال الآن في بلاد الروس، وأمسى تابعا لدار الآثار المعدة لدراسة أوصاف مختلف الشعوب.
مسجد خان جامعي بمدينة أوباتوريا (كوزلوه)
والظاهر أن هذه الدار معتنية بصيانة هذا المسجد وصيانة الدفن والمقابر، وفي سنة 880ه (1475م) فتح الأتراك (قافا)
Kaffa
وتسمى الآن (تيودوسيا)
Théodosie
وهي فرضة القرم، وموقعها في القسم الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة، وعلى ذلك أضحى القسم الجنوبي منها واقعا تحت سيطرة الأتراك، ولبث القسم الشمالي تحت إشراف الخان، ومن هذا التاريخ صارت القرم تابعة للإمبراطورية العثمانية وجزءا من ممتلكاتها والخان من أتباعها، غير أن اسم السلطان لم يذكر في خطبة الجمعة قبل اسم الخان إلا في سنة 992ه (1584م).
ولم تستمر ممتلكات القرم محصورة في دائرة حدود شبه الجزيرة، بل تخطتها وامتدت في أراضي الروس الجنوبية إلى أن تاخمت نفس مدينة موسكو فنشأ من ذلك توالي القتال مع تلك الدولة، ومع تعاقب الأيام وكر السنين وهنت قواها أمام هذا العدو العاتي الجبار وانهزمت، وفي سنة 1736م احتلت روسيا أول مرة شبه الجزيرة احتلالا موقوتا ثم أستولت عليها نهائيا عام 1771م.
ويقتضي نص معاهدة سنة 1774م ومعاهدة سنة 1779م أن ينتخب الأهالي الخان انتخابا حرا، وأن يحكم بلاده وهو مستقل بدون أي تدخل من جانب الأتراك أو الروسيين؛ ولكن المعاهدات حسبما درجت عليه الدول الأوروبية ما هي إلا حبالة الغرض الحقيقي منها وضع اليد على ممتلكات الغير، ومتى أصبح هذا الأمر واقعيا تصير تلك المعاهدات عبارة عن قصاصات ورق لا قيمة لها ولا فائدة ترجى منها كما هو حاصل الآن بين حكومة بريطانيا ومصر في معاهدة السودان، بل في مصر نفسها، وكما حصل بين إيطاليا والحبشة.
وفعلا لم تدم هذه الحالة في القرم زمنا طويلا فقد أدمجت بعد ذلك بأربع سنوات؛ أي: في سنة 1783م في صلب الإمبراطورية الروسية وتلاشى بطبيعة الحال مركز الخان.
واضطر آخر خان تولى الحكم في شبه الجزيرة وكان يقال له (بختي جيراي) إلى أن يبارحها، وتوفي هذا الخان في شهر رمضان سنة 1215ه (يناير سنة 1801م) في جزيرة مدللي التابعة للإمبراطورية العثمانية، ويبلغ عدد المسلمين بها الآن 200000 نسمة وهو يساوي ثلث مجموع سكانها.
وقد استقينا أغلب هذه المعلومات من دائرة المعارف الإسلامية بالأعداد التي بها الأسماء - بغجه سراي، وجيراي، وقرم.
والآن نذكر لك ما جاء عن وصف شبه جزيرة القرم في كتاب تحفة النظار المعروف (برحلة ابن بطوطة المتوفى في سنة 779ه/1378م) طبع باريس من ص 354 إلى ص 412، قال هذا الرحالة: (1) من مدينة صنوب إلى مرسى الكرش
وكانت إقامتنا بهذه المدينة (أي: صنوب) نحو أربعين يوما ننتظر تيسير السفر في البحر إلى مدينة القرم، فاكترينا مركبا للروم وأقمنا أحد عشر يوما ننتظر مساعدة الريح، ثم ركبنا البحر فلما توسطناه بعد ثلاث هال علينا واشتد بنا الأمر ورأينا الهلاك عيانا وكنت بالطارمة ومعي رجل من أهل المغرب يسمى أبا بكر، فأمرته أن يصعد إلى أعلى المركب ليظر كيف البحر، ففعل ذلك وأتاني بالطارمة فقال لي: أستودعكم الله، ودهمنا من الهول ما لم يعهد مثله، ثم تغيرت الريح وردتنا إلى مقربة من مدينة (صنوب) التي خرجنا منها، وأراد بعض التجار النزول إلى مرساها فمنعت صاحب المركب من إنزاله، ثم استقامت الريح وسافرنا فلما توسطنا البحر هال علينا وجرى لنا مثل المرة الأولى، ثم ساعدت الريح ورأينا جبال البر وقصدنا مرسى يسمى (الكرش)، فأردنا دخوله فأشار إلينا أناس كانوا بالجبل أن لا تدخلوا، فخفنا على أنفسنا وظننا أن هنالك أجفانا للعدو فرجعنا مع البر. (2) وصف مرسى الكرش
فلما قاربناه قلت لصاحب المركب: أريد أن أنزل ها هنا فأنزلني بالساحل ورأيت كنيسة فقصدتها فوجدت بها راهبا، ورأيت في أحد حيطان الكنيسة صورة رجل عربي عليه عمامة متقلد سيفا وبيده رمح وبين يديه سراج يقد، فقلت للراهب: ما هذه الصورة؟ فقال: هذه صورة النبي علي فعجبت من قوله وبتنا تلك الليلة بالكنيسة وطبخنا دجاجا فلم نستطع أكلها؛ إذ كانت مما استصحبناه في المركب ورائحة البحر قد غلبت على كل ما كان فيه، وهذا الموضع الذي نزلنا به هو من الصحراء المعروفة بدشت قفجق، والدشت: بالشين المعجم والتاء المثناة بلسان الترك هو الصحراء، وهذه الصحراء خضرة نضرة لا شجر بها ولا جبل ولا تل ولا تثنية ولا حطب، وإنما يوقدون الأرواث ويسمونها التزك بالزاي المفتوح، فترى كبراءهم يلقطونها ويجعلونها في أطراف ثيابهم، ولا يسافر في هذه الصحراء إلا في العجل، وهي مسيرة ستة أشهر ثلاثة منها في بلاد السلطان محمد أوزبك وثلاثة في بلاد غيره. (3) وصف مدينة الكفا
ولما كان الغد من يوم وصولنا إلى هذه المرسى توجه بعض التجار من أصحابنا إلى من بهذه الصحراء من الطائفة المعروفة بقفجق، وهم على دين النصرانية فاكترى منهم عجلة يجرها الفرس فركبناها ووصلنا إلى مدينة (الكفا) واسمها بكاف وفاء مفتوحتين، وهي مدينة عظيمة مستطيلة على ضفة البحر يسكنها النصارى وأكثرهم الجنويون، ولهم أمير يعرف بالدمدير ونزلنا منها بمسجد المسلمين. (4) حكاية
ولما نزلنا بهذا المسجد أقمنا به ساعة، ثم سمعنا أصوات النواقيس من كل ناحية ولم أكن سمعتها قط فهالني ذلك، وأمرت أصحابي أن يصعدوا الصومعة ويقرءوا القرآن ويذكروا الله ويؤذنوا ففعلوا ذلك فإذا برجل قد دخل علينا وعليه الدرع والسلاح فسلم علينا واستفهمناه عن شأنه، فأخبرنا أنه قاضي المسلمين هناك، وقال: لما سمعت القراءة والأذان خفت عليكم فجئت كما ترون، ثم انصرف عنا، وما رأينا إلا خيرا، ولما كان من الغد جاء إلينا الأمير وصنع طعاما فأكلنا عنده وطفنا بالمدينة فرأيناها حسنة الأسواق وكلهم كفار، ونزلنا إلى مرساها فرأينا مرسى عجيبا به نحو مائتي مركب ما بين حربي وسفري صغير وكبير وهو من مراسي الدنيا الشهيرة. (5) وصف مدينة القرم
ثم اكترينا عجلة وسافرنا إلى مدينة القرم وهي بكسر القاف وفتح الراء، مدينة كبيرة حسنة من بلاد السلطان المعظم محمد أوزبك خان، وعليها أمير من قبله اسمه تلكتمور وضبط اسمه بتاء مثناة مضمومة ولام مضموم وكاف مسكن وتاء كالأولى مضمومة وميم مضمومة وواو وراء، وكان أحد خدام هذا الأمير قد صحبنا في طريقنا فعرفه بقدومنا، فبعث إلي مع إمامه سعد الدين بفرس ونزلنا بزاوية شيخها زاده الخراساني، فأكرمنا هذا الشيخ ورحب بنا وأحسن إلينا وهو معظم عندهم ، ورأيت الناس يأتون للسلام عليه من قاض وخطيب وفقيه وسواهم، وأخبرني هذا الشيخ زاده أن بخارج هذه المدينة راهبا من النصارى في دير يتعبد به ويكثر الصوم ، وأنه انتهى إلى أن يواصل أربعين يوما ثم يفطر على حبة فول، وأنه يكاشف بالأمور ورغب مني أن أصحبه في التوجه إليه فأبيت ثم ندمت بعد ذلك على أن لم أكن رأيته وعرفت حقيقة أمره.
ولقيت بهذه المدينة قاضيها الأعظم شمس الدين السايلي قاضي الحنفية، ولقيت بها قاضي الشافعية وهو يسمى بخضر، والفقيه المدرس علاء الدين الأصي، وخطيب الشافعية أبا بكر وهو الذي يخطب بالمسجد الجامع الذي عمره الملك الناصر
2
رحمه الله بهذه المدينة، والشيخ الحكيم الصالح مظفر الدين وكان من الروم فأسلم وحسن إسلامه، والشيخ الصالح العابد مظهر الدين وهو من الفقهاء المعظمين، وكان الأمير تلكتمور مريضا فدخلنا عليه فأكرمنا وأحسن إلينا، وكان علي التوجه إلى مدينة السرا حضرة السلطان محمد أوزبك فعملت على السير في صحبته واشتريت العجلات برسم ذلك. (6) ذكر العجلات التي يسافر عليها بهذه البلاد
وهم يسمون العجلة عربة بعين مهملة وراء وباء موحدة مفتوحات، وهي عجلات تكون للواحدة منهن أربع بكرات كبار، ومنها ما يجره فرسان، ومنها ما يجره أكثر من ذلك، وتجرها أيضا البقر والجمال على حال العربة في ثقلها أو خفتها، والذي يخدم العربة يركب أحد الأفراس التي تجرها، ويكون عليه سرج وفي يده سوط يحركها للمشي وعود كبير يصوبها به إذا عاجت عن القصد، ويجعل على العربة شبه قبة من قضبان خشب مربوط بعضها إلى بعض بسيور جلد رقيق، وهي خفيفة الحمل وتكسى باللبد أو بالملف، ويكون فيها طيقان مشبكة ويرى الذي بداخلها الناس ولا يرونه، ويتقلب فيها كما يحب وينام ويأكل ويقرأ ويكتب وهو في حال سيره، والتي تحمل الأثقال والأزواد وخزائن الأطعمة من هذه العربات يكون عليها شبه البيت كما ذكرنا وعليه قفل.
وجهزت لما أردت السفر عربة لركوبي مغشاة باللبد ومعي بها جارية لي، وعربة صغيرة لرفيقي عفيف الدين التوزري، وعجلة كبيرة لسائر الأصحاب يجرها ثلاثة من الجمال، يركب أحدهما خادم العربة، وسرنا في صحبة الأمير تلكتمور وأخيه عيسى وولديه قطلودمور وصاروبك، وسافر أيضا معه في هذه الوجهة إمامه سعد الدين، والخطيب أبو بكر، والقاضي شمس الدين، والفقيه شرف الدين موسى، والمعرف علاء الدين، وخطة هذا المعرف أن يكون بين يدي الأمير في مجلسه، فإذا أتى القاضي يقف له هذا المعرف ويقول بصوت عال، بسم الله سيدنا ومولانا قاضي القضاة والحكام مبين الفتاوى والأحكام بسم الله، وإذا أتى فقيه معظم أو رجل مشار إليه قال: بسم الله سيدنا فلان الدين بسم الله، فيتهيأ من كان حاضرا لدخول الداخل ويقوم إليه ويفسح له في المجلس، وعادة الأتراك أن يسيروا في هذه الصحراء سيرا كسير الحجاج في درب الحجاز، يرحلون بعد صلاة الصبح وينزلون ضحى ويرحلون بعد الظهر وينزلون عشيا، وإذا نزلوا حلوا الخيل والإبل والبقر عن العربات، وسرحوها للرعي ليلا ونهارا، ولا يعلف أحد دابة لا السلطان ولا غيره.
وخاصية هذه الصحراء أن نباتها يقوم مقام الشعير للدواب، وليست لغيرها من البلاد هذه الخاصية؛ ولذلك كثرة الدواب بها، ودوابهم لا رعاة لها ولا حراس، وذلك لشدة أحكامهم في السرقة، وحكمهم فيها أنه من وجد عنده فرس مسروق كلف أن يرده إلى صاحبه ويعطيه معه تسعة مثله، فإن لم يقدر على ذلك أخذ أولاده في ذلك، فإن لم يكن له أولاد ذبح كما تذبح الشاة.
وهؤلاء الأتراك لا يأكلون الخبز ولا الطعام الغليظ، وإنما يصنعون طعاما من شيء عندهم شبه الآتلي يسمونه (الدوقي) بدال مهمل مضموم وواو وقاف مكسور معقود، يجعلون على النار الماء فإذا غلى صبوا عليه شيئا من هذا الدوقي، وإن كان عندهم لحم قطعوه قطعا صغارا وطبخوه معه ثم يجعل لكل رجل نصيبه في صحفة، ويصبون عليه اللبن الرائب ويشربونه ويشربون عليه لبن الخيل وهم يسمونه (القمز) بكسر القاف والميم والزاي المشدد، وهم أهل قوة وشدة وحسن مزاج، ويستعملون في بعض الأوقات طعاما يسمونه (البورخاني) وهو عجين يقطعونه قطيعات صغارا ويثقبون أوساطها ويجعلونها في قدر، فإذا طبخت صبوا عليها اللبن الرائب وشربوها، ولهم نبيذ يصنعونه من حب (الدوقي) الذي تقدم ذكره.
وهم يرون أكل الحلواء عيبا، ولقد حضرت يوما عند السلطان أوزبك في رمضان، فأحضرت لحوم الخيل وهي أكثر ما يأكلون من اللحم ولحوم الأغنام والرشتا وهو شبه الأطرية يطبخ ويشرب باللبن، وأتيته تلك الليلة بطبق حلواء صنعها بعض أصحابي فقدمتها بين يديه فجعل أصبعه عليها وجعله على فيه ولم يزد على ذلك، وأخبرني الأمير تلكتمور أن أحد الكبار من مماليك هذا السلطان وله من أولاده وأولاد أولاده نحو أربعين ولدا قال له السلطان يوما: كل الحلواء وأعتقكم جميعا، فأبى وقال: لو قتلتني ما أكلتها.
ولما خرجنا من مدينة (القرم) نزلنا بزاوية الأمير تلكتمور في موضع يعرف بسججان فبعث إلي أن أحضر عنده فركبت إليه، وكان لي فرس معد لركوبي يقوده خديم العربة، فإذا أردت ركوبه ركبته، وأتيت الزاوية فوجدت الأمير قد صنع بها طعاما كثيرا فيه الخبز، ثم أتوا بماء أبيض في صحاف صغار فشرب القوم منه، وكان الشيخ مظفر الدين يلي الأمير في مجلسه وأنا إليه، فقلت له: ما هذا؟ فقال: هذا ماء الدهن، فلم أفهم ما قال: فذقته فوجدته له حموضة فتركته، فلما خرجت سألت عنه فقالوا: هو نبيذ يصنعونه من حب (الدوقي)، وهم حنفية المذهب، والنبيذ عندهم حلال، ويسمون هذا النبيذ المصنوع من (الدوقي) البوزة بضم الباء الموحدة وواو مد وزاي مفتوح، وإنما قال لي الشيخ مظفر الدين: ماء الدخن ولسانه فيه اللكنة الأعجمية، فظننت أنه يقول: ماء الدهن. (7) وصف مدينة أزاق
وبعد مسيرة ثمانية عشر منزلا من مدينة (القرم) وصلنا إلى ماء كثير نخوضه يوما كاملا وإذا كثر خوض الدواب والعربات في هذا الماء اشتد وحله وزاد صعوبة، فذهب الأمير إلى راحتي، وقدمني أمامه مع بعض خدامه، وكتب لي كتابا إلى أمير أزاق يعلمه أني أريد القدوم على الملك، ويحضه على إكرامي، وسرنا حتى انتهينا إلى ماء آخر نخوضه نصف يوم، ثم سرنا بعده ثلاثا ووصلنا إلى مدينة (أزاق) وضبط اسمها بفتح الهمزة والزاي وآخره قاف، وهي على ساحل البحر حسنة العمارة، يقصدها الجنويون وغيرهم بالتجارات، وبها من الفتيان أخي بجقجي وهو من العظماء يطعم الوارد والصادر، ولما وصل كتاب الأمير تلكتمور إلى أمير أزاق وهو محمد خواجه الخوارزمي خرج إلى استقبالي ومعه القاضي والطلبة وأخرج الطعام، فلما سلمنا عليه نزلنا بموضع أكلنا فيه ووصلنا إلى المدينة ونزلنا بخارجها بمقربة من رابطة هنالك تنسب للخضر وإلياس عليهما السلام، وخرج شيخ من أهل (أزاق) يسمى برجب النهر ملكي نسبة إلى قرية بالعراق، فأضافنا بزاوية له ضيافة حسنة.
وبعد يومين من قدومنا قدم الأمير تلكتمور وخرج الأمير محمد للقائه ومعه القاضي والطلبة وأعدوا له الضيافات وضربوا ثلاث قباب متصلا بعضها ببعض، إحداها من الحرير الملون عجيبة، والثنتان من الكتان، وأداروا عليها سراجة وهي المسماة عندنا أفراج، وخارجها الدهليز وهو على هيئة البرج عندنا، ولما نزل الأمير بسطت بين يديه شقاق الحرير يمشي عليها، فكان من مكارمه وفضله أن قدمني أمامه ليرى ذلك الأمير منزلتي عنده، ثم وصلنا إلى الخباء الأولى وهي المعدة لجلوسه، وفي صدرها كرسي من الخشب لجلوسه كبير مرصع وعليه مرتبة حسنة، فقدمني الأمير أمامه، وقدم الشيخ مظفر الدين وصعد هو فجلس فيما بيننا ونحن جميعا على المرتبة، وجلس قاضيه وخطيبه وقاضي هذه المدينة وطلبتها عن يسار الكرسي على فرش فاخرة، ووقف ولدا الأمير تلكتمور وأخوه والأمير محمد وأولاده في الخدمة، ثم أتوا بالأطعمة من لحوم الخيل وسواها وأتوا بألبان الخيل، ثم أتوا بالبوزة.
وبعد الفراغ من الطعام قرأ القراء بالأصوات الحسان، ثم نصب منبر وصعده الواعظ وجلس القراء بين يديه وخطب خطبة بليغة ودعا للسلطان وللأمير وللحاضرين، يقول ذلك بالعربي ثم يفسره لهم بالتركي، وفي أثناء ذلك يكرر القراء آيات من القرآن بترجيع عجيب، ثم أخذوا في الغناء يغنون بالعربي ويسمونه (القول) ثم بالفارسي والتركي ويسمونه (الملمع)، ثم أتوا بطعام آخر ولم يزالوا على ذلك إلى العشي، وكلما أردت الخروج منعني الأمير ثم جاءوا بكسوة للأمير وكسى لولديه وأخيه وللشيخ مظفر الدين ولي، وأتوا بعشرة أفراس للأمير ولأخيه ولولديه بستة أفراس، ولكل كبير من أصحابه بفرس ولي بفرس.
والخيل بهذه البلاد كثيرة جدا وثمنها نزر، قيمة الجيد منها خمسون درهما أو ستون من دراهمهم وذلك صرف دينار من دنانيرنا أو نحوه، وهذه الخيل هي التي تعرف بمصر بالأكاديش، ومنها معاشهم وهي ببلادهم كالغنم ببلادنا بل أكثر، فيكون للتركي منهم آلاف منها، ومن عادة الترك المستوطنين تلك البلاد أصحاب الخيل أنهم يضعون في العربات التي تركب فيها نساؤهم قطعة لبد في طول الشبر مربوطة إلى عود في طول الذراع في ركن العربة، ويجعل لكل ألف فرس قطعة، ورأيت منهم من يكون له عشر قطع ومن له دون ذلك، وتحمل هذه الخيل إلى بلاد الهند فيكون في الرفقة منها ستة آلاف وما فوقها وما دونها، لكل تاجر المئة والمئتان، فما دون ذلك وما فوقه، ويستأجر التاجر لكل خمسين منها راعيا يقوم عليها ويرعاها كالغنم ويسمى عندهم (القشي)، ويركب أحدها وبيده عصى طويلة فيها حبل، فإذا أراد أن يقبض على فرس منها حاذاه بالفرس الذي هو راكبه، ورمى الحبل في عنقه وجذبه، فيركبه ويترك الآخر للرعي.
وإذا وصلوا بها إلى أرض (السند) أطعموها العلف؛ لأن نبات أرض (السند) لا يقوم مقام الشعير، ويموت لهم منها الكثير ويسرق، ويغرمون عليها بأرض (السند) سبعة دنانير فضة على الفرس بموضع يقال له: (ششنقار)، ويغرمون عليها بملتان قاعدة بلاد السند، وكانوا فيما تقدم يغرمون ربع ما يجلبونه فرفع ملك الهند السلطان محمد ذلك، وأمر أن يؤخذ من تجار المسلمين الزكاة ومن تجار الكفار العشر، ومع ذلك يبقى للتجار فيها فضل كبير؛ لأنهم يبيعون الرخيص منها ببلاد الهند بمئة دينار دراهم، وصرفها من الذهب المغربي خمسة وعشرون دينارا، وربما باعوها بضعف ذلك وضعيفه، والجياد منها تساوي خمس مئة دينار وأكثر من ذلك وأهل الهند لا يبتاعونها للجري والسبق؛ لأنهم يلبسون في الحرب الدروع ويدرعون الخيل وإنما يبتغون قوة الخيل واتساع خطاها، والخيل التي يبتغونها للسبق تجلب إليهم من اليمن وعمان وفارس ويباع الفرس منها بألف دينار إلى أربعة آلاف. (8) وصف مدينة الماجر
ولما سافر الأمير تلكتمور عن هذه المدينة أقمت بعده ثلاثة أيام حتى جهز لي الأمير محمد خواجه آلات سفري وسافرت إلى مدينة (الماجر)، وهي بفتح الميم وألف وجيم مفتوح معقود وراء مدينة كبيرة من أحسن مدن الترك على نهر كبير وبها البساتين والفواكه الكثيرة، نزلنا منها بزاوية الشيخ الصالح العابد المعمر محمد البطائحي من بطائح العراق وكان خليفة الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه، وفي زاويته نحو سبعين من فقراء العرب والفرس والترك والروح منهم المتزوج والعزب وعيشهم من الفتوح.
ولأهل تلك البلاد اعتقاد حسن في الفقراء، وفي كل ليلة يأتون إلى الزاوية بالخيل والبقر والغنم ويأتي السلطان والخواتين
3
لزيارة الشيخ والتبرك به، ويجزلون الإحسان ويعطون العطاء الكثير وخصوصا النساء فإنهن يكثرن الصدقة ويتحرين أفعال الخير، وصلينا بمدينة الماجر صلاة الجمعة، فلما قضيت الصلاة صعد الواعظ عز الدين المنبر - وهو من فقهاء بخارى وفضلائها وله جماعة من الطلبة والقراء يقرءون بين يديه - ووعظ وذكر وأمير المدينة حاضر وكبراؤها، فقام الشيخ محمد البطائحي فقال: إن الفقيه الواعظ يريد السفر ونريد له زوادة، ثم خلع فرجية مرعز كانت عليه وقال: هذه مني إليه، فكان الحاضرون بين من خلع ثوبه ومن أعطى فرسا ومن أعطى دراهم، واجتمع له كثير من ذلك كله.
ورأيت بقيسارية هذه المدينة يهوديا سلم علي وكلمني بالعربي، فسألته عن بلاده، فذكر أنه من بلاد الأندلس وأنه قدم منها في البر ولم يسلك بحرا وأتى على طريق القسطنطينية العظمى وبلاد الروم وبلاد الجركس، وذكر أن عهده بالأندلس منذ أربعة أشهر، وأخبرني التجار المسافرون الذين لهم المعرفة بذلك بصحة مقاله.
ورأيت بهذه البلاد عجبا من تعظيم السناء عندهم وهن أعلى شأنا من الرجال، فأما نساء الأمراء فكانت أول رؤيتي لهن عند خروجي من القوم رؤية الخاتون زوجة الأمير سلطيه في عربة لها، وكلها مجللة بالملف الأزرق الطيب وطيقان البيت مفتوحة وأبوابه، وبين يديها أربع جوار فائقات الحسن بديعات اللباس، وخلفها جملة من العربات فيها جوار يتبعنها، ولما قربت من منزل الأمير نزلت عن العربة إلى الأرض ونزل معها نحو ثلاثين من الجواري يرفعن أذيالها، ولأثوابها عرى تأخذ كل جارية بعروة ويرفعن الأذيال عن الأرض من كل جانب، ومشت كذلك متبخترة، فلما وصلت إلى الأمير قام إليها وسلم عليها وأجلسها إلى جانبه ودار بها جواريها وجاءوا بروايا القمز فصبت منه في قدح وجلست على ركبتيها قدام الأمير وناولته القدح فشرب، ثم سقت أخاه وسقاها الأمير وحضر الطعام فأكلت معه وأعطاها كسوة وانصرفت.
وعلى هذا الترتيب نساء الأمراء وسنذكر نساء الملك فيما بعد، وأما نساء الباعة والسوقة فرأيتهن وإحداهن تكون في العربة والخيل تجرها وبين يديها الثلاث والأربع من الجواري يرفعن أذيالها، وعلى رأسها البغطاق وهو أقروف مرصع بالجوهر وفي أعلاه ريش الطواويس، وتكون طيقان البيت مفتوحة وهي بادية الوجه؛ لأن نساء الأتراك لا يحتجبن، وتأتي إحداهن على هذا الترتيب ومعها عبيدها بالغنم واللبن فتبيعه من الناس بالسلع العطرية، وربما كان مع المرأة منهن زوجها فيظنه من يراه بعض خدامها، ولا يكون عليه من الثياب إلا فروة من جلد الغنم وفي رأسه قلنسوة تناسب ذلك يسمونها الكلا. (9) معسكر السلطان في بش دغ
وتجهزنا من مدينة الماجر نقصد معسكر السلطان وكان على أربعة أيام من الماجر بموضع يقال له (بش دغ) ومعنى (بش) عندهم خمسة وهو بكسر الباء وشين معجم، ومعنى (دغ) الجبل وهو بفتح الدال المهمل وغين معجم، وبهذه الجبال الخمسة عين ماء حار يغتسل منها الأتراك، ويزعمون أنه من اغتسل منها لم تصبه عاهة مرض.
وارتحلنا إلى موضع (المحلة) فوصلناه أول يوم من رمضان فوجدنا المحلة قد رحلت، فعدنا إلى الموضع الذي رحلنا منه؛ لأن المحلة تنزل بالقرب منه، فضربت بيتي على تل هنالك وركزت العلم أمام البيت وجعلت الخيل والعربات وراء ذلك، وأقبلت المحلة وهم يسمونها (الأردو) بضم الهمزة فرأينا مدينة عظيمة تسير بأهلها فيها المساجد والأسواق ودخان المطبخ صاعد في الهواء وهم يطبخون في حال رحيلهم والعربات تجرها الخيل بهم، فإذا بلغوا المنزل نزلوا البيوت عن العربات وجعلوها على الأرض، وهي خفيفة المحمل، وكذلك يصنعون بالمساجد والحوانيت.
واجتاز بنا خواتين السلطان كل واحدة بناسها على حدة، ولما اجتازت الرابعة منهن وهي بنت الأمير عيسى بك - وسنذكرها - رأت البيت بأعلى التل والعلم أمامه وهو علامة الوارد، فبعثت الفتيان والجواري فسلموا علي وبلغوا سلامها إلي وهي واقفة تنتظرهم، فبعثت إليها هدية مع بعض أصحابي ومع معرف الأمير تلكتمور، فقبلتها تبركا وأمرت أن أنزل في جوارها وانصرفت وأقبل السلطان فنزل في محلته على حدة. (10) ذكر السلطان المعظم محمد أوزبك خان
واسمه محمد أوزبك بضم الهمزة وواو وزاي مسكن وباء موحدة مفتوحة، ومعنى خان عندهم السلطان، وهذا السلطان عظيم المملكة، شديد القوة، كبير الشأن، رفيع المكان، قاهر لأعداء الله أهل قسطنطينية العظمى، مجتهد في جهادهم، وبلاده متسعة، ومدنه عظيمة، منها (الكفا) و(القرم) و(الماجر) و(أزاق) و(سرداق) و(سوادق) و(خوارزم) وحضرته (السرا)، وهو أحد الملوك السبعة الذين هم كبراء ملوك الدنيا وعظماؤها، وهم مولانا أمير المؤمنين ظل الله في أرضه، إمام الطائفة المنصورة الذين لا يزالون ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة، أيد الله أمره وأعز نصره، وسلطان مصر والشام، وسلطان العراقين، والسلطان أوزبك هذا، وسلطان بلاد تركستان وما وراء النهر، وسلطان الهند، وسلطان الصين.
ويكون هذا السلطان إذا سافر في محلة على حدة معه مماليكه وأرباب دولته، وتكون كل خاتون من خواتينه على حدة في محلتها، فإذا أراد أن يكون عند واحدة منهن بعث إليها يعلمها بذلك فتتهيأ له، وله في قعوده وسفره وأموره ترتيب عجيب بديع، ومن عادته أن يجلس يوم الجمعة بعد الصلاة في قبة تسمى قبة الذهب مزينة بديعة، وهي من قضبان حشب مكسوة بصفائح الذهب، وفي وسطها سرير من خشب مكسو بصفائح الفضة المذهبة وقوائمه فضة خالصة، ورءوسها مرصعة بالجواهر.
ويقعد السلطان على السرير وعلى يمينه الخاتون طيطغلي وتليها الخاتون بك، وعلى يساره الخاتون بيلون وتليها الخاتون أردجي، ويقف أسفل السرير عن اليمين ولد السلطان تين بك، وعن الشمال ولده الثاني جان بك، وتجلس بين يديه ابنته إيت كججك، وإذا أتت إحداهن قام لها السلطان وأخذ يدها حتى تصعد على السرير، وأما طيطغلي وهي الملكة وأحظاهن عنده فإنه يستقبلها إلى باب القبة فيسلم عليها ويأخذ بيدها، فإذا صعدت على السرير وجلست حينئذ يجلس السلطان، وهذا كله على أعين الناس دون احتجاب.
ويأتي بعد ذلك كبار الأمراء فتنصب لهم كراسيهم عن اليمين والشمال، وكل إنسان منهم إذا أتى مجلس السلطان يأتي معه غلام بكرسيه، ويقف بين يدي السلطان أبناء الملوك من بني عمه وإخوته وأقاربه، ويقف في مقابلتهم عند باب القبة أولاد الأمراء الكبار، ويقف خلفهم وجوه العساكر عن يمين وشمال، ثم يدخل الناس للسلام الأمثل فالأمثل ثلاثة ثلاثة، فيسلمون وينصرفون فيجلسون على بعد، فإذا كان بعد صلاة العصر انصرفت الملكة من الخواتين ثم ينصرف سائرهن فيتبعنها إلى محلتها، فإذا دخلت إليها انصرفت كل واحدة إلى محلتها راكبة عربتها ومع كل واحدة نحو خمسين جارية راكبات على الخيل، وأمام العربة نحو عشرين من قواعد النساء راكبات على الخيل فيما بين الفتيان والعربة، وخلف الجميع نحو مئة مملوك من الصبيان، وأمام الفتيان نحو مئة من المماليك الكبار ركبانا ومثلهم مشاة بأيديهم القضبان والسيوف مشدودة على أوساطهم وهم بين الفرسان والفتيان؛ وهكذا ترتيب كل خاتون منهن في انصرافها ومجيئها.
وكان نزولي من المحلة في جوار ولد السلطان جان بك الذي يقع ذكره فيما بعد، وفي الغد من يوم وصولي دخلت إلى السلطان بعد صلاة العصر وقد جمع المشايخ والقضاة والفقهاء والشرفاء والفقراء، وقد صنع طعاما كثيرا وأفطرنا بمحضره، وتكلم السيد الشريف نقيب الشرفاء ابن عبد الحميد والقاضي حمزة في شأني بالخير، وأشاروا على السلطان بإكرامي، وهؤلاء الأتراك لا يعرفون إنزال الوارد ولا إجراء النفقة وإنما يبعثون له الغنم والخيل للذبح وروايا القمز، وتلك كرامتهم، وبعد هذا بأيام صليت صلاة العصر مع السلطان، فلما أردت الانصراف أمرني بالقعود وجاءوا بالطعام من المشروبات كما يصنع من الدوقي ثم باللحوم المسلوقة من الغنم والخيل، وفي تلك الليلة أتيت السلطان بطبق حلواء فجعل أصبعه عليه وجعله على فيه ولم يزد على ذلك. (11) ذكر الخواتين وترتيبهن
وكل خاتون منهن تركب في عربة، وللبيت الذي تكون فيه قبة من الفضة المموهة بالذهب أو من الخشب المرصع، وتكون الخيل التي تجر عربتها مجللة بأثواب الحرير المذهب، وخديم العربة الذي يركب أحد الخيل فتى يدعى القشي، والخاتون قاعدة في عربتها وعن يمينها امرأة من القواعد تسمى أولو خاتون بضم الهمزة واللام، ومعنى ذلك الوزيرة، وعن شمالها امرأة من القواعد أيضا تسمى كجك خاتون بضم الكاف والجيم ومعنى ذلك الحاجبة، وبين يديها ست من الجواري الصغار يقال لهن: البنات فائقات الجمال متناهيات الكمال، ومن ورائها ثنتان منهن تستند إليهن.
وعلى رأس الخاتون البغطاق وهو مثل التاج الصغير مكلل بالجواهر وبأعلاه ريش الطواويس، وعليها ثياب حرير مرصعة بالجوهر شبه المنوت (الملوطة) التي يلبسها الروم، وعلى رأس الوزيرة والحاجبة مقنعة حرير مزركشة الحواشي بالذهب والجوهر، وعلى رأس كل واحدة من البنات الكلا وهو شبه الأقروف وفي أعلاه دائرة ذهب مرصعة بالجوهر وريش الطواويس من فوقها، وعلى كل واحدة ثوب حرير مذهب يسمى النخ.
ويكون بين يدي الخاتون عشرة أو خمسة عشر من الفتيان الروميين والهنديين وقد لبسوا ثياب الحرير المذهب المرصعة بالجواهر، وبيد كل واحد منهم عمود ذهب أو فضة، أو يكون من عود ملبس بهما، وخلف عربة الخاتون نحو مئة عربة في كل عربة الثلاث والأربع من الجواري الكبار والصغار، ثيابهن الحرير وعلى رءوسهن الكلا، وخلف هذه العربات نحو ثلاث مئة عربة تجرها الجمال والبقر تحمل خزائن الخاتون وأموالها وثيابها وأثاثها وطعامها، ومع كل عربة غلام موكل بها متزوج بجارية من الجواري التي ذكرنا، فإن العادة عندهم أنه لا يدخل بين الجواري من الغلمان إلا من كان له بينهن زوجة، وكل خاتون فهي على هذا الترتيب ولنذكرهن على الانفراد. (11-1) ذكر الخاتون الكبرى
والخاتون الكبرى هي الملكة أم ولدي السلطان جان بك وتين بك، وسنذكرهما، وليست أم ابنته إيت كججك، وأمها كانت الملكة قبل هذه واسم هذه الخاتون طيطغلي، بفتح الطاء المهملة الأولى واسكان الياء آخر الحروف وضم الطاء الثانية وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام وياء مد، وهي أحظى نساء هذا السلطان عنده وعندها يبيت أكثر لياليه، ويعظمها الناس بسبب تعظيمه لها، وإلا فهي أبخل الخواتين - إلى أن قال:
وفي غد اجتماعي بالسلطان دخلت إلى هذه الخاتون وهي قاعدة فيما بين عشر من النساء القواعد كأنهن خديمات لها وبين يديها نحو خمسين جارية صغار يسمون البنات، وبين أيديهن طيافير الذهب والفضة مملوءة بحب الملوك وهن ينقينه، وبين يدي الخاتون صينية ذهب مملوءة منه وهي تنقيه فسلمنا عليها، وكان في جملة أصحابي قارئ يقرأ القرآن على طريقة المصريين بطريقة حسنة وصوت طيب، فقرأ ثم أمرت أن يؤتى بالقمز فأوتي به في أقداح خشب لطاف خفاف، فأخذت القدح بيدها وناولتني إياه وتلك نهاية الكرامة عندهم ولم أكن شربت القمز قبلها، ولكن لم يمكنني إلا قبوله وذقته ولا خير فيه ودفعته لأحد أصحابي، وسألتني عن كثير من حال سفرنا فأجبناها ثم انصرفنا عنها، وكان ابتداؤنا بها لأجل عظمتها عند الملك. (11-2) ذكر الخاتون الثانية التي تلي الملكة
واسمها كبك خاتون بفتح الكاف الأولى وفتح الباء الموحدة، ومعناه بالتركية النخالة، وهي بنت الأمير نغطي واسمه بنون وغين معجمة وطاء مهملة مفتوحات وياء مسكنة، وأبوها حي مبتلى بعلة النقرس وقد رأيته، وفي غد دخولنا على الملكة دخلنا على هذه الخاتون فوجدناها على مرتبة تقرأ في المصحف الكريم وبين يديها نحو عشر من النساء القواعد، ونحو عشرين من البنات يطرزن ثيابا فسلمنا عليها وأحسنت في السلام والكلام، وقرأ قارئنا فاستحسنته وأمرت بالقمز فأحضر وناولتني بالقدح بيدها كمثل ما فعلته الملكة وانصرفنا عنها. (11-3) ذكر الخاتون الثالثة
واسمها بيلون بباء موحدة وياء آخر الحروف كلاهما مفتوح ولام مضموم وواو مد ونون، وهي بنت ملك القسطنطينية العظمى السلطان تكفور، ودخلنا على هذه الخاتون وهي قاعدة على سرير مرصع قوائمه فضة وبين يديها نحو مئة جارية روميات وتركيات ونوبيات منهن قائمات وقاعدات، والفتيان على رأسها والحجاب بين يديها من رجال الروم، فسألت عن حالنا ومقدمنا وبعد أوطاننا وبكت ومسحت وجهها بمنديل كان بين يديها رقة منها وشفقة، وأمرت بالطعام فأحضر وأكلنا بين يديها وهي تنظر إلينا، ولما أردنا الانصراف قالت: لا تنقطعوا عنا وترددوا إلينا وطالعونا بحوائجكم، وأظهرت مكارم الأخلاق وبعثت في أثرنا بطعام وخبز كثير وسمن وغنم ودراهم وكسوة جيدة وثلاثة من جياد الخيل وعشرة من سائرها، ومع هذه الخاتون كان سفري إلى القسطنطينية العظمى كما نذكره بعد. (11-4) ذكر الخاتون الرابعة
واسمها أردجا بضم الهمزة وإسكان الراء وضم الدال المهمل وجيم وألف، وارد بلسانهم المحلة وسميت بذلك لولادتها في المحلة، وهي بنت الأمير الكبير عيسى بك أمير الألوس بضم الهمزة واللام ومعناه أمير الأمراء وأدركته حيا وهو متزوج ببنت السلطان إيت كججك، وهذه الخاتون من أفضل الخواتين وألطفهن شمايل وأشفقهن، وهي التي بعثت إلي لما رأت بيتي على التل عند جواز المحلة كما قدمناه، دخلنا عليها فرأينا من حسن خلقها وكرم نفسها ما لا مزيد عليه، وأمرت بالطعام فأكلنا بين يديها ودعت بالقمز فشرب أصحابنا، وسألت عن حالنا فأجبناها ودخلنا أيضا إلى أختها زوجة الأمير علي بن أرزق. (12) ذكر بنت السلطان المعظم أوزبك
اسمها إيت كججك، وإيت بكسر الهمزة وياء مد وتاء مثناة، وكجك بضم الكاف وضم الجيمين ومعنى اسمها الكلب الصغير، فإن إيت هو الكلب وكججك هو الصغير، وقد قدمنا أن الترك يسمون بالفأل كما تفعل العرب، وتوجهنا إلى هذه الخاتون بنت الملك وهي في ملحة منفردة على نحو ستة أميال من محلة والدها، فأمرت بإحضار الفقهاء والقضاة والسيد الشريف ابن عبد الحميد وجماعة الطلبة والمشائخ والفقراء، وحضر زوجها الأمير عيسى الذي بنته زوجة السلطان، فقعد معها على فراش واحد وهو معتل بالنقرس فلا يستطيع التصرف على قدميه ولا ركوب الفرس، وإنما يركب العربة، وإذا أراد الدخول على السلطان أنزله خدامه وأدخلوه إلى المجلس محمولا، وعلى هذه الصورة رأيت أيضا الأمير نغطي وهو أبو الخاتون الثانية، وهذه العلة فاشية في هؤلاء الأتراك، ورأينا من هذه الخاتون بنت السلطان من المكارم وحسن الأخلاق ما لم نره من سواها وأجزلت الإحسان وأفضلت، جزاها الله خيرا. (13) ذكر ولدي السلطان
وهما شقيقان وأمهما جميعا الملكة طيطغلي التي قدمنا ذكرها، والأكبر منهما اسمه تين بك بتاء معلوة مكسورة وياء مد ونون مفتوح، وبك معناه الأمير وتين معناه الجسد؛ فكأن اسمه أمير الجسد واسم أخيه جان بك بفتح الجيم وكسر النون، ومعنى جان الروح؛ فكأنه يسمى أمير الروح، وكل واحد منهما له محلة على حدة.
وكان تين بك من أجمل خلق الله صورة وعهد له أبوه بالملك، وكانت له الحظوة والتشريف عنده ولم يرد الله ذلك؛ فإنه لما مات أبوه ولى يسيرا ثم قتل لأمور قبيحة جرت له، وولي أخوه جان بك وهو خير منه وأفضل، وكان السيد الشريف ابن عبد الحميد هو الذي تولى تربية جان بك، وأشار علي هو والقاضي حمزة والإمام بدر الدين القوامي والإمام المقرئ حسام الدين البخاري وسواهم حين قدومي أن يكون نزولي بمحلة جان بك المذكور لفضله؛ ففعلت ذلك. (14) ذكر سفري إلى مدينة بلغار
وكنت سمعت بمدينة بلغار فأردت التوجه إليها لأرى ما ذكر عنها من انتهاء قصر الليل بها وقصر النهار أيضا في عكس ذلك الفصل، وكان بينها وبين محلة السلطان مسيرة عشر، فطلبت منه من يوصلني إليها فبعث معي من أوصلني إليها وردني إليه ووصلتها في رمضان، فلما صلينا المغرب أفطرنا وأذن بالعشاء في أثناء إفطارنا فصليناها وصلينا التراويح والشفع والوتر وطلع الفجر إثر ذلك، وكذلك يقصر النهار بها في فصل قصره أيضا وأقمت بها ثلاثا. (15) ذكر أرض الظلمة
وكنت أردت الدخول إلى أرض الظلمة والدخول إليها من بلغار وبينهما مسيرة أربعين يوما، ثم أضربت عن ذلك لعظم المؤنة فيها وقلة الجدوى، والسفر إليها لا يكون إلا في عجلات صغار تجرها كلاب كبار، فإن تلك المفازة فيها الجليد فلا يثبت قدم لآدمي ولا حافر الدابة فيها، والكلاب لها الأظفار فتثبت أقدامها في الجليد ولا يدخلها إلا الأقوياء من التجار الذين يكون لأحدهم مئة عجلة أو نحوها موقرة بطعامه وشرابه وحطبه؛ فإنها لا شجر فيها ولا حجر ولا مدر.
والدليل بتلك الأرض هو الكلب الذي قد سار فيها مرارا كثيرة، وتنتهي قيمته إلى ألف دينار ونحوها، وتربط العربة إلى عنقه ويقرن معه ثلاثة من الكلاب ويكون هو المقدم وتتبعه سائر الكلاب بالعربات، فإذا وقف وقفت، وهذا الكلب لا يضربه صاحبه ولا ينهره، وإذا حضر الطعام أطعم الكلاب أولا قبل بني آدم وإلا غضب الكلب وفر وترك صاحبه للتلف، فإذا كملت للمسافرين بهذه الفلاة أربعون مرحلة نزلوا عند الظلمة وترك كل واحد منهم ما جاء به من المتاع هنالك وعادوا إلى منزلهم المعتاد، فإذا كان من الغد عادوا لتفقد متاعهم فيجدون بإزائه من السمور والسنجاب والقاقم، فإن أرضى صاحب المتاع ما وجده إزاء متاعه أخذه، وإن لم يرضه تركه فيزيدونه وربما رفعوا متاعهم، أعني أهل الظلمة، وتركوا متاع التجار.
وهكذا بيعهم وشراؤهم ولا يعلم الذين يتوجهون إلى هنالك من يبايعهم ويشاريهم أمن الجن أم من الإنس ولا يرون أحدا، والقاقم هو أحسن أنواع الفراء، وتساوي الفروة منه ببلاد الهند ألف دينار، وصرفها من ذهبنا مئتان وخمسون، وهي شديدة البياض من جلد حيوان صغير في طول الشبر وذنبه طويل يتركونه في الفروة على حاله، والسمور دون ذلك تساوي الفروة منه أربعمائة دينار فما دونها، ومن خاصية هذه الجلود أنه لا يدخلها القمل، وأمراء الصين وكبارها يجعلون منه الجلد الواحد متصلا بفرواتهم عند العنق، وكذلك تجار فارس والعراقيين، وعدت من مدينة بلغار مع الأمير الذي بعثه السلطان في صحبتي فوجدت محلة السلطان على الموضع المعروف بدش دغ وذلك في الثامن والعشرين من رمضان، وحضرت معه صلاة العيد وصادف يوم العيد يوم الجمعة. (16) ذكر ترتيبهم في العيد
ولما كان صباح يوم العيد ركب السلطان في عساكره العظيمة، وركبت كل خاتون عربتها ومعها عساكرها، وركبت بنت السلطان والتاج على رأسها؛ إذ هي الملكة على الحقيقة ورثت الملك من أمها، وركب أولاد السلطان كل واحد في عسكره، وكان قد قدم لحضور العيد قاضي القضاة شهاب الدين السايلي ومعه جماعة من الفقهاء والمشائخ فركبوا وركب القاضي حمزة والإمام بدر الدين القوامي والشريف ابن عبد الحميد.
وكان ركوب هؤلاء الفقهاء مع تين بك ولي عهد السلطان ومعهم الأطبال والأعلام، فصلى بهم القاضي شهاب الدين، وخطب أحسن خطبة وركب السلطان وانتهى إلى برج خشب يسمى عندهم الكشك، فجلس فيه ومعه خواتينه، ونصب برجان دونهما عن يمينه وشماله فيهما أبناء السلطان وأقاربه، ونصبت الكراسي للأمراء وأبناء الملوك وتسمى الصندليات عن يمين البرج وشماله فجلس كل واحد على كرسيه، ثم نصبت طبلات للرمي لكل أمير طومان طبلة مختصة به، وأمير طومان عندهم هو الذي يركب له عشرة آلاف فكان الحاضرون من أمراء طومان سبعة عشر يقودون مئة وسبعين ألفا وعسكره أكثر من ذلك.
ونصب لكل أمير شبه منبر، فقعد عليه وأصحابه يلعبون بين يديه فكانوا على ذلك ساعة، ثم أتى بالخلع فخلعت على كل أمير خلعة، وعندما يلبسها يأتي إلى أسفل برج السلطان فيخدم، وخدمته أن يمس الأرض بركبته اليمنى ويمد رجله تحتها والأخرى قائمة، ثم يؤتى بفرس مسرج ملجم فيرفع حافره ويقبل فيه الأمير ويقوده بنفسه إلى كرسيه، وهنالك يركبه ويقف مع عسكره، ويفعل هذا كل أمير منهم، ثم ينزل السلطان عن البرج ويركب الفرس وعن يمينه ابنه ولي العهد وتليه بنته الملكة إيت كججك، وعن يساره ابنه الثاني وبين يديه الخواتين الأربع في عربات مكسوة بأثواب الحرير المذهب، والخيل التي تجرها مجللة بالحرير المذهب، وينزل جميع الأمراء الكبار والصغار وأبناء الملوك والوزراء والحجاب وأرباب الدولة فيمشون بين يدي السلطان على أقدامهم إلى أن يصل إلى الوطاق، والوطاق بكسر الواو وهو إفراج وقد نصبت هنالك باركة (باركاه) عظيمة.
والباركة عندهم بيت كبير له أربعة أعمدة من الخشب مكسوة بصفائح الفضة المموهة بالذهب، وفي أعلى كل عمود جامور من الفضة المذهبة له بريق وشعاع، وتظهر هذه الباركة على البعد كأنها ثنية ويوضع عن يمينها ويسارها سقائف من القطن والكتان، ويفرش ذلك كله بفرش الحرير، وينصب في وسط الباركة السرير الأعظم، وهم يسمونه التخت، وهو من خشب مرصع وأعواده مكسوة بصفائح فضة مذهبة، وقوائمه من الفضة الخالصة المموهة، وفوقه عرش عظيم.
وفي وسط هذا السرير الأعظم مرتبة يجلس عليها السلطان والخاتون الكبرى، وعن يمينه مرتبة جلست بها بنته إيت كججك ومعها الخاتون أردجا، وعن يساره مرتبة جلست بها الخاتون بيلون ومعها الخاتون كبك، ونصب عن يمين السرير كرسي قعد عليه تين بك ولد السلطان، ونصب عن شماله كرسي قعد عليه جان بك ولده الثاني، ونصبت كراسي عن اليمين والشمال جلس فوقها أبناء الملوك والأمراء الكبار، ثم الأمراء الصغار مثل أمراء هزارة، وهم الذين يقودون ألفا، ثم أتي بالطعام على موائد الذهب والفضة، وكل مائدة يحملها أربعة رجال وأكثر من ذلك.
وطعامهم لحوم الخيل والغنم مسلوقة، وتوضع بين يدي كل أمير مائدة، ويأتي الباورجي وهو مقطع اللحم وعليه ثياب حرير وقد ربط عليها فوطة حرير وفي حزامه جملة سكاكين في أغمادها، ويكون لكل أمير باورجي فاذا قدمت المائدة قعد بين يدي أميره ويؤتى بصفحة صغيرة من الذهب أو الفضة فيها ملح محلول بالماء، فيقطع الباورجي اللحم قطعا صغارا، ولهم في ذلك صنعة في قطع اللحم مختلطا بالعظم، فإنهم لا يأكلون منه إلا ما اختلط بالعظم، ثم يؤتى بأواني الذهب والفضة للشرب، وأكثر شربهم نبيذ العسل، وهم حنفية المذهب يحللون النبيذ.
فإذا أراد السلطان أن يشرب أخذت بنته القدح بيدها وخدمت برجلها ثم ناولته القدح فشرب، ثم تأخذ قدحا آخر فتناوله للخاتون الكبرى فتشرب منه، ثم تناول لسائر الخواتين على ترتيبهن، ثم يأخذ ولي العهد القدح ويخدم ويناوله أباه فيشرب، ثم يناول الخواتين ثم أخته ويخدم لجميعهن، ثم يقوم الولد الثاني فيأخذ القدح ويسقي أخاه ويخدم له، ثم يقوم الأمراء الكبار فيسقي كل واحد منهم ولي العهد ويخدم له، ثم يقوم أبناء الملوك فيسقي كل واحد منهم هذا الابن الثاني ويخدم له، ثم يقوم الأمراء الصغار فيسقون أبناء الملوك ويغنون أثناء ذلك بالملالية (بالموالية).
وكانت قد نصبت قبة كبيرة أيضا إزاء المسجد للقاضي والخطيب والشريف وسائر الفقهاء والمشائخ وأنا معهم ، فأوتينا بموائد الذهب والفضة يحمل كل واحدة أربعة من كبار الأتراك، ولا يتصرف في ذلك اليوم بين يدي السلطان إلا الكبار فيأمرهم برفع ما أراد من الموائد إلى من أراد، فكان من الفقهاء من أكل ومنهم من تورع عن الأكل في موائد الفضة والذهب، ورأيت مد البصر عن اليمين والشمال من العربات عليها روايا القمز، فأمر السلطان بتفريقها على الناس، فأتوا إلي بعربة منها فأعطيتها لجيراني من الأتراك، ثم أتينا المسجد ننتظر صلاة الجمعة فأبطأ السلطان، فمن قائل: إنه لا يأتي؛ لأن السكر قد غلب عليه، ومن قائل: إنه لا يترك الجمعة، فلما كان بعد تمكن الوقت أتى وهو يتمايل فسلم على السيد الشريف وتبسم له وكان يخاطبه بآطا وهو الأب بلسان التركية، ثم صلينا الجمعة وانصرف الناس إلى منازلهم وانصرف السلطان إلى الباركة، فبقي على حاله إلى صلاة العصر ثم انصرف الناس أجمعون، وبقي مع الملك تلك الليلة خواتينه وبنته. (17) مدينة الحاج ترخان
ثم كان رحيلنا مع السلطان والمحلة لما انقضى العيد فوصلنا إلى مدينة الحاج ترخان، ومعنى ترخان عندهم الوضع المحرر من المغارم، وهو بفتح التاء المثناة وسكون الراء وفتح الخاء المعجم وآخره نون، والمنسوب إليه هذه المدينة هو حاج من الصالحين تركي، نزل بموضعها وحرر له السلطان ذلك الموضع فصار قرية ثم عظمت وتمدنت، وهي من أحسن المدن عظيمة الأسواق مبنية على نهر أتل وهو من أنهار الدنيا الكبار.
وهنالك يقيم السلطان حتى يشتد البرد ويجمد هذا النهر وتجمد المياه المتصلة به، ثم يأمر أهل تلك البلاد فيأتون بالآلاف من أحمال التبن فيجعلونها على الجليد المنعقد فوق النهر، والتبن هنالك لا تأكله الدواب؛ لأنه يضرها وكذلك ببلاد الهند وإنما أكلها الحشيش الأخضر لخصب البلاد، ويسافرون بالعربات فوق هذا النهر والمياه المتصلة به ثلاث مراحل، وربما جازت القوافل فوقه مع آخر فصل الشتاء فيغرقون ويهلكون.
ولما وصلنا مدينة الحاج ترخان رغبت الخاتون بيلون ابنة ملك الروم من السلطان أن يأذن لها في زيارة أبيها لتضع حملها عنده وتعود إليه، فأذن لها ورغبت منه أن يأذن لي في التوجه صحبتها لمشاهدة القسطنطينة العظمى فمنعني خوفا علي، فلاطفته وقلت له: إنما أدخلها في حرمتك وجوارك فلا أخاف من أحد، فأذن لي وودعناه. ووصلني بألف وخمسمائة دينار وخلعة وأفراس كثيرة، وأعطتني كل خاتون منهن سبائك الفضة وهم يسمونها الصوم بفتح الصاد المهمل واحدتها صومة، وأعطت بنته أكثر منهن وكستني وأركبتني واجتمع لي من الخيل والثياب وفروات السنجاب والسمور جملة. ا.ه.
هذا التاريخ يوافق حكم الملك المنصور قلاوون الذي حكم من سنة 1279 إلى سنة 1290م.
ذكرنا ما يفيد أن هذا المسجد من بناء الملك المنصور قلاوون فليبحث.
الخواتين جمع خاتون وهي تركية ومعناها المرأة الشريفة، وتطلق عندهم على زوجات الملوك والأمراء.
سبب هذه الحرب
كانت روسيا تطمح بأنظارها إلى امتلاك الآستانة في كل وقت وزمن كما يعلم ذلك الخاص والعام، وكانت في كل فرصة ولو تافهة تسنح لها وتدنيها من قصدها، وهو شن الغارة على تركيا لتقتطع منها شيئا من ممتلكاتها وتصل بذلك إلى تحقيق بغيتها؛ لا تحجم عن انتهازها والانقضاض عليها.
وقد كان الباعث الحقيقي على هذه الحرب مطامع القيصر نقولا الأول الموجهة نحو الآستانة، فقد تذرع هذا القيصر بشجار نشب بين الرهبان على أثر انتزاع قسس الإغريق المشمولين برعايته الروحية جملة أديرة لرهبان الأراضي المقدسة، فرفع هؤلاء شكواهم إلى السلطان عبد المجيد زاعمين أنهم مستظلون بحماية دولة فرنسا.
فعين السلطان لجنة مؤلفة من فرنسيين وإغريق وكلفها تحقيق هذا النزاع، وتحت تأثير ضغط القيصر أصدر السلطان فرمانا روعي فيه مصلحة الإغريق، فشجع هذا العمل القيصر نقولا فأرسل إلى الآستانة الأمير منتشيكوف
وأوعز إليه أن يطلب من الباب العالي الاعتراف بحماية القيصر لكافة المسيحيين الأغريق المقيمين في الإمبراطورية العثمانية، فأبى الباب العالي إجابة هذا الطلب.
وفي 5 مايو سنة 1853م قدم منتشيكوف إنذارا نهائيا إلى الباب العالي ضمنه معنى هذا الطلب فصمم على رفضه وعلى ذلك أصدر القيصر نقولا أمرا لجنوده بالزحف والإغارة على إمارتي الدانوب
1
فاشتعلت نيران هذه الحرب.
عباس باشا الأول والي مصر
هما ولايتا مولدافيا وفلاخيا
Moldavie & Valachie
اللتان تكونت منهما رومانيا فيما بعد.
عباس باشا الأول ومساعدته في هذه الحرب
ولما رأى السلطان عبد المجيد أن شبح الحرب يتهدد سلامة الدولة طلب من عباس باشا الأول والي مصر أن يرسل نجدة من الجنود المصرية، فامتثل الوالي وأمر بتعبئة أسطول مكون من اثنتي عشرة سفينة مزودة ب 642 مدفعا و6850 جنديا بحريا بقياد أمير البحر المصري حسن باشا الإسكندراني، وتعبئة جيش بري بقيادة الفريق سليم فتحي باشا مؤلف من ستة ألايات بيادة وهي 9 جي و10 جي و11 جي و12 جي و13 جي و14 جي بيادة ومجموعها 15704 جنود، ومن ألاي 9 جي سواري ومجموعه 1291 جنديا، وألاي 3 جي طوبجية ومجموعه 2727 جنديا، وعدد بطارياته 12 بطارية كل منها ستة مدافع فيكون مجموع مدافعه 72 مدفعا، ويكون مجموع هذا الجيش البري 19722 جنديا، هذا عدا ما أرسله الوالي بعد ذلك من الجنود والمال لمساعدة الدولة في هذه الحرب كما سيتبين لك فيما بعد. (1) كيف ألف الجيش البري
ولم تؤخذ هذه الجنود المتباينة الأسلحة من الجيش العامل، بل أخذت من جنود الاحتياطي الذين كان معظمهم قد خاض معامع القتال في سورية تحت إمرة إبراهيم باشا الكبير، وكان الجيش العامل وقتئذ مؤلفا من ثمانية ألايات بيادة، وثمانية ألايات سواري وألايين من الطوبجية؛ ولذا سموا الألاي الأول من الألايات البيادة التي تكونت منها هذه النجدة 9 جي ألاي بيادة وألاي السواري 9 جي ألاي سواري وألاي الطوبجية 3 جي طوبجية، وكان متوسط عدد ألاي البيادة في هذه النجدة 2617 جنديا، أما الجيش العامل فمتوسط ألاي البيادة فيه 5788 جنديا.
وكان غرض عباس باشا الأول من طريقة مضاعفة عدد جنود الألايات عدم إيقاظ مخاوف تركيا من جهة العدد الحقيقي الذي يتكون منه الجيش المصري؛ لأنها عندما تنظر إليه من ناحية عدد وحداته دونه ما تحويه كل وحدة منها حسب النظام المتبع تقدره بنصف عدده الحقيقي، وكانت هذه الطريقة متبعة أيضا في كل وحدات الأسلحة المختلفة في الجيش المصري. (2) قوة الجيش المصري العامل
ولما كنا قد أتينا على ذكر طريقة تأليف الجيش الذي أرسل لمساعدة الدولة في حرب القرم فيحسن بنا أن نذكر لهذه المناسبة قوة الجيش الذي كان تحت السلاح في القطر المصري بصفة مستديمة؛ حتى يلم القارئ بها، وها هو بيان قوته في سنة 1853م:
البيادة
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
1 جي غارديا بقيادة اللواء خورشد باشا
4345
2 جي غارديا بقيادة اللواء حسين باشا
5384
3 جي غارديا بقيادة اللواء مصطفى باشا
5482
1 جي بيادة بقيادة أمير الألاي عبد الرزاق بك
5654
2 جي بيادة بقيادة أمير الألاي محمود بك
6020
3 جي بيادة بقيادة أمير الألاي عثمان بك
6173
4 جي بيادة بقيادة أمير الألاي
5000
5 جي بيادة بقيادة أمير الألاي علي غالب بك
6092
6 جي بيادة بقيادة أمير الألاي إسماعيل بك
6336
7 جي بيادة بقيادة أمير الألاي مصطفى بك
6548
8 جي بيادة بقيادة أمير الألاي عثمان بك
4484
1 جي بيادة سودان بقيادة أمير الألاي حسن بك
8230
جملة البيادة
69748
ملاحظات: (1)
قواد ألايات الغارديا ضباط برتبة لواء لاعتبارها وحدات ممتازة عن غيرها. (2)
ألايات الغارديا كل ألاي مكون من 6 أورط، وكل أورطة مكونة من 8 بلوكات. (3)
الألايات الأخرى الثمانية كل ألاي مكون من 6 أورط، وكل أورطة مكونة من 4 بلوكات. (4)
لم نعثر في المصادر التي تحت أيدينا على عدد جنود الألاي 4 جي، وقد قدرنا له عددا يتناسب مع باقي الألايات. (5)
ألاي السودان مكون من 5 أورط، وكل أورطة مكونة من 8 بلوكات، وملحق به بلوك طوبجية مجموعه 200 جندي بمدافعهم. (6)
أمير الألاي علي غالب بك ترقى فيما بعد إلى رتبة فريق، وكان ناظرا للجهادية (أي الحربية) في بدء نظارة شريف باشا أول عهد المغفور له الخديو توفيق باشا، وبعد الاحتلال شغل وظيفة وكيل الحربية.
السواري
عدد ضباط وصف ضباط
لواء الغارديا سليم باشا
1 جي غارديا بقيادة أمير الألاي خورشيد بك
1338
2 جي غارديا بقيادة أمير الألاي محمد بك
1338
1 جي سواري مزارق بقيادة الألاي إبراهيم بك
1288
1 جي سواري مزارق بقيادة الألاي محمد بك
1152
2 جي سواري مزارق بقيادة الألاي شاهين بك
830
3 جي سواري بقيادة أمير الألاي عثمان بك
1095
4 جي سواري بقيادة أمير الألاي محمد بك
867
5 جي سواري بقيادة أمير الألاي حسين بك
1359
6 جي سواري
851
7 جي سواري بقيادة أمير الألاي علي فهمي بك
768
8 جي سواري بقيادة أمير الألاي علي رضا بك
742
جملة السواري
11628
ملاحظات:
ألايات السواري مكونة من 6 أورط، وكل أورطة تحت قيادة ضابط برتبة يوزباشي، ويوجد غير أمير الألاي قائمقام قائد ثان وبكباشيان.
طوبجية الميدان
البيادة
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
لواء الطوبجية البيادة والسواري حاذق باشا
1 جي طوبجية بيادة بقيادة أمير الألاي مصطفى بك
2526
2 جي طوبجية بيادة بقيادة أمير الألاي حسين بك
2763
ألاي طوبجية سوارى (القائد غير معروف)
1486
المجموع
6775
ملاحظات: (1)
كل ألاي من طوبجية الميدان البيادة مكون من 4 أورط، وكل أورطة تحت قيادة ضابط برتبة بكباشي وبها 3 بطاريات، ولكل بطارية 6 مدافع؛ فيكون عدد مدافع الأورطة 18 مدفعا، وعدد مدافع الألاي 72 مدفعا. (2)
ألاي الطوبجية السواري به 4 بطاريات، وكل بطارية بها 6 مدافع فيكون عدد مدافعه 24 مدفعا.
طوبجية السواحل
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
ما قبله
6775
محافظ السواحل يوسف باشا
1 جي طوبجية سواحل بقيادة أمير الألاي سليمان بك
2954
2 جي طوبجية سواحل بقيادة أمير الألاي علي بك
2842
جملة الطوبجية
12571
ملاحظة:
كل ألاي من طوبجية السواحل مكون من 4 بلوكات تحت قيادة ضابط برتبة بكباشي.
الجملة
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
البيادة
69748
السواري
11628
طوبجية الميدان
6775
طوبجية السواحل
5796
المجموع
93947
وهذا الجيش بلغ غاية النظام واستكمل العدد والعدد، وإلى القارئ بيان تأليف ألاي من ألاياته وهو 1 جي بيادة؛ ليعلم مقدار ما كان عليه من كامل الاستعداد والترتيب:
الأسماء
العدد
المجموع
القيادة
أمير ألاي قائد أول
1
قائمام قائد ثان
1
2
ضباط أركان الحرب
بكباشي
1
صاغقول أغاسيان
2
يوزباشيان
2
ملازمان أولان
2
ملازمون ثانون
3
10
ضباط الأورط
بكباشية
6
صاغقول أغاسيه
6
صولقول أغاسيه
6
يوزباشيا
24
ملازما أول
24
ملازما ثانيا
48
114
علمدار
علمدار أول يوزباشي
1
علمدار ثان ملازم أول
1
2
مشايخ
أئمة الأورط
6
6
الكتبة
كاتب أول
1
كتبة
5
6
القسم الطبي
طبيب أول يوزباشي
1
طبيب ملازم أول
1
طبيب ملازم ثان
1
أجزجي ملازم أول
1
ناظر المستشفى ملازم أول
1
تمرجية
15
21
بلوك الموسيقا
تعليمجي يوزباشي
1
صف ضباط وعسكر
55
56
بلوك الورشة
يوزباشي
1
ملازم أول
1
ملازم ثان
1
صف ضباط وعسكر
137
140
بلوك الصنايعية
يوزباشي
1
ملازم أول
1
ملازم ثان
1
صف ضباط وعسكر
112
115
1 جي أورطة
صف ضباط وعسكر
865
865
2 جي أورطة
صف ضباط وعسكر
894
894
3 جي أورطة
صف ضباط وعسكر
885
885
4 جي أورطة
صف ضباط وعسكر
858
858
5 جي أورطة
صف ضباط وعسكر
841
841
6 جي أورطة
صف ضباط وعسكر
839
839
الجملة
5654
وفي 21 رمضان سنة 1269ه/28 يونية سنة 1853م أمر الوالي عباس باشا الأول بالإسراع في جمع أورط هذه النجدة، وإرسالها أولا فأول إلى الإسكندرية لتسافر منها بحرا، وأن يصرف لكل فرد من ضباطها وعساكرها مرتب ثلاثة أشهر مقدما للإنفاق منها على حوائجهم الشخصية، وهاك نص الإرادة السنية التي صدرت بهذا الخصوص:
إرادة صادرة إلى الكتخدا بتاريخ 21 رمضان سنة 1269 رقم 114 ومقيدة بدفتر تركي صادر المعية بالصفحة رقم 109
لاستصوابنا أن يصرف لكل فرد من ضباط وعساكر البرية المقتضى إرسالهم إلى ذاك الطرف ثلاثة أشهر مقدما تحت الحساب من استحقاقاتهم؛ لأجل أن يقضوا لوازمهم الشخصية، كرأي سعادتكم بأفادتكم المؤرخة 21 رمضان سنة 1269 يلزم المبادرة بصرفها حسب المشروح، ثم إن الأورط التي يصير استكمالها مع ضباطها يلزم بذل الاهتمام بإرسالها أورطة أورطة أول فأول إلى الإسكندرية حسب اشعار أمس، وكذا عند استكمال ترتيب الألايات تعين ميرالاياتها وترسل أيضا، وحيث يجب أيضا أن يصرف للبحرية المسافرين بالسفن الجاري تجهيزها التي ستتحرك بعد عشرة أيام أو خمسة عشر يوما جزء من ماهياتهم فيلزم طلب كشوفاتهم قبل ساعة واستحضار النقود التي تلزم وتجهيزها، ونظرا لأهمية هذه المصلحة فالأمل من عطوفتكم الإسراع في إنجاز ذلك بكل دقة واعتناء؛ وهذا مطلوبنا.
من بنها
ختم
عباس الأول
وفي 24 رمضان من السنة المذكورة (أول يوليه سنة 1853م) أصدر الوالي إلى إبراهيم الألفي بك محافظ الإسكندرية الإرادة السنية الآتية بتعيين القبودانات الواردة أسماؤهم فيها لسفن الأسطول المصري، وهاك نص هذه الإرادة:
إرادة سنية ومعها بيان السفن التي سافرت مع الحملة للآستانة مؤرخة في 24 رمضان سنة 1269 ومقيدة بالدفتر رقم 484 بالصفحة رقم 112 تحت رقم 63
السفينة والوابور
عدد
السفينة مفتاح جهاد، غليون، قبودانها القائمقام طاهر بك.
1
السفينة جهاد أباد، غليون، قبودانها القائمقام خليل بك.
1
السفينة فيوم، غليون، قبودانها القائمقام محمود بك.
1
السفينة رشيد من نوع الفرقتين، قبودانها البكباشي مرجان قبطان.
1
السفينة شير جهاد من نوع الفرقتين ، قبودانها البكباشي خورشيد قبودان.
1
السفينة دمياط من نوع الفرقتين: قبودانها البكباشي أحمد شاهين قبودان.
1
السفينة بحيرة من نوع الفرقتين: قبودانها البكباشي حجازي أحمد قبودان.
1
السفينة النيل من نوع الفرقتين: قبودانها القائمقام عبد الحميد قبودان.
1
السفينة جناح بحري، قروت: قبودانها الصاغقول أغاسي زنيل قبودان.
1
السفينة جهاد بيكر، قروت: قبودانها الصاغقول أغاسي حسن الأرناؤطي قبودان.
1
وابور بروانه بحري: قبودانه الصاغقول أغاسي صالح قبودان.
1
وابور جويليت صاعقة: قبودانه الصاغقول أغاسي طاهر قبودان.
1
فقط اثنتي عشرة قطعة
12
إلى ألفي بك محافظ إسكندرية
بناء على الإفادتين الواردتين من طرفكم رقم 5 و22 رمضان سنة 1269 (12 و29 يونيه سنة 1853م) بخصوص قبودانات الاثنتي عشرة سفينة التي ستسافر للآستانة قد اقتضت إرادتنا بتعيين القبودانات المحررة أسماؤهم أعلاه كل منهم قبودانا للسفينة المحرر اسمه أمامها، وقد حرر لعلمكم بذلك والإجراء على مقتضاه.
24 شهر رمضان سنة 1269
من بنها
ختم
عباس الأول
الفريق حسن باشا الأسكندراني أمير البحر المصري (3) النجدة البحرية المصرية
عهد بقيادة العمارة البحرية المصرية أو الأسطول المصري في هذه الحرب إلى أمير البحر الفريق حسن باشا الإسكندراني، الذي كان أصله من مماليك محمد علي باشا ثم درس فنون البحرية بفرنسا؛ إذ كان تلميذا في البعثة العلمية التي أرسلت إليها عام 1826م، وهو جد المرحومين الباشاوات محمد محسن وحسن محسن وأحمد محسن من أهالي الإسكندرية، وقد سمي باسم حسن باشا الإسكندراني الشارع المعروف باسمه فيها، وكان هذا الأسطول مؤلفا من اثنتي عشرة قطعة مختلفة الطول والحجم ومزودا بالميرة والذخيرة.
وهاك بيان قطع هذا الأسطول وعدد مدافع كل قطعة وجنودها:
عدد الجنود
الفريق حسن باشا الإسكندراني قائد عام الجيش البحري
1
أركان حرب وتوابع الفرقة
50
الغليون مفتاح جهاد وبه 100 مدفع بقيادة القائمقام طاهر بك
1040
الغليون جهاد أباد وبه 100 مدفع بقيادة القائمقام خليل بك
1040
الغليون الفيوم وبه 100 مدفع بقيادة القائمقام خليل بك
1040
الفرقاطة رشيد وبه 60 مدفع بقيادة البكباشي مرجان قبودان
631
الفرقاطة شير جهاد وبه 60 مدفع بقيادة البكباشي خورشيد قبودان
631
الفرقاطة دمياط وبه 60 مدفع بقيادة البكباشي أحمد شاهين قبودان
631
الفرقاطة البحيرة وبها 60 مدفعا بقيادة البكباشي حجازي أحمد قبودان
631
وابور النيل وبه 30 مدفعا بقيادة القائمقام عبد الحميد قبودان
371
قرويت جناح بحري وبه 24 مدفعا بقيادة الصاغقول أغاسي زنيل قبودان
213
قرويت جهاد بيكر وبه 24 مدفعا بقيادة الصاغقول أغاسي حسن ارنئود قبودان
213
جويليت الصاعقة وبه 12 مدفعا بقيادة الصاغقول أغاسي طاهر قبودان
179
الوابور بروانه بحري وبه 12 مدفعا بقيادة الصاغقول أغاسي صالح قبودان
179
642 مدفعا
6850 جنديا
وفي 27 رمضان سنة 1269ه (4 يوليه سنة 1853م) أصدر الوالي عباس الأول إلى إبراهيم ألفي بك محافظ الإسكندرية الإرادة السنية الآتية بصرف ثلاثة أشهر مقدما للضباط البحريين الذين سيسافرون بمعية الفريق حسن باشا الإسكندراني أمير الأسطول المصري لقضاء لوازمهم، وها هي:
إرادة إلى ألفي بك محافظ إسكندرية رقم 66 مقيدة بالدفتر رقم 484 بالصفحة 123
حيث إن الحالة تقضي بصرف ثلاثة أشهر مقدما للضباط الذين سيسافرون بمعية سعادة حسن باشا قومندان سفن الجهادية من مساعد لغاية القائمقام تحت الحساب من ماهياتهم لأجل مشترى ما يلزمهم؛ فلدى وصول ذلك إلى علمكم بادروا بإجرائه، وحرر هذا للمعلومية.
من بنها
ختم
عباس الأول
27 رمضان سنة 1269 (4) مفردات قطع الأسطول المصري
وحيث إن أنواع هذه السفن غير مستعملة الآن وأمسى ذكرها أثرا تاريخيا ويهم القارئ الوقوف على نظامها وترتيبها؛ فيجدر بنا أن نذكر فيما يلي بيانا لمفردات كل نوع من هذه السفن الحربية نقلا عن أوراق دار المحفوظات المصرية، وإليك هذا البيان:
طاقم الغليون
الطاقم
عدد
سواري السفينة قائمقام (قبودان)
1
مفردات السفينة بكباشي
1
صاغقول أغاسيه
3
يوزباشيان أولان
2
يوزباشيان ثانون
6
ملازم أول
1
ملازمون ثانون
5
مساعدون أولون
12
مساعدون ثانون
8
خوجه أول
1
خوجه ثان
1
خوجه ثالث
1
باش رئيس
1
باش رئيس ثان
1
باش رئيس ثالث
1
إمام السفينة
1
طوبجي أول
1
طوبجيان ثانيان
2
طوبجي ثالث
1
دومنجي أول (مدير الدفة)
1
دومنجي ثان
1
دومنجي ثالث
1
قلفاط
1
بادبان (قماش ورئيس القلوع)
1
مرانقوز (نجار)
1
قوادرمو (لم نهتد إلى معنى هذه الكلمة ويظهر أنها محرفة)
1
قلاووظ (دليل)
1
عساكر
982
المجموع
1040
طاقم الفرقاطة
الطاقم
عدد
سواري السفينة بكباشي (قبودان)
1
مفردات السفينة صاغقول أغاسي
1
يوزباشي أول
1
يوزباشية ثانون
3
ملازمان أولان
2
ملازمون ثانون
3
مساعدون أولون
10
مساعدون ثانون
4
طبيب السفينة
1
تمرجي الطبيب
1
سفينة أغاسي
1
خوجة أول
2
خوجة ثان
1
باش رئيس
1
باش رئيس ثان
1
مخزنجي أول
1
إمام السفينة
1
جبخنجي أول
1
جبخنجي ثان
1
طوبجي باشي أول
1
طوبجي باشي ثان
1
طوبجي باشي ثالث
1
دومنجي باشي أول (مدير الدفة)
1
دومنجي باشي ثان
1
دومنجي باشي ثالث
1
باش قلفاط
1
بادبان أول، (قماش ورئيس القلوع)
1
بادبانان ثانيان
2
مرانقوز (نجار)
1
بربر أول (حلاق)
1
حداد
1
عساكر
581
المجموع
631
طاقم وابور النيل
الطاقم
عدد
سواري السفينة قائمقام
1
مفردات السفينة بكباشي
1
يوزباشية أولون
5
يوزباشي ثان
1
ملازمان أولان
2
ملازمان ثانون
3
مساعدون أولون
4
مساعدان ثانيان
2
طبيب
1
مهندس أول
1
مهندس ثان
1
خوجه أول
1
خوجه ثان
1
باش ريس
1
مخزنجي أول
1
إمام السفينة
1
طوبجي باشي
1
دومنجي باشي
1
دومنجي باشي ثان
1
قلفاط
1
حداد
1
تلاميذ
3
عساكر
336
المجموع
371
طاقم القرويت
الطاقم
عدد
سواري السفينة صاغقول أغاسي
1
مفردات السفينة يوزباشي أول
1
يوزباشيان ثانيان
2
ملازمون ثانون
3
مساعدون أولون
5
مساعدون ثانون
4
طبيب السفينة
1
خوجة السفينة
1
باش ريس
1
إمام السفينة
1
طوبجي باشي
1
دومنجي باشي
1
قلفاط
1
عساكر
190
المجموع
213
طاقم الجويليت
الطاقم
عدد
سواري السفينة صاغقول أغاسي
1
مفردات السفينة يوزباشي أول
1
يوزباشي ثان
1
ملازمون ثانون
3
مساعدون أولون
4
مساعدان ثانيان
2
طبيب
1
خوجة السفينة
1
باش ريس
1
إمام السفينة
1
طوبجي باشي
1
دومنجي باشي
1
دومنجي ثان
1
عساكر
160
المجموع
179
وأصدر الوالي أيضا في 27 رمضان سنة 1269ه أربع إرادات سنية: الأولى إلى رئيس دار صناعة الإسكندرية بتحضير جميع لوازم السفن الحربية وترتيبها. والثانية إلى إبراهيم ألفي بك محافظ الإسكندرية بتنظيم سفينة الإمارة البحرية وإعدادها. والثالثة إلى مارف بك مدير البحيرة بتنفيذ طلبات محافظ الإسكندرية الذي عين مشرفا على دائرة الفريق حسن باشا الإسكندراني وأبعاديته أثناء غيبته في الحرب. والرابعة إلى أمير الألاي مصطفى بك المقيم بالآستانة باختياره في معية أمير البحر المصري. وها هي الإرادات الأربع المذكورة:
1
إرادة إلى مدير ترسانة الإسكندرية رقم 17 مقيدة بالدفتر التركي رقم 484 بالصفحة 113
قد اقتضت إرادتنا الكريمة بأن تجروا ترتيب وتجهيز جميع اللوازم الضرورية التي تحتاجها السفن التي ستسافر باتفاقكم مع خير الدين باشا لحين قيام سعادة حسن باشا القومندان، كما أن الأشياء التي لم توجد بطرف الميري يجري مشتراها من الخارج، وتنبهون أيضا خير الدين باشا إلى ذلك شفويا، فلدى وصول ذلك إلى علمكم تجتهدون وتسعون في إنجاز هذه المصلحة بكل دقة، وحرر هذا للمعلومية.
27 رمضان سنة 1269
من بنها
ختم
عباس الأول
2
إرادة إلى ألفي بك محافظ الإسكندرية رقم 67 مقيدة بالدفتر التركي رقم 474 الصفحة 123
حيث إن السفينة التي سيركبها سعادة حسن باشا قومندان سفن الجهادية المصرية يجب أن تكون منتظمة يقتضي تنظيم وفرش القمرات من جانب الميري ومشترى طاقم سفري أيضا وتسليمه للسفينة المذكورة، وقد حرر هذا للمعلومية.
27 رمضان سنة 1269
من بنها
ختم
عباس الأول
3
إفادة إلى عارف بك مدير البحيرة رقم 23 مقيدة بالدفتر التركي رقم 484 بالصفحة 114
حيث إن حسن باشا تعين هذه المرة من قبلنا قومندانا على سفن الجهادية المسافرة للآستانة، وقد أناب عنه صاحب العزة إبراهيم الألفي بك محافظ الإسكندرية لإدارة أشغال دائرته مع العهد والأبعادية لحين حضوره فبمجرد وصول هذا وعلمكم بذلك تبادرون أنتم أيضا بتنفيذ طلبات المحافظ المشار إليه فيما يختص بأشغال الباشا المشار إليه وتسويتها حسب أصول المديرية، وقد حرر هذا لكم للمعلومية.
27 رمضان سنة 1269
ختم
عباس الأول
4
إفادة إلى أمير الألاي مصطفى بك المقيم بالآستانة رقم 110 مقيدة بالدفتر التركي رقم 484 بالصفحة 110
قد اقتضت إرادتنا بأن تكونوا بمعية سعادة حسن باشا المعين هذه المرة قومندانا على السفن المصرية، فلدى وصول ذلك إلى علمكم تصغون لأوامر وتنبيهات الباشا المشار إليه وتنفذونها حرفيا، وتجتهدون في عدم الانحراف عن أوامره ونواهيه، وحرر ذلك للإشعار.
27 رمضان سنة 1269
ختم
عباس الأول (5) النجدة البرية المصرية الأولى
عهد بقيادة الجيش المصري البري الذي أرسله عباس باشا الأول في بادئ الأمر لمساعدة الدولة في هذه الحرب إلى الفريق سليم فتحي باشا، وهو أنبغ تلاميذ سليمان باشا الفرنساوي رئيس أركان حرب الجيش المصري في عهد محمد علي، وتألف هذا الجيش كما ذكرنا آنفا من ستة ألايات بيادة وهي 9 جي و10 جي و11 جي و12 جي و13 جي و14 جي بيادة، ومن 9 جي ألاي سواري و3 جي ألاي طوبجية، ويتقدم هذه الألايات كلها أركان حرب القائد العام، وكان عدد هذه الألايات جميعها 19722 جنديا مزودين ب 72 مدفعا.
اللواء إسماعيل باشا أبو جبل
وقد تألف من الألايات الستة البيادة المذكورة ثلاثة ألوية، فتألف من الأي 9 جي و10 جي بيادة اللواء الأول بقيادة أمير اللواء إسماعيل باشا أبي جبل والد صاحب السعادة محرم بك أبي جبل من أعيان القاهرة المشهورين، وتألف من ألاي 11 جي و12 جي بيادة اللواء الثاني بقيادة أمير اللواء علي شكري باشا، ومن ألاي 13 جي و14 جي بيادة اللواء الثالث بقيادة أمير اللواء سليمان باشا الأرنئوطي.
أما ألايا السواري والطوبجية فقد تولى قيادتهما أمير اللواء جعفر صادق باشا جد حضرة صاحب العزة جعفر فخري بك وكيل محافظة الإسكندرية سابقا، وحضرة صاحب المعالي محمود فخري باشا سفير مصر في فرنسا حالا، وحضرة صاحب العزة سامي عصمت بك مدير أعمال بتفتيش ري قسم ثالث بدمنهور حالا، وقد صرف لضباط هذه النجدة وجنودها راتب ثلاثة أشهر مقدما كما ذكره آنفا لقضاء لوازمهم الشخصية، وإليك بيان قوة النجدة المذكورة:
قوة النجدة
الرتب
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
فرق
ألوية
ألايات
أورط
1 جي فرقة
الفريق سليم فتحي باشا القائد العام للجيش البري
1
أركان حرب وتوابع الفرقة
50
البيادة: (1 جي لواء) (9 جي و10 جي بيادة)
أمير اللواء إسماعيل باشا أبو جبل
1
أركان حرب وتوابع اللواء
30
9 جي بيادة
محمد رستم بك: أمير ألاي
1
إبراهيم أدهم بك قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
71
1 جي أورطة: خورشد أفندي بكباشي
809
2 جي أورطة: محمد أفندي بكباشي
708
3 جي أورطة: حسين راغب أفندي
733
10 جي بيادة
حسين بك: أمير ألاي
1
مصطفى بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
41
1 جي أورطة: عبد الكريم أفندي بكباشي
838
838
2 جي أورطة: حسن صادق أفندي بكباشي
991
3 جي أورطة: سليم ساطع أفندي بكباشي
5260
5229
1985
994
2 جي لواء (11 جي و12 جي بيادة)
أمير اللواء علي شكري باشا
1
أركان حرب وتوابع اللواء
30
11 جي بيادة
محمد حافظ بك: أمير ألاي
1
خورشد بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
65
1 جي أورطة: داود أغا بكباشي
880
2 جي أورطة: صالح أفندي بكباشي
860
3 جي أورطة: مصطفى أفندي بكباشي
2610
870
12 جي بيادة
الحاج رشوان بك: أمير ألاي
1
عبد الرحمن بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
52
1 جي أورطة: إبراهيم أغا بكباشي
850
2 جي أورطة: عبد الحميد أغا بكباشي
825
3 جي أورطة: عبد الرحمن أفندي بكباشي
5269
5238
2507
832
3 جي لواء (13 جي و14 جي بيادة)
أمير اللواء سليمان باشا الأرنئوطي
1
أركان حرب وتوابع اللواء
30
13 جي بيادة
مصطفى بك: أمير ألاي
1
نجم الدين بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
160
1 جي أورطة: الحاج فضل الله أغا بكباشي
820
2 جي أورطة: محمد أغا بكباشي
815
3 جي أورطة: محمد سعيد أفندي بكباشي
2447
812
14 جي بيادة
علي بك: أمير ألاي
1
محمد بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
67
1 جي أورطة: صادق أغا بكباشي
805
2 جي أورطة: علي أفندي بكباشي
807
3 جي أورطة: مصطفى أفندي بكباشي
5124
5093
2415
803
جملة البيادة
15704
السواري:
أمير لواء السواري الطوبجية: جعفر باشا صادق
1
أركان حرب وتوابع اللواء
30
9 جي سواري
عثمان بك: أمير ألاي
1
محمد صدقي بك: قائمقام
1
محمد ثابت أفندي: 1 جي بكباشي
1
أحمد عوني أفندي: 2 جي بكباشي
1
أركان حرب وأقسام الألاي
45
6 أورط وقائد الأورطة: يوزباشي
1260
1211
1211
جملة السواري
1291
الطوبجية:
3 جي طوبجية
إسماعيل بك: أمير ألاي
1
خورشد بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
53
1 جي أورطة: علي وهبي أفندي بكباشي
714
2 جي أورطة: مصطفى حمدي أفندي بكباشي
646
3 جي أورطة: عبد الحليم أفندي بكباشي
672
4 جي أورطة: محمد خلوصي أفندي بكباشي
2672
640
جملة الطوبجية
2727
اللواء جعفر باشا صادق
ملاحظة:
لكل بطارية 6 مدافع، ولكل أورطة 3 بطاريات فيكون عدد مدافع الأورطة 18 وعدد مدافع الألاي 72. (6) مجموع قوات النجدتين البحرية والبرية
الجيوش
عدد المدافع
عدد الجنود
البيادة
السواري
الطوبجية
الجيش البحري
642
6850
15704
1291
2727
الجيش البري
72
19722
المجموع
714
26572
15704
1291
2727 •••
وفي 28 رمضان سنة 1269ه (5 يوليه سنة 1853م) أرسل الكتخدا إفادتين؛ إحداهما إلى أمير البحر الفريق حسن باشا الإسكندراني بخصوص نقل جنود النجدة البرية في السفن المعدة لهم وتسفيرهم إلى الآستانة، والثانية إلى أمير اللواء علي بك تنبيها له بسرعة الحضور لتولي قيادة الألايات التي عين مأمورا عليها، وها هما الإفادتان المذكورتان:
1
إفادة من الكتخدا إلى حسن باشا باشبوغ (أمير) الدونتما المصرية رقم 133
بعد أن صار عرض ملحوظاتكم الخاصة باركاب عساكر البرية المقتضى إرسالهم إلى الآستانة العلية في السفن التسع المعدة للقيام بعد أيام قليلة صدر النطق الكريم بإركاب الأربعة الألايات المجهزة وترحيلهم حين قيام هذه السفن، وبعد ختام تعمير سفن القباق يصير إركاب الألايين الباقيين وترحيلهما إلى المحل المقصود، ثم التصريح أيضا للسفن بأن ترسو ببعض الموانئ لأخذ المياه حيث لا يوجد مانع من ذلك، وحرر هذا للمعلومية.
28 رمضان سنة 1269
ختم
2
إفادة صادرة من الكتخدا إلى اللواء علي بك رقم 172 مقيدة بالدفتر التركي رقم 646
قد حرر لكم فيما سبق إشعار بتعينكم مأمورا على الألايات المستعدة للسفر، ولمناسبة عدم حضوركم إلى الآن حرر هذا إشعارا لكم بسرعة الحضور حالا بدون إضاعة الوقت بمجرد وصوله، وحرر هذا للمعلومية.
28 رمضان سنة 1269
وفي 3 شوال سنة 1269ه (10 يوليه سنة 1853م) أرسل الكتخدا إلى حسين باشا أمير لواء 2 جي و7 جي ألاي بيادة بالإسكندرية إفادة بتسليم بذل بيضاء نظيفة لجنود الأسطول المصري المسافرين إلى الآستانة، وإليك نص هذه الإفادة:
إفادة إلى حسين باشا لواء 2 جي و7 جي بيادة بالإسكندرية رقم 112 مقيدة بالدفتر التركي رقم 474 بالصفحة 110
حيث إن أمرنا يقضي بأخذ بذلة بيضاء من كل عسكري من العساكر الذين تحت إدارتكم لعساكر الدونتما المسافرين؛ فبوصول أمرنا إليكم تجرون تسليم بذل بيضاء نظيفة للدونتما حسب الأصول بمقدار العساكر البحرية المسافرة بدون تأخير، وحرر هذا للمعلومية.
3 شوال سنة 1269
ختم (7) قيام النجدتين واستقبالهما في الآستانة
وفي 17 يوليه سنة 1853م حشدت في الإسكندرية خمسة ألايات من النجدة البرية الأولى المسافرة إلى الآستانة، وفي يوم 18 من هذا الشهر أرسل الكتخدا إلى مهردار الوالي إفادة يطلب فيها عرض نبأ حشد هذه الألايات على أعتاب سمو الوالي، وها هي:
إفادة من الكتخدا إلى المهردار في 11 شوال سنة 1269ه (18 يوليه سنة 1853م) رقم 310 مقيدة بالدفتر التركي رقم 646
اعرضوا على الأعتاب العلية وصول خمسة ألايات أمس إلى الإسكندرية من الألايات الستة المقتضى تسفيرها، أما الثلاث الأورط الباقية من الألاي السادس فإن شاء الله ببركة أنفاس الجناب العالي المقدسة سيصير تجهيزهم وترحيلهم لمحل مقصودهم في ظرف هذين اليومين، وقد حرر هذا للمعلومية. ا.ه.
وبعد بضعة أيام من هذا التاريخ حشد الألاي السادس من النجدة البرية الأولى، وسافرت جنودها وجنود النجدة البحرية على السفن الحربية ونقالات أخرى في الخمسة عشر يوما الأخيرة من شهر يوليه المذكور.
وقبل إبحارهم قدم عباس باشا إلى الإسكندرية لاستعراضهم. وخطب فيهم حاثا على القيام بالواجب؛ ليشرفوا بلدهم ويرفعوا رأسه ويشرفوا أيضا قدر أنفسهم.
معسكر الجنود المصرية بميناء (بيكوس) التي على البسفور. نقلا عن الجريدة الانكليزية المصورة (ذي اللسترتيد لندن نيوز
The Illustrated London News ) بالعدد 23 بتاريخ 24 سبتمبر سنة 1853. ص 261 ويرى أمام المعسكر بعض قطع الاسطول المصري.
واستغرقت رحلتهم هذه حوالي ثلاثة أسابيع؛ لأن الأسطول رسا في عدة مرافئ في طريقه ليمتار ماء وزادا، ووصل الآستانة يوم الأحد 14 أغسطس سنة 1853م، وفي أثناء الطريق توفي 20 نفسا ووقع 300 في مخالب المرض، ولدى وصولهم أنزلوا إلى البر وأدخلوا في المستشفيات.
وعندما وصل جنود هاتين النجدتين إلى الآستانة استقبلهم سعادة محمد علي باشا سر عسكر الجيش التركي، وسعادة محمود باشا أمير العمارة البحرية التركية، وسعادة المشير محمد باشا قائد حرس السلطان، ولما نزلت الجيوش من السفن أوصلوها إلى (بيكوس) القائمة على البسفور في معسكر أعد لها بأمر السلطان عبد المجيد زود بالأطعمة والطهاة.
ومن الاتفاق العجيب أن هذا الموضع الذي نزلوا فيه هو نفس الموضع الذي كان يعسكر فيه الجيش الروسي من عشرين سنة مضت؛ بناء على استدعائه من قبل السلطان محمود ليعاونه في الحيلولة دون تقدم جيش إبراهيم باشا الظافر إلى الآستانة، وأن مضارب القواد المصريين نصبت قرب الحجر الذي نصب تخليدا لذكرى إقامة الجيوش الروسية في هذا المكان، وهكذا شاء القدر أن يعكس الحال في هذه المرة فجعل الجنود المصرية يحلون محل الجنود الروسية في هذا المكان، ويحاربون مع الدولة هؤلاء الجنود الذين حاربوهم معها.
وهاك ترجمة ما ورد في جريدة (ذا اللسترتيد لندن نيوز)
The Illustrated London News
بعددها الصادر في 3 سبتمبر سنة 1853م عن نبأ وصول الأسطول المصري إلى الآستانة، والمعسكر الذي أعد لنزول الجنود المصرية فيه:
أحدث قدوم الأسطول المصري إلى مياه الآستانة في يوم الأحد 14 الشهر الماضي (أغسطس) هزة فرح وضجة انشراح، وقد جر كل صنف من البوارج باخرتان لإدخال الأسطول في مياه البسفور، فمر أمام المدينة ثم سار في بوغاز البسفور حتى بلغ المعسكر المقابل لطرابية، وقد تبادل التحية عند وصوله إزاء السراي السلطاني، وأيضا لما صار على مرأى من الأسطول التركي.
وتتألف قطع هذا القسم من الأسطول المصري من بارجتين كل منها ذات طبقتين، وأربع فرقاطات، وحراقتين، وباخرتين بقيادة سليم باشا، وعلى ظهر الأسطول 12000 جندي بري و5000 جندي بحري، وهو يرسو الآن على مسافة من ميناء (هنكار أسكله سي)
UnkiarSkelesai
في البسفور تجاه طرابية حيث قد أنشئ معسكر كبير لنزول الجنود المصرية فيه، وموقع هذا المعسكر في سلسلة من الروابي تحيط بوادي (هنكار أسكله سي)، وهو منبسط فسيح من الأرض تغطيه أشجار الدلب الضخمة، ويشبه كثيرا المتنزهات الإنكليزية، وهو غاية في البهاء، وهذا المكان هو نفس المكان الذي عسكر فيه الروس عندما دعاهم السلطان السابق لمساعدته في محاربة المصريين في ثورتهم على الدولة، وقد أقيم فوق إحدى الربى لتخليد هذا الحادث نصب تذكاري نقشت عليه بالتركية العبارة الآتية: «في هذا السهل حلت الجنود الروسية ضيوفا كما غادروه ضيوفا، ويتمنى الذين أقاموا هذا النصب التذكاري الذي كالجبل في شموخه أن يبقى أثرا وذكرى، وأن يظل التحالف بين الدولتين في رسوخ هذه الكتلة الحجرية وصلابتها، وأن يدوم رمز الصداقة هذا كالتحالف بينهما إلى الأبد».
برتو باشا سنة 1833
وبعد أن استراحت الجيوش المصرية من عناء السفر شرفها السلطان عبد المجيد بزيارته وعرضه لها، على حين أنه لم يحدث أنه شرف نفس جيوشه مطلقا بمثل هذا التكريم لا عند ذهابها للحرب، ولا عند عودتها منها، والفرح الذي شمل الجيوش المصرية لدى رؤية الخليفة جاوز كل حد، وأنساها جميع متاعب السفر ومشاقه، وكان كلما انتقل جلالته بين صفوفهم صاحوا هاتفين له بالدعاء.
وأنعم السلطان على كل قائد من القواد بعلبة للتبغ مرصعة بالماس، وعلى كل ضابط وصف ضابط براتب شهر.
ومن غرائب الاتفاق أيضا أن سلفه السلطان محمود قبل ذلك بعشرين سنة وزع في هذا الموضع عينه أوسمة على الجيش الروسي الذي كان معسكرا فيه؛ ليصد نفس هذه العساكر المصرية إذا تقدمت نحو الآستانة . (8) حركات النجدة البرية المصرية
وبعد إقامة حفلة هذا التكريم الشيقة ببضعة أيام نزلت الجيوش المصرية في نقالات وأبحرت إلى (وارنه)
Varna ، ومن هذه توجهت إلى حدود (الروم ايلي) عند نهر الدانوب
Danube
وهناك وزعت ألويتها الثلاثة على مدينة (سلستره)
Silistrie ، و(بابا داغ)
Babadagh
و(شملا)
Shoumla .
فذهب لواؤها الأول إلى مدينة (سلستره)، وكان هذا اللواء كما ذكرنا آنفا مؤلفا من 9 جي ألاي و10 جي ألاي بيادة بقيادة اللواء إسماعيل باشا أبي جبل، وقد أقام هؤلاء الجنود في هذه المدينة حصنا سمي (طابية العرب) نسبة لمن أقاموه وهم المصريون، وهذا الحصن الذي كانت تعتصم فيه الجنود المصرية هو الذي صد هجمات الروس بقيادة مارشالهم الشهير باسكيفتش
Maréchal Paskiévitch
على المدينة المذكورة سنة 1854م كما سيمر ذكره بعد.
وذهب لؤاها الثاني الى مدينة (بابا داغ) وكان مؤلفا من 11 جي ألاي و12 جي ألاي بيادة بقيادة اللواء علي باشا شكري.
وذهب إلى (شملا) لواؤها الثالث وكان مؤلفا من 13 جي و14 جي ألاي بيادة بقيادة اللواء سليمان باشا الأرنئوطي، و9 جي ألاي سواري بقيادة اللواء جعفر باشا صادق، و3 جي ألاي طوبجية بقيادة أمير الألاي إسماعيل بك.
وقد قام كل لواء من الألوية الثلاثة المذكورة بدوره في هذه الحرب وأبلى أحسن البلاء في جميع معاركها. (9) حركات الأسطول المصري
أما الأسطول المصري فوزع بين مختلف العمارات التركية فانضمت الفرقاطة دمياط والوابور (بروانه) إلى عمارة الأميرال التركي عثمان باشا التي سافرت إلى ميناء (سينوب)
Sinope
الواقعة على البحر الأسود، وهناك دمرت المارة الروسية بقيادة الأميرال ناخيموف
Nakhimoff
العمارة التركية مع هاتين القطعتين في 30 نوفمبر سنة 1853م، وكانت قوة هذا القائد الروسي تفوق قوة القائد التركي بمراحل.
أما باقي سفن العمارة المصرية فقطع منها انفصلت في بادئ الأمر عنها للقيام بحراسة جزر الأرخبيل مع العمارة التركية التي فيه، وهذه القطع هي الفرقاطتان رشيد وشير جهاد والقرويتان جناح بحري وجهاد بيكر والجويليت الصاعقة، ثم بعد ذلك انتقلت إلى البحر الأسود حيث كانت القطع الأخرى من سفن الأسطول المصري، واشتركت جميعها في نقل الجيوش من (وارنة) إلى (القرم) ثم انضمت في أوائل مايو سنة 1854م إلى أساطيل فرنسا وإنجلترا وتركيا بالبحر الأسود، واشتركت معها في الوقائع التي دارت رحاها ضد الروس، وكان الأسطول العثماني في هذه الوقائع تحت قيادة أمير البحر التركي أحمد قيصر لي باشا، والأسطول المصري تحت قيادة أمير البحر المصري الفريق حسن باشا الإسكندراني.
الفرمان الهمايوني الذي جاء لمصر عن هذه الحرب باللغة التركية (10) إعلان تركيا الحرب على الروسيا
لما لم تنسحب الجيوش الروسية التي كانت قد احتلت ولايتي ملدافيا
Moldavie
وفلاخيا
Valachie
اضطرت تركيا أن تعلن الحرب على الروسيا في 4 أكتوبر سنة 1853م، وأرسل السلطان عبد المجيد إلى عباس باشا الأول فرمانا بالتركية يعلمه فيه بإعلان تركيا الحرب على الروسيا، ويأمره بتنبيه الأهالي إلى الدعاء بنصرة الدولة العلية، وإلى عدم التعرض لرعايا الروس والدول المتحابة في مصر، ومعاملتهم باللين والحسنى.
وإليك ترجمة الفرمان المذكور بالعربية:
ترجمة فرمان همايوني
الدستور المكرم المشير المفخم المحترم نظام العالم مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب متمم مهام الأنام بالرأي الصائب، ممهد بنيان الدولة، مشيد أركان السعادة والإجلال، المحفوف بصنوف عواطف الملك الأعلى، سمير الطبع عباس حلمي باشا والي مصر حالا، الحائز لرتبة الصدارة الجليلة والنشان المجيدي الهمايوني الأول أدام الله تعالى إجلاله، فليكن معلوما لدى وصول توقيعي الهمايوني الرفيع، أنه كما هو معلوم للجميع أن قبول مطالب دولة روسيا بأكملها فيما يختص بمسألة الامتيازات الدينية، فضلا عن أنه يمس حقوق الحكومة واستقلال سلطتنا السنية، فإنه سيكون معاذ الله تعالى موجبا لأنواع الضرر في الحال والاستقبال؛ ولذلك ولأن الدولة المشار إليها قد أتخذت أيضا تدابير عسكرية الغرض منها التهديد، فمن جهة دولتنا العلية أيضا أرسلت قوة عسكرية إلى حدودنا الشاهانية بجهات الأناضول والروم ايلي من قبيل التحفظ والاحتياط، مع بذل أكبر مجهود في سبيل المحافظة على الصلح والسلم اللذين حافظنا عليهما دائما معززين ومحترمين طبقا لأصول وشعائر الإصلاح، ومراعاة العهد من جهة أخرى، ومع أننا اقترحنا مشروع نظام وتعديل في هذا الخصوص، وبذلنا الجهد في اتخاذ كل الوسائل الكتابية، فلم يكن لذلك أي تأثير، وأخيرا قد عبر الجيش الروسي نهر (بروت) الذي هو رأس الحدود، واحتل مملكتي (الأفلاق) و(البغدان) اللتين هما ميراني الشاهاني، واستولى عليهما، ومع كل هذا فإن حكومتنا السنية وإن كانت سعت بحسن النية في المحافظة على الصلح والسلم بقصد إصلاح ذات البين، إلا أنه لم يكن ذلك، ولهذا قد دعي جميع الوكلاء الفخام والوزراء العظام والصدور الكرام والعلماء الأعلام والأمراء العسكريين وسائر مأموري سلطتنا السنية إلى بابنا العالي، وعقد به مجلس عمومي في اليومين الثاني والعشرين والثالث والعشرين من شهر ذي الحجة الشريفة، ولما جرى فيه بحث المصلحة بكل أطرافها وإبداء الملاحظة فيها، تبين أنه من حيث إن دولة روسيا رفضت مشروع النظام الذي وافقت عليه دولتنا العلية، فإن هذا النزاع لن يمكن حسمه بطريق الصلح؛ ولذلك ولأن الروسيا نقضت العهد باعتداء جيوشها على ممالكنا المحروسة كما هو معلوم للجميع، وأنه ليس من الموافق أيضا دوام هذا الحال، فقد تقرر باجماع الآراء اختيار جانب الحرب واتخاذ التدابير العسكرية توكلا واعتمادا على عون الله تعالى وعنايته، واستنادا لأمداد وروحانية الحضرة النبوية، مستعينين بنصرة الله تعالى، وصدرت أيضا فتوى شرعية بذلك من طرف شيخ الإسلام، ولدى عرض الأمر على ذاتنا الشاهانية والاستئذان، قد رأينا من المناسب إجراء المقتضى لذلك بموجب قرار المجلس العمومي والفتوى الشريفة، وأصدرنا خطنا الهمايوني بذلك، وبمقتضاه المنيف قد أبلغ الأمر إلى فيالقنا الهمايونية بالروم ايلي والأناضول، وإلى جميع ممالكنا المحروسة الشاهانية بإذاعة أوامرنا الملوكانية الخاصة، وبما أن المسئولية في هذه المادة واقعة كلها على دولة روسيا، فقد دعونا وابتهلنا إلى الله تعالى بقلوب مخلصة أن ينصر عساكرنا الشاهانية بحوله وقوته وهو خير الناصرين.
فأنت أيها الوالي المشار إليه عند وصول فرماني الملوكي الجليل العنوان عليك أن تعلن ذلك لأهالي جميع الجهات الواقعة تحت إدراتك وتذيعه، وأن تنبه عليهم وتفهمهم بأن يشتغلوا جميعا بالدعاء بنصرة دولتنا العلية، كما هو مفروض عليهم ويواظبوا على ذلك، هذا وبما أن هذه الحرب هي ضد دولة أرادت الاعتداء على حقوق دولتنا العلية واستقلالها بدون أي حق أو سبب، ولم يطرأ بسببها أي تغيير على العلاقات الودية التي بين سلطنتنا السنية وبين سائر الدول المتحابة، فيجب عدم وقوع أي تعرض أو سوء معاملة من أحد لتجار ورعايا هذه الدول الموجودين بالممالك المحروسة بقصد التجارة والسياحة، ولكافة رعايانا من مختلفي الأديان الذين نعد شرعا أرواحهم وأعراضهم وأموالهم كأرواحنا وأعراضنا وأموالنا، وأن يكونوا على الدوام مشمولين بالعدل والأمن والراحة طبقا لأحكام الشريعة المنيفة المطهرة، وحاصل الكلام أنه كما سبق أن أعلنا أنه لا يجوز شرعا ولا عقلا أن يكون رعايا دولتنا العلية الذين لهم علاقة دينية مع دولة روسيا مسئولين عن أعمال الدولة المشار إليها المعلومة؛ لأن دعوى هذه الدولة هي لأجل نفوذها ومصالحها فقط، وحيث إن الامتيازات الدينية التي منحت من قبل أجدادي العظام لهؤلاء الرعايا قد تقررت وتوسعت تحت حماية دولتنا العلية الخاصة منذ مئات من السنين، وهم أيضا يعلمون بأن تمسك دولة روسيا الآن بحق حماية الامتيازات المذكورة سيكون سببا يضعف عقائدهم الدينية، وحيث إن من أسباب الانتصار أن يعيش جميع رعايانا على اختلاف أجناسهم مع بعضهم بحالة حسنة، وأن لا يكدر أحدهم صفو الآخر ولا يهينه ولا يضره بأي حال وفي أي مكان، وأن يبذلوا جميعا بالاتحاد والاتفاق كل ما في وسعهم في خدمة الوطن العامة. ففهم الجمهور كل ذلك تفصيلا، وابذل جهدك في أن لا يحدث من أحد ما يخالف رضانا الهمايوني، وفهم كل شخص جيدا من الآن أنه قد سبق أن قرر المجلس العمومي وأيده المجلس العمومي هذه المرة أيضا، أن من يأتي عملا مغايرا للتنبيهات المشروعة المشروحة عن جهل أو غفلة أو لأغراض شخصية؛ سيكون مسئولا عن عمله ويعاقب عقابا شديدا، فليعلموا ذلك ويعملوا بموجبه، وعلى كل حال اهتم واعتن بإجراء ما يلزم لذلك بدرايتكم ورويتكم، واعلم ذلك واعتمد على علامتنا الشريفة.
تحريرا في أوائل شهر محرم الحرام سنة سبعين ومئتين وألف.
ختم (11) الحالة في مصر بعد إعلان الحرب
ويجدر بنا بعد ذلك أن ننقل هنا عن الجريدة الإنكليزية (أخبار لندن المصورة) - ذا اللستريد لندن نيوز
The Illustrated News - كلمة بعث بها إليها مكاتبها بالإسكندرية يصف فيها الحالة في مصر بعد تطور المسألة الشرقية، وإعلان تركيا الحرب على روسيا، وقد نشرتها بعددها الصادر بتاريخ 22 أكتوبر سنة 1853م تحت عنوان (الحركات الحربية في مصر) وهاك ترجمتها:
الإسكندرية في 6 أكتوبر سنة 1853
كان من نتائج تطور المسألة الشرقية أن حل بالتجارة المصرية كساد عظيم، وقد زاد الطين بلة فيضان النيل في هذا العام فيضانا لم تشهده البلاد من قبل، وطبيعي أن هذا يؤخر كثيرا أعمال الزراع.
وقد أصدر باشا مصر أمرا بمنع تصدير القمح إلى الخارج؛ إذ يقال: إنه يخشى أن يصيب البلاد قحط.
وفي الميناء الآن قليل من المراكب التجارية بالنسبة لعددها في غير هذه الظروف، وكل ما في الميناء من السفن الحربية في الوقت الحاضر هو بارجة أميرال الأسطول المصري المسماة (فيض جهاد) وهي فاخرة وذات ثلاث طبقات، والفرقاطة البخارية الجديدة مصنوعة من الحديد، وثلاث بواخر أخرى أصغر من السابقتين وحراقتان، أما باقي الأسطول فإنه يتجول في مياه الآستانة.
وبلغ مجموع القوات التي أرسلها عباس باشا إلى الآن لمعونة السلطان 22000 جندي، وذلك عدا البحارة الذين في البوارج المصرية بتركيا، ويشاع هنا أن الوالي ينوي إرسال قوة أخرى إضافية قريبا.
وقد حظر على رعايا عباس باشا الخوض في المسألة التركية غير أن المشاهد هنا أن للناس مع افتخارهم بثناء السلطان على همة إخوانهم المحاربين ومقدرتهم؛ فإنهم لا يكادون يرون من الإنصاف أن يبعث بهم ليتلقوا أول صدامات الحرب؛ لأنهم قوة صغيرة بالنسبة لقوة أعدائهم الروس.
وعند الباشا في الوقت الحاضر 40000 جندي تحت السلاح عدا الذين يحاربون في تركيا الآن وعددهم 22000 جندي، وفي حامية الإسكندرية 8000 جندي.
أما لباس الجيش المصري فهو البذلة العسكرية النظامية وهي تصنع في الشتاء من نسيج أزرق خشن وفي الصيف من نسيج القطن الأبيض، وأما سلاح أكثر جنوده فهو بندقية فرنسية ذات شطف، والحقيقة أن الذي أكسبهم شدتهم الحربية هو في الغالب قوة أبدانهم لا قوة عددهم.
ولا تزال الأعمال جارية في مد الخط الحديدي،
1
وإن كان العمل فيه قد تأخر عن ذي قبل بسبب انسحاب العدد الأكبر من الرجال للخدمة في تركيا. ا.ه. (12) النجدة البرية المصرية الثانية
وعندما بلغ عباس الأول فرمان إعلان تركيا الحرب على روسيا أمر بإعداد نجدة برية أخرى مؤلفة من ثلاثة آلايات بيادة؛ هي 15 جي و16 جي و17 جي بيادة، ومجموعها 8466 جنديا، ومن 1 جي أورطة من 1 جي ألاي طوبجية، ومجموع جنودها 612 جنديا، ومدافعها 18 مدفعا، وتألفت الثلاثة الألايات البيادة المذكورة من اللواء الرابع بقيادة أمير اللواء إبراهيم شركس باشا، ويتقدم هذه الألايات جميعها أركان حرب هذا اللواء وتوابعه وعددهم جميعا 31، فيكون مجموع جنود هذه النجدة الثانية 9109 من الجنود، وهاك بيان قوتها:
جنود النجدة
الرتب
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
فرق
ألوية
ألايات
أورط
4 جي لواء (15 جي و16 جي و17 جي بيادة)
أمير اللواء إبراهيم شركس باشا
1
أركان حرب وتوابع اللواء
30
15 جي بيادة
إبراهيم بك: أمير ألاي
1
يوسف غالب بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
64
1 جي أورطة مصطفى أفندي: بكباشي
957
2 جي أورطة محمد صدقي أفندي: بكباشي
930
3 جي أورطة أحمد حمدي أفندي: بكباشي
2837
950
16 جي بيادة
أحمد بك: أمير ألاي
1
فرهاد بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
55
1 جي أورطة أحمد أغا: بكباشي
955
2 جي أورطة جعفر أغا: بكباشي
955
3 جي محمد أفندي: بكباشي
2858
948
17 جي بيادة
رجب بك: أمير ألاي
1
خسرو بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
43
1 جي أورطة أحمد عوني أفندي: بكباشي
876
2 جي أورطة محمد حافظ أفندي: بكباشي
863
3 جي أورطة رسول أغا: بكباشي
8466
2603
864
جملة البيادة
8497
1 جي أورطة من 1 جي طوبجية
شاكر حسن أفندي: بكباشي
612
جملة الطوبجية
612
ملاحظة
عدد المدافع لكل بطارية 6، وعدد البطاريات لكل أورطة 3، فيكون عدد المدافع للأورطة 18 مدفعا.
جملة جنود هذه النجدة
البيادة
8497
الطوبجية
612
الجملة
9109
وفي 7 محرم سنة 1270 ه (10 أكتوبر سنة 1853 م) أصدر الوالي إلى كتخداه حسن باشا المنسترلي إرادة سنية بإجراء اللازم لجمع جنود هذه الألايات، وإعدادهم للسفر على جناح السرعة، وحسن باشا المنسترلي هذا كان منصبه يعادل رئيس مجلس الوزراء الآن، وقد ظل في منصبه هذا كما أخبرنا بذلك حضرة صاحب السعادة أمين سامي باشا من 19 ربيع الأول سنة 1266 إلى 3 جمادى الثانية سنة 1270ه (من 2 فبراير سنة 1850 إلى 3 مارس سنة 1854م).
وهو جد البكوات محمد علي فؤاد وأمين بك فؤاد وكيل مدير قلم القيودات بوزارة الخارجية سابقا، وقائم بأعمال المفوضية المصرية ببخارست حالا، والاثنان نجلا إبراهيم باشا فؤاد المنسترلي وزير الحقانية سابقا، وها هي الإرادة السنية المذكورة:
إرادة سنية إلى الكتخدا بتاريخ 7 محرم سنة 1270ه مقيدة بالدفتر التركي رقم 484 بالصفحة 175
قادم إلى دولتكم أحد معاوني معيتنا البكباشي عثمان أفندي بخصوص أمر الثلاثة الألايات البيادة، والثلاث البطاريات التي سترسل بأفرادها وضباطها تحت قيادة قائد برتبة لواء بسبب إعلان الحرب بين الدولة العلية، والروسيا التي وقفتم على تفصيلاتها من أمين باشا ناظر الجهادية، فلدى وصوله عندكم، وعلمكم منه بتفصيلات ما اقتضته إرادتنا تقومون حالا وتتوجهون إلى ديوان الجهادية، وتقيمون هناك لإجراء اللازم مع العلم أيضا بأن قد صدرت أوامرنا يوم تاريخه إلى جميع مديري مديريات الصعيد بسرعة جمع أفراد الجنود اللازمة من المديريات مجهزين بملابسهم وأسلحتهم وبأن يتم ذلك في مدة عشرين يوما، وصار إخطارهم بأنه إن لم يتم ذلك ويرحلوا في ظرف ثمانية أيام ينفوا إلى أبي قير، وقد أرسل اللواء علي سري باشا من مصر إلى الصعيد مع علي باشا الأرنئوطي بعد أن صار تفهيمهما ذلك، فيلزم أيضا أن تكتبوا من طرفكم إلى المديرين بالتأكيد، وأن تشددوا عليهم بإرسال الجنود الذين يصير جمعهم أول فأول على جناح السرعة بالمراكب، كما يلزم إرسال كافة البواخر التي بالمرورية والترسانة لجر المراكب المذكورة إلى القاهرة، ثم تعيين أمراء الألايات اللازمين من مجلس مديريات الوجه البحري لسرعة جلب الأنفار المطلوبة بدون إهمال، والذين يردون القاهرة منهم تعطى لهم الكساوى والأسلحة وما يلزم لهم عقب وصولهم ويرسلون بالمراكب إلى الإسكندرية، أما ال 40000 بندقية فإن لم توجد جميعها تجهز 30000 بندقية وترسل بسرعة إلى الإسكندرية، وال 10000 تبقى على سبيل الاحتياط بمصر إلى حين لزومها، ويجب أيضا فرز أفراد وضباط الثلاث البطاريات وترتيبهم وترحيلهم إلى الإسكندرية، والمطلوب منك يا بابا حسن الهمة في تجهيز الألايات الثلاثة المذكورة وإرسالها مع ضباط النوبتجية وأفرادها، وال 30000 بندقية السالفة الذكر إلى الإسكندرية في ظرف عشرين يوما، وها أنا منتظر ذلك منك لكي تثبت لي مرة ثانية أنك حقيقة بابا حسن.
ختم
عباس الأول •••
وفي 4 صفر سنة 1270ه (6 نوفمبر سنة 1853م) أرسل ديوان الجهادية إلى قومندان 6 جي ألاي بيادة الإفادة الآتية بترقية حسن أفندي علمدار هذا الألاي إلى رتبة صاغقول أغاسي، وإلحاقه ب 17 جي ألاي بيادة المسافر إلى الآستانة بناء على أمر كتخدا الوالي له، وها هي الإفادة المذكورة:
إفادة إلى قومندان 6 جي ألاي بيادة بتاريخ 4 صفر سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2689 صادرة من قلم تركي ديوان الجهادية
بناء على أمر الكتخدا الشفوي الصادر لنا بترقية حسن أفندي علمدار الألاي إدارة عزتكم لرتبة صاغقول أغاسي، وإلحاقه ب 17 جي ألاي بيادة من الألايات المهيأة للسفر إلى الآستانة؛ نؤمل بوصول هذا إخلاء طرف المذكور من الالأي، وصرف المبالغ المستحقة له بصندوق الألاي، وتحرير الرجعة اللازمة بثلاثة أشهر من المستحق له لصرفها من خزينة ديوان الجهادية وإرسالها للديوان، وحرر هذا للمعلومية. ا.ه.
وقد عين لقيادة هذه النجدة البرية الثانية اللواء إبراهيم شركس باشا، وعهد إلى الفريق أحمد باشا المنكلي ومعه أمير الالأي علي مبارك بك (فيما بعد باشا) إعداد هذه النجدة، وعلي مبارك بك هذا هو أحد تلاميذ البعثة الحربية سنة 1844 إلى فرنسا في عهد محمد علي باشا، وناظر مدرسة المهندسخانة وقت إعداد هذا الجيش، وإليك الإفادة التي صدرت إليه من ديوان الجهادية بصدد تعيينه:
إفادة من ديوان الجهادية إلى أمير الألاي علي مبارك بك ناظر المهندسخانة رقم 373 بتاريخ 9 صفر سنة 1270 (11 نوفمبر سنة 1853م) مقيدة بالدفتر التركي رقم 2696
اقتضت إرادة ولي النعم الخديو المعظم بتعيينكم معاونا بمعية حضرة صاحب السعادة أحمد باشا المنكلي المأمور على الأفراد المهيأة للسفر إلى الآستانة بناء على درايتكم واجتهادكم، فبوصوله قوموا حالا وقدموا أنفسكم للباشا المشار إليه، وحرر هذا للإحاطة. ا.ه.
وفي 10 صفر سنة 1270ه (12 نوفمبر سنة 1853م) أرسل الكتخدا حسن باشا المنسرتلي إفادة إلى ديوان الجهادية يخبره فيها بمغادرة قنصل جنرال روسيا الديار المصرية بسبب إعلان الحرب، وإحالة النظر في مصالح رعايا الروس إلى قنصل جنرال سويسرا؛ وها هي الإفادة المذكورة:
إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم 64 بتاريخ 10 صفر سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2691
نحيطكم علما أن قنصل دولة روسيا مع موظفي سفارته غادروا الديار المصرية، وأحالوا إدارة أشغال رعاياهم وحمايتهم إلى قنصل جنرال سويسرا؛ وذلك بناء على إعلان الحرب بين الدولة الروسية والدولة العلية، وحرر هذا للمعلومية. ا.ه.
وفي 11 صفر سنة 1270ه (13 نوفمبر سنة 1853م) أرسل الكتخدا إفادة إلى ديوان عموم الجهادية يخبره فيها بإحالة حماية الرعايا الروس الذين بالقاهرة إلى مسيو بارتولوجي قنصل سويسرا، والذين بدمياط إلى مسيو سروره قنصل سويسرا أيضا، وإليك هذه الإفادة:
إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم 57 بتاريخ 11 صفر سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2691
بناء على ما ورد إلينا من ديوان الخاصة نحيطكم علما أن التبعة الروس الذين بمصر أحيلت حمايتهم إلى المسيو (بارتولوجي)، والذين بدمياط إلى المسيو (سروره) قنصلي سويسرا. ا.ه.
وأرسل الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية أيضا إفادة مؤرخة في 6 ربيع الأول من السنة المذكورة (7 ديسمبر سنة 1853) يخبره فيها بناء على خطاب أرسله إليه محافظ الإسكندرية بلزوم إرسال المئونة اللازمة لألايات 15 جي و16 جي و17 جي بيادة وأورطة الطوبجية المسافرة إلى الآستانة؛ وها هي:
إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم 74 بتاريخ 6 ربيع الأول سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2691
بناء على ما ورد إلينا من محافظة الإسكندرية بتاريخ 3 ربيع الأول سنة 1270 (4 ديسمبر سنة 1853) تحت رقم 156 يقتضي إرسال 350 قنطار سمن و10000 أقة زيت حار من شونة التعيينات على جناح السرعة إلى الإسكندرية؛ لأجل لزوم تموين 15 جي و16 جي و17 جي ألايات بيادة وأورطة الطوبجية المركبة من 500 نفر وكسور المتهيئين للسفر إلى الآستانة، وعند إرسالها أخبروا محافظة إسكندرية بذلك. ا.ه.
وفي 7 ربيع الأول سنة 1270ه (8 ديسمبر سنة 1853م) أرسل الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية إفادة يعلمه فيها بأن محافظ الإسكندرية أعلمه بوصول 1250 صندوقا تحتوي على 25000 بندقية من أصل ال 40000 بندقية التي سترسل إلى الآستانة، وأنه تسلمها من القائمقام مصطفى بك؛ وإليك هذه الإفادة:
إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم 77 بتاريخ 7 ربيع الأول سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2691
وردت إفادة من محافظ إسكندرية مؤرخة 20 صفر سنة 1270 (22 نوفمبر سنة 1853) تحت رقم 136 تفيد أن ال 1250 صندوقا الموضوع بداخلها 25000 بندقية المراد إرسالها إلى الآستانة وردت بواسطة القائمقام مصطفى أفندي، وقد صار تسلمها من المذكور، وحرر هذا للإحاطة. ا.ه.
وقد نشرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) خبر إرسال هذه البنادق إلى الآستانة في عددها الصادر بتاريخ 28 يناير سنة 1854م؛ فقالت: أرسل والي مصر إلى الآستانة 250000 بندقية. (13) واقعة سينوب البحرية وكارثة العمارة التركية وسفينتين من العمارة المصرية
في شهر أكتوبر من سنة 1853م أرسلت الدولة إلى ميناء سينوب التي على البحر الأسود قسما من أسطولها البحري مؤلفا من 13 قطعة حربية بقيادة القبودان عثمان باشا ووكيله حسين باشا، وفي يوم 13 نوفمبر من هذه السنة وصلت سفن هذا القسم إلى ميناء سينوب، وفي يوم 21 من الشهر المذكور وصلت إليها عمارة روسية مؤلفة من 3 قباقات و4 فرقاطات وأبريق واحد بقيادة أمير البحر الروسي (ناخيموف)
Nakhimoff ، وقد أتت هذه العمارة لتكشف مواقع الأسطول التركي وتعرف قوته، وظلت خارج الميناء محاصرة للسفن العثمانية.
وفي تلك الأثناء وقف الأميرال الروسي على قوة العمارة التركية، وأرسل إلى دولته يطلب منها أن تمده بعدد من السفن الروسية الحربية بسباستبول، فلما حضرت جعل أربعا من سفنه خارج الميناء لتقطع خط الرجعة على السفن العثمانية إذا هي حاولت الهروب، ودخل ببقية السفن إلى الميناء المذكورة على بعد تسعمائة متر تقريبا من مرمى مدافع البطاريات البرية.
واقعة (سينوب) البحرية في 30 نوفمبر سنة 1853م نقلا عن الجريدة الانكليزية المصورة (ذي اللسترتيد لندن نيوز
The Illustrated London News ) العدد 24 بتاريخ 7 يناير سنة 1854م. ص 4 ويرى في الأمام بعض قطع الاسطول الروسي وعن اليمين واليسار قطع الاسطولين التركي المصري.
ولما توقع القبودان التركي عثمان باشا الغدر من الأسطول الروسي أصدر أوامره لقواده وجنوده بأن يستعدوا للقتال، وحثهم أن يستميتوا في محاربة الأعداء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وفي يوم 30 نوفمبر المذكور بدأت الفرقاطة العثمانية (نظامية) تطلق نيران مدافعها بكل قوة وشدة، وبذا دارت رحى الحرب بين الفريقين.
وقد كانت سفن العمارة التركية رغم ضآلة حجمها وضخامة السفن الروسية تقاتل بكل بسالة وشجاعة، ولكن لم يجد ذلك نفعا؛ إذ كانت قوة العمارة الروسية تفوق كثيرا قوة العمارة التركية، وأسفرت الحرب المذكورة عن تدمير سفن هذه العمارة وقتل أكثر بحارتها، وقد بترت ساق القومندان التركي عثمان باشا وأسره الروس هو وعددا من رجاله، ومات وكيله حسين باشا بمقذوف أصابه ونجت من السفن العثمانية سفينة واحدة، ودمرت سفينتان مصريتان كانتا في هذه الواقعة وهما الفرقاطة (دمياط) والوابور (بروانا)، أما خسائر الروس فكانت كثيرة.
وقد نشرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز
The Illustrated London News ) بعددها الصادر بتاريخ 31 ديسمبر سنة 1853م نقلا عن جريدة (ذي مورننج كرونكل
The Morning Chronicle ) بيانا شاملا لهذه الواقعة المشئومة، قالت الجريدة الأخيرة عنه: إنه مبني على تحقيقات قام بها قبطان السفينة الإنكليزية (رتربيوشن
Retribution ) وضباطها، وإليك ترجمة ما جاء عن هذه الواقعة في البيان المذكور:
في يوم 13 نوفمبر رسا في خليج سينوب بعض الأسطول التركي، وكان مؤلفا من سبع فرقاطات (في إحداها 60 مدفعا) وثلاث حراقات وباخرتين، وفي 21 من هذا الشهر واجهت سينوب عمارة روسية مؤلفة من ثلاث بوارج كبيرة، كل منها ذات طبقتين، وفرقاطة، وسفينة شراعية بصاريين.
وبعد أن كشفت هذه العمارة مواقع الأسطول التركي سارت بعيدة عن الميناء، ولكنها ظلت محاصرة له رغم عبوس الجو وهياج البحر، وقد أشار بعضهم على عثمان باشا القائد العام بأن أحكم خطة هي اقتحام الحصار ومقاتلة العدو القتال الذي يقتضيه الخلاص من الوقوع في قبضته والنجاة من عدوانه؛ إذ إنه من المحتم على كل حال وقوع معركة.
ولكن عثمان باشا لم يخطر له أن الروس قد يعززون عمارتهم بإمدادات فترجح كفتهم ويتفوقون على الأتراك عددا وعددا، ولم يقبل لسوء الحظ رأي المرءوسين بحجة أن بعض بوارجه أصابها العطب أثناء هبوب ريح صرصر من زمن قريب، ولأنه يحتمل أن يكون له النصر إذا وقع القتال والبوارج في مرساها.
وفي يوم 30 نوفمبر قبل الظهر واجهت عمارة روسية كبيرة الخليج المذكور، وكانت مؤلفة من ثلاث بوارج ذات ثلاث طبقات وثلاث بوارج ذات طبقتين بقيادة القيس أميرال ناخيموف، الذي كان رافعا أيضا راية أميرال المؤخرة، وسارت مع الريح ناشرة جميع قلوعها ثم اقتربت من البوارج التركية وحاذتها، ولم تطلق هذه الأخيرة نيرانها عليها أثناء حركتها هذه، وبقي خارج الخليج فرقاطتان وثلاث بواخر لقطع طريق التقهقر على أية بارجة تركية تحاول الفرار.
فلما رأى عثمان باشا ذلك خاطب رجال أسطوله بالإشارات وأمرهم أن يقاتلوا ببسالة إلى النهاية دفاعا عن وطنهم، وعند الظهر ابتدأت موقعة استقتل فيها الأتراك فقد قاومت الفرقاطات التركية أكثر من ساعة ونصف، هذه القوة الهائلة غير هيابة ولا وجلة رغم ما بين القوتين من التفاوت المهلك وعدم التكافؤ، وكانت أولى الخسائر الفرقاطة (نافيك)
2
إذ أبصر ربانها علي بك أنه مهدد بإغارة بارجة شامخة ذات ثلاث طبقات، وأنه فقد كل أمل في أن ينتج استمرار المقاومة أي خير.
ولم يشأ أن ينهزم شر هزيمة فحمل هو نفسه على فرقاطته ونسفها وذهب ضحية الإخلاص للواجب والوفاء للوطن.
وفي نهاية الزمن المذكور كانت الكارثة قد عمت القوة التركية فدمرت عن آخرها، وكان هذا الحادث مشهدا من أفجع المناظر وأوجعها؛ فقد أحرقت قذائف العدو المشتعلة بعض البوارج التركية وبوارج أخرى آثرت أن تنسف نفسها بنفسها على أن تسلم لعدوها، وما بقي من السفن تهدمت جوانبها واختلف وضعها بالمعنى الحقيقي لا على سبيل المجاز لهول ما نزل بها من ضربات القنابل الروسية الثقيلة ثقلا عظيما، وهذه البوارج تحطمت سلاسلها فتقاذفتها الأمواج ما عدا اثنتين منها، وقذفت بها إلى الشاطئ، وتسلق البحارة الروس صواريها وهتفوا تمجيدا للانتصار الدموي الذي أحرزوه.
ولما انتهوا من ذلك عادوا بلا إبطاء يرمون بقنابلهم هذه البوارج المتحطمة التي لا حول لها ولا قوة إلا شدة بأس رجالها وثبات عزمهم؛ إذ لم تنقطع عن إطلاق نيرانها الضعيفة بشجاعة فريدة وجلد ليس له نظير، ولم يكف الروس عن ضربها حتى تم تدميرها وقتل من بها.
واستولى الروس بعد ذلك على البارجتين اللتين لم تلحقا بأخواتها إلى الشاطئ، ولكنهم فضلوا الاستغناء عنهما لما رأوا ما هما عليه من التهدم فدمروهما في اليوم التالي، أما (الطائف) إحدى الباخرتين التركيتين فقد وفقت إلى الفرار بعد ابتداء المعركة بقليل، وهي الوحيدة التي نجت فقد تملصت من سلاسلها، وخرقت لها بشيء من المجازفة طريقا بين القوة المتجولة خارج الخليج، وكانت أول من أبلغ خبر هذه الحادثة المشئومة إلى الآستانة.
وقد كان عدد البحارة الأتراك 4490 قبل ابتداء المعركة فقتلوا، ولم ينج إلا الجرحى و120 أسيرا، وهم من بحارة البارجتين التركيتين اللتين لم ير الروس أية منفعة في بقائهما فأتلفوهما، وقد نقل الأسرى إلى سباستبول وبينهم عثمان باشا الذي جرح أثناء المعركة، أما حسين باشا وكيله فبينما كان يحاول النجاة من البارجة المحترقة أصابت رأسه قنبلة من الرش فأماتته.
ولا تعلم خسائر الروس بالضبط؛ لأنهم انسحبوا بعد انتهاء المعركة مباشرة، وإنما لحق صواري أربع من بوارجهم العطب فتعطلت وخرجت من الخليج تجرها البواخر، أما ما قدمته بطاريات البر من المعونة فلم يكن ذا قيمة ولم يعد بأية نتيجة على الأتراك؛ ذلك لأن مدافعها كانت خفيفة من جهة ومن جهة أخرى فإن البوارج التركية اعترضت طريق نيران هذه البطاريات.
أما مدينة سينوب فقد أصبحت أثرا بعد عين؛ إذ دمرت بأجمعها وغطي شاطئها بجثث الموتى، وبين الأحياء عدة أشخاص تبينوا طريقهم في الماء ورأوا منفذا إلى المدينة بالسباحة وكانوا موفقين.
وأما الموظفون المحليون فقد تسلط الفزع على مشاعرهم إلى درجة شملت كل عمل يرجى منهم، وأصبحوا لا يكادون يجدون وسيلة حتى للحصول على طعام وعلاج للمرضى، وقد خفف عن هؤلاء بعض آلامهم ما لاقوه من الإسعاف السريع الذي جاءهم على أيدي الأطباء الذين أتت بهم الباخرة (رتربيوشن) إحدى بوارج جلالة الملكة، والباخرة الفرنسية (مجادور)، وقد عاون ثلاثة من الأطباء الجراحين بالبوارج التركية هؤلاء الأطباء معاونة قلبية وعملية بغيرة تحمد.
أما بسالة الأتراك ودفاعهم إلى النهاية دفاعا يخلده لهم التاريخ فأمر ظهر كالشمس المشرقة، وأكبر شاهد على ذلك ما كان من علي بك قائد الفرقاطة (نافيك)
3
لما أحس بأن بارجته قاومت ما استطاعت إلى المقاومة سبيلا حتى نفدت كل قواها، ولم تقو على الوقوف أمام السفينة التي تناوئها العداء، وهي البارجة الروسية ذات الطبقات الثلاث، ولم ير هذا القائد الهمام في الاستمرار إلا العبودية والإذلال فأمر بنسفها، وليتأكد من نفاذ أمره ألقى بنفسه عودا مشتعلا من الثقاب في مخزن البارود وغاص هو ورجاله وسفينته إلى قاع اليم مؤثرا مجاورته له على وقوع فرقاطته في أيدي الأعداء.
وفي الجدول الآتي بيان لخسائر الأتراك من سفن وجنود وجرحى ... إلخ:
السفن
نافيك
Navick
1
كان بها 52 مدفعا و500 بحار، وقبطانها علي بك (قتل)، وكانت تحارب بارجة روسية ذات ثلاث طبقات، وقد نسفت.
نظيم
Nezim
كان بها 52 مدفعا و500 بحار، وقبطانها حسين بك (قتل)، وكانت تحارب بارجة روسية ذات طبقتين و80 مدفعا، وقد أتلفت.
فارسلي إيلات
Farsil Ilat *
كان بها 38 مدفعا و400 بحار، وقبطانها علي ماهر بك (قتل)، وكانت تحارب بارج روسية ذات طبقتين و80 مدفعا، وقد أتلفت.
جل سفيت
Gullu Sefit †
كان بها 24 مدفعا و200 بحار، وقبطانها سلس بك
Salis Bey (قتل)، وقد أتلفت.
عون الله
Aon Illah
كان مرفوعا عليها علم القائد العام وكان بها 36 مدفعا و400 بحار، وقائدها العام عثمان باشا (فقد إحدى ساقيه وأسر)، وكانت تحارب بارجة روسية ذات ثلاث طبقات و120 مدفعا، وقد أتلفت صواريها.
دمياط
Damietta
كان بها 56 مدفعا مصريا و500 بحار مصري، وقبطانها أحمد إبراهيم بك، وكانت تحارب بارجة روسية ذات ثلاث طبقات و120 مدفعا، وقد أتلفت صواريها ثم نسفت.
نجبي فشير
Nedgbi Feschir ‡
كان بها 24 مدفعا و200 بحار، وقبطانها حسين بك (أسر)، وهي على الشاطئ بدون صوار.
قائد
Kaid
كان بها 50 مدفعا و500 بحار، وقبطانها إلان بك
Elan Bey (نجا)، وكانت تحارب بارجة روسية كبيرة ذات ثلاث طبقات، وقد نسفت نفسها.
نظامية
Nezemiah
كان مرفوعا عليها علم وكيل القائد العام، وكان بها 60 مدفعا و600 بحار، وقائدها حسين باشا وكيل القائد العام، وقبطانها قايد بك (قتل)، وكانت تحارب بارجة روسية كبيرة ذات ثلاث طبقات، وقد نسفت نفسها.
فيضي مربوط
Faisi Marbout
كان بها 22 مدفعا و240 بحارا، وقبطانها عزت بك، وقد دمرت.
طايف
Taif
كان بها 16 مدفعا و300 بحار، وقوتها 300 حصان، وهي لم تحارب.
أركلي
Iregli
باخرة - كان بها 4 مدافع و150 بحارا وقوتها 150 حصانا، وقد دمرت.
مجموع المدافع العثمانية 434 مدفعا، والبحارة 4490 بحارا.
مجموع المدافع الروسية 632 مدفعا، وهذا عدا أربع بواخر وفرقاطتين لم تحارب.
ربما كان محرفا عن (فارسالة
Farsale ) وهو ميناء في تساليا.
محرف عن الكلمتين (كل سفيد) وكلتاهما فارسية ومعناهما (ورد البحر).
لعله محرف عن (نجم بشير).
ثقل القنبلة الروسية يتراوح بين 32 و42 و68 رطلا. واستعملت بضع قنابل من نوعين آخرين وقد أطلقت ولم تنفجر.
جندي
عدد الجرحى والأصحاء الذين نقلوا إلى الآستانة على ظهر البارجة (رتربيوشن)
Rertibution ، والبارجة (مجادور).
Mogador
200
الجنود الذين تركوا في سينوب للإشراف على المجروحين جراحا بليغة.
10
الجرحى الباقون في سينوب ولم يمكن نقلهم.
20
الأسرى بوجه التقريب.
150
الذين نجوا سابحين إلى الشاطئ بوجه التقريب.
1000
الذين نجوا في الباخرة (طائف).
300
جنود مفقودون
2810
مجموع الجنود
4490 (14) الحالة في مصر منذ بدء القتال
نشرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ 31 ديسمبر سنة 1853م كلمة لمكاتبيها الخصوصيين في مصر يصفون فيها الحالة منذ بدء القتال بين الدولة وروسيا، ويقولون: إن أحد الأهالي جاءه كتاب من ميدان القتال في جهات نهر الطولة بانتصار المصريين على الروس في تلك البقاع وعبورهم النهر المذكور ببسالة وإقدام، قالت:
أظهر باشا مصر منذ بدء القتال مع روسيا أعظم الإخلاص وأصدق العزم في تقديم المدد إلى الباب العالي صاحب السيادة، وقد كتب إلينا مكاتبونا الخصوصيون في مصر أن الحرب في جهات نهر الدانوب وفي الأصقاع الآسيوية هي الموضوع الذي يشغل الناس الآن في الإسكندرية والقاهرة عن كل حديث غيره، وقد احتشد في كلتا المدينتين قوات كبيرة من الجنود، ويسافر من وقت لآخر في أسطول الباشا فصائل من الجنود المصرية إلى ميدان القتال، وأجمع الرواة على أنهم رفعوا مكانتهم في أعين الجميع بإقدامهم وبسالتهم وشدة كفاحهم للروس.
وقد ورد على شخص في الإسكندرية كتاب من ميدان القتال في جهات نهر الطونة (الدانوب) يقول فيه كاتبه: إن أربعين من الجنود المصرية كانوا أول من عبر هذا النهر، وقد فعلوا ذلك سابحين والتقوا بحراس إحدى النقط الروسية وهزموهم وقتلوا منهم عشرة جنود، ثم اجتاز النهر بعدهم مائة وخمسون من الألبانيين في صندل، وهؤلاء أيضا قهروا جماعة من الروس، وأخيرا عبر الأتراك النهر بقواتهم.
الجنود المصرية والتركية وهم يعبرون نهر «الطونة» نقلا عن صورة زيتية وقد عبره أولا أربعون جنديا مصريا.
وفي مصر الآن ما لا يقل عن 15000 جندي ينتظرون البواخر التي تقلهم إلى منطقة الحرب، فإذا انضم هؤلاء إلى زملائهم المنضمين الآن إلى جيش السلطان وأسطوله بلغ عدد جنود الحملة المصرية كلها 40000 جندي.
وعلاوة على هذه القوة الكبيرة يوجد لدى عباس باشا في حاميات القطر المصري 40000 جندي آخرين، وفي الإسكندرية الآن وما يجاورها 27000 جندي، وقد كثرت الشكايات من الشدة المستعملة في التجنيد، ومن أفعال العنف الجائرة التي يلجئون إليها للحصول على جنود للحملة، وقد تطوع أخيرا للحملة العسكرية لنصرة السلطان 6000 من الذين خاضوا غمار حروب سابقة، ويتحدث أصحاب النشرات الصغيرة مفتخرين معجبين ببسالة إخوانهم المحاربين في جهات نهر الدانوب، ولا يذكرون الموسكو - كما يسمون الجنود الروسية - إلا مستهزئين ساخرين منهم أشد سخرية. ا.ه. (15) استعراض النجدة البرية الثانية بالإسكندرية وقيامها إلى الآستانة
وفي خلال خمسة أشهر تقريبا بعد إصدار الوالي أمره بجمع جنود البرية الثانية، ثم حشد جنود هذه النجدة وإعدادهم بوسائل الحرب والدفاع، وفي 18 مارس سنة 1854م استعرضت جنودها في مدينة الإسكندرية في منظر بهي جميل، ثم سافرت منها على متن السفينة إلى الآستانة.
وقد جاء نبأ استعراضها هذا في الجريدة الإنكليزية (أخبار لندن المصورة) - ذا اللستريد لندن نيوز
The Illustrated News
بعددها الصادر بتاريخ 8 إبريل سنة 1854م، تحت عنوان (العساكر في الإسكندرية)، وإليك ترجمة ما ورد في الجريدة المذكورة بهذا الصدد:
قالت:
أرسل إلينا مكاتبنا من الإسكندرية كلمة عن النجدة البرية المصرية لمساعدة الجيش التركي في حرب روسيا مفادها أن قوة عظيمة من الجنود تتراوح بين 17000 و20000 جندي تحشد الآن في مدينة الإسكندرية، وأن ثلثي هذا العدد سيسافر قريبا إلى ميدان القتال، وأنه استعرض منه 12000 جندي خارج أسوار المدينة في هذا الصباح - الثامن عشر من شهر مارس الماضي - وسار ثلث هذا العدد (4000 جندي) مخترقا الميدان الأكبر
4
قبل ظهور هذا اليوم في منظر جميل جدا، وكان اليوم صحوا جميلا، ولكن حدث أخيرا على خلاف العادة أن صار الجو في ساعات باردا قارسا والمطر يتساقط من السماء بغزارة. ا.ه.
مرور النجدة البرية المصرية الثانية بميدان محمد علي بإسكندرية يوم 18 مارس سنة 1854م لاستعراض جنودها قبل سفرها إلى الحرب نقلا عن الجريدة الإنكليزية المصورة «ذي اللستريتد لندن نيوز
THE Illustrated London News » بالعدد 24 الصادر بتاريخ 8 إبريل سنة 1854 ص 312 ويرى في الصورة بناء قنصلية هولندة فبناء قنصلية فرنسا فبناء قنصلية بلجيكا فمدخل شارع فرنسا فالساعة العمومية. (16) وصولها إلى الآستانة ومحاربتها لعصاة اليونان
وفي أوائل شهر إبريل من سنة 1854م وصلت هذه النجدة إلى الآستانة، وما هي إلا أن نزلت من السفن حتى أتاها الأمر بالركوب ثانيا والإقلاع إلى مرفأ (فولو)
Volo
في (تساليا)
Tessalie
لمقاومة غارة شنها متمردو اليونان على هذه الجهة، وفي أوائل مايو من هذه السنة باغتت طائفة من عصاة اليونان قسما من هذه النجدة عند زحفها على مدينة (يني شهر)
5
في مضيق (كالابوكا)
Kalaboka
وكبدته خسائر فادحة، وبعد ذلك بوقت استرد عبدي باشا رئيس القوات التركية والمصرية في هذه الجهة مدافعه ومضاربه وهزم العصاة شر هزيمة وكبدهم خسائر جسيمة.
وقد جاء في التقويم العثماني للوقائع سنة 1270ه (1854م) ما نصه:
يستفاد من الأخبار الواردة أنه بناء على هجوم الجنرال (جاوهلا) سر عسكر اليونان مع نحو 5000 من الأشقياء في يوم 6 شعبان سنة 1270ه (4 مايو سنة 1854م) على الموقع المسمى (شيا) الذي بجوار (نارده)، قد أرسل من طرف حضرة صاحب العطوفة فؤاد أفندي أربعة طوابير من العساكر النظامية الشاهانية، ومقدار من العساكر الموظفة الملوكية وبضعة مدافع، وشرع في الحرب والدفاع فهلك من أشقياء اليونان نحو 5000 وجرح منهم أيضا أكثر من 400، وفر الباقي منهم منهزما بعد أن تركوا في الميدان نحو ستين جريحا، وغنم منهم 84 صندوقا من البارود، و5 صناديق من الخراطيش الجاهزة، و8 رايات، ولله الحمد والمنة قد أنقذت جهات (نارده) من اعتداءات اليونان، ورفع أهاليها التشكرات اللازمة والدعوات المفروضة إلى الحضرة الشاهانية.
ومن آثار إقدام وهمة حضرة صاحب السعادة عبدي باشا أنه هو وسعادة زنيل باشا ناظر دربندات والعساكر الشاهانية الموجودة بمعيتها هجموا على أشقياء اليونان، الذين فروا منهزمين من (مجوه) وانسحبوا إلى (ديموكه) على أمل محاصرتها فشتتوا جمعياتهم بدون أن يمكنوهم من إطلاق بنادقهم، وأسروا معظمهم أحياء واستولوا أيضا على مدافع وبنادق وأشياء أخرى، ومن ثم لما علم زنيل باشا المومى إليه أن مترو، واستراطو، ورانقو زعماء أهل الفساد ينوون الإغارة من (أغرقة) إلى (يكيشهر فنار)، سير عساكر شاهانية عليهم فعجزوا عن المقاومة، وفروا إلى الجبال منهزمين، بعد أن هلك منهم وجرح كثيرون، وأنه لما علم حضرة صاحب السعادة سليم باشا المصري عند سيره مع العساكر الشاهانية الموجودة بمعيته إلى جهة (فادريجه) بأن القبودان فوفسبلبا دخل (دلش) مع فريق من الأشقياء، سار عليهم، وفي أثناء شروعه في الحرب والدفاع أخبره أشقياء اليونان بأنهم يرغبون في التسليم فكف عن الحرب، ولكن عند حلول الظلام فروا، ولما علم في اليوم التالي أن نحو 1500 نفر من اليونانيين تجمعوا في (فالبوبا)، سار عليهم بالعساكر المصرية ففروا من هناك أيضا إلى جهة (بوغليجية )، فتعقبهم وأظهر لهم الصولة في الحرب التي جرت معهم فهلك كثير من الأشقياء. ا.ه.
وقد استمر جنود النجدة الثانية مرابطين في تساليا إلى أن وضعت الحرب أوزارها. (17) اشتراك النجدة البرية الأولى في محاربة الروس
لقد سبق القول أن النجدة البرية وزعت جنودها بعد نزولهم إلى الآستانة، بين مدينة (سلستره)
Silistrie
و(بابا داغ)
Babadagh
الواقعتين على نهر الطونة، و(شملا)
Shoumla
الواقعة جنوب هذا النهر وهي مركز القيادة العامة للجيش العثماني.
وقد كان من نصيب القسم الأول من هذه النجدة الذي ذهب إلى (سلستره) أن قاتل عدد من جنوده بلوكين من الروس بالقرب من (تورتوكاي)
Tourtoukai
التي أمام مدينة (أولتنيتزا)
Oltenitza ، وانتصر على الروس، وكان ذلك في 23 أكتوبر سنة 1853م، وإليك ما جاء عن هذه المعركة في الجزء الأول من كتاب (الأتراك والروس) لمؤلفه دور فور ص50 (Les Turcs et les Russes, Par Durfor Tome, 1, p, 50) :
تقاتل عدد من الجنود المصرية مع بلوكين من الجنود الروسية بالقرب من تورتوكاي التي أمام أولتنيتزا؛ فكان الفوز حليف الجنود المصرية. ا.ه.
وفي 4 نوفمبر سنة 1853م دارت معركة عنيفة بين الروس والجنود الصرية في ناحية أولتنيتزا الآنفة الذكر، وقد أبدت الجنود المصرية فيها بسالة نادرة وشجاعة فائقة.
وفي 12 يناير سنة 1854م اشترك عدد من جنود هذا القسم أيضا في مقاتلة الجنود الروسية المرابطين على الأرصفة التي أمام مدينة سلستره، وحاربوهم بشجاعة وبسالة حتى ألجئوهم إلى الفرار إلى داخل البلاد، وقد جاء عن هذه المعركة في تقويم الوقائع العثماني سنة 1270ه (1854م) ما يأتي:
في صباح اليوم المذكور (12 يناير) حوالي الساعة الثانية عشرة قد صار أركاب مئة نفر من أهالي سلستره وعساكرها الطوبجية المحلية في القوارب الصغيرة المعبر عنها بأورانسه وإمرارهم إلى (البكيد) بمضيق (قرة لاش) بالجهة اليمنى منها، وأنزل مئة نفر أيضا إلى الأرصفة الواقعة بمضيق (بورجه) بالجهة اليسرى منها، وصار أركاب خمسين نفرا من بيادة الرديف، وخمسين نفرا من العساكر المصرية الشاهانية بمعية محمد أغا قول أغاسي الرديف الخاص، ومحمد أغا يوزباشي ياور الحرب، ومحمد سعيد أغا قول أغا العساكر الشاهانية في قاربين كبيرين وأربعة قوارب أورانسه، وإمرارهم إلى الأرصفة الواقعة أمام سلستره، وفي أثناء ذلك أطلق نحو ستة أو سبعة أنفار من السواري الأفلاقي من كل رصيف من الأرصفة النار من أسلحتهم فقوبلوا من هذا الجانب بالهجوم، فبادروا إلى الفرار في الحال بعد أن جرح منهم بضعة أنفار، وقد أطلق العساكر الشاهانية النار على جميع الأرصفة، وطافوا وتجولوا في الغابات من خمس إلى ست ساعات بالبسالة والشجاعة، ثم عادوا بدون أن يصاب أي واحد منهم بأقل ضرر؛ كما جاء ذلك في المحررات الواردة من كل من الفريق سليم فتحي باشا المصري، ومن سعادة الفريق خالد باشا قائد (روسجق)، ومن سعادة الفريق موسى باشا رئيس مجلس الطوبخانة العامرة الموجودة بسلستره، وأرسلت بكتاب خاص إلى دار السعادة. ا.ه.
وكان من نصيب قسمها الثاني الذي ذهب إلى (بابا داغ) أن قاتل جيش الروس في 23 مارس سنة 1854م أمام هذه المدينة، وقد روى مؤلف كتاب (تاريخ حرب روسيا وتركيا ص 179)
History of the War in Russia & Turkey P, 179 ، أن الجنود المصرية كان لها القدح المعلى بين صفوف الجيش التركي.
أما القسم الثالث من هذه النجدة الذي ذهب إلى (شملا) فقد أرسل منه 800 جندي من الطوبجية إلى (طرابزون) الواقعة على البحر الأسود لحماية هذه المدينة من اعتداء الروس عليها، وكان إرسال هؤلاء الجنود إلى المدينة المذكورة في 13 يناير سنة 1854م، وقد ذكرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) في عددها الصادر بتاريخ 5 مارس سنة 1854م نبأ إرسالهم إلى تلك الناحية، فقالت: وردت إخبارية من سينوب بأن 800 جندي من الطوبجية المصرية أرسلوا في 13 يناير من هذه السنة إلى طرابزون.
وفي شهر مارس من هذه السنة أيضا أرسل فريق من جنود هذا القسم إلى مدينة (راسجراد) لدرء تهديدات الروس، وقد رابطوا بهذه المدينة حتى زال الخطر عنها، وإليك ما ذكرته جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) بهذا الصدد في عددها الصادر بتاريخ 29 إبريل سنة 1854م، قالت:
نظرا لتهديد الروس لمدينة (راسجراد) قد أرسلت القوة التي في (شملا) إلى تلك المدينة، وبعد زوال الخطر عادت إلى (شملا)، وقد تقابل مكاتبنا في الطريق مع 8000 جندي مصري تحت قيادة سليمان باشا. ا.ه.
وبعد زوال الخطر عن مدينة (راسجراد) عادت جنود هذه القوة إلى (شملا) حيث استعرضهم سردار الجيش التركي إكرام عمر باشا في 11 إبريل من هذه السنة، وقد كان منظرهم ينم عن استعداد حربي كامل وبأس شديد، وهاك ترجمة ما ورد بهذا الصدد في جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ 6 مايو سنة 1854م:
في يوم 8 إبريل عادت القوة جميعها بمدافعها إلى (شملا) وكان أكثر جنودها مصريين، وكانوا سائرين يحملون أسلحتهم بنظام تام، وكان أكثرهم ذا منظر حسن ظاهرة عليه الشجاعة العسكرية، وفي 11 إبريل استعرض عمر باشا القوة جميعها، وقد كانت الطوبجية المصرية أحسن الجميع. ا.ه.
استعراض السردار أركام عمر باشا التركي لجنود القسم الثالث من النجدة البرية المصرية الأولى بعد رجوعهم إلى «شملا» نقلا عن جريدة «ذي اللستريتد لندن نيوز» بالعدد 24 الصادر بتاريخ 13 مايو سنة 1854 ص 432 وهذا القسم هو 4 جي لواء المؤلف من 13 جي و14 جي ألاي بيادة بقيادة سليمان باشا الأرنؤوطي، والسردار أول الممتطين جيادهم في الصورة.
وفي 25 جمادى الآخرة سنة 1270ه (25 مارس سنة 1854م) أمر عباس باشا كتخدا بإعطاء الأمر إلى ديوان عموم الجهادية بإرسال 55624 ثوبا من الملابس إلى الآستانة برسم جنود الآلايات المصرية الموزعة على تلك الجهات، وإخطار سليم فتحي باشا بذلك، وبناء على هذا الأمر أرسل الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية بتاريخ 27 جمادى الآخرة من السنة المذكورة (2 مارس سنة 1854م) الإفادة الآتية؛ وها هي:
إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم 154 بتاريخ 27 جمادى الآخرة سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2691
ردا على الإفادة المؤرخة 19 جمادى الآخرة سنة 1270ه (19 مارس سنة 1854م) رقم 74 نعلمكم بأنه كتب في تاريخه إلى أدهم باشا مدير الأمور الخارجية بإرسال ال 55624 قطعة من الملابس اللازمة لأفراد الآلايات المصرية بالآستانة إلى الجهات التي بها تلك الآلايات، فحرروا أنتم أيضا إلى سليم باشا باشبوغ العساكر السالف ذكرها وأخبروه بذلك، وقد حرر هذا للمعلومية. ا.ه. (18) تبرعات مصر للدولة في هذه الحرب
لما قامت الحرب بين الدولة وروسيا تبرع الوالي عباس باشا الأول ب 8000 كيس (40000 جنيه مصري) لمساعدة الدولة في هذه الحرب ونفقاتها، وتبرع نجله إلهامي باشا ب 2000 كيس (10000 جنيه مصري)، وقدم سعادة حسن باشا المنسترلي إلى خزانة الدولة 7000 كيس (35000 جنيه مصري) تبرع بها الموظفون في مصر لهذا الغرض أيضا، وإليك ما جاء عن هذه التبرعات في تقويم الوقائع العثماني سنة 1270ه (1854م):
قد تبرع حضرة صاحب الفخامة عباس باشا والي مصر المشار إليه بمبلغ (8000) كيس نقدية محسوبا على مطلوبه من خزينة المالية الجليلة، وتبرع حضرة صاحب الدولة إلهامي باشا المشار إليه أيضا بمبلغ (2000) كيس نقدية إعانة للنفقات الحربية.
وقدم حضرة صاحب السعادة حسن باشا
6
الذي حضر لدار السعادة هذه المرة إلى خزينة المالية الجليلة مبلغ (7000) كيس نقدية تبرع بها الموظفون وسائر عبيد الحضرة الشاهانية الموجودون بمصر، والتمس قبوله بكتاب محرر منه وصدرت الإرادة الشاهانية بالموافقة. ا.ه. (19) إعلان فرنسا وإنجلترا الحرب على روسيا
وفي 27 مارس سنة 1854 أعلنت فرنسا وإنجلترا الحرب على روسيا وانضمامهما إلى تركيا، وكانت هاتان الدولتان قد تداولتا البحث في هذه الحرب قبل ذلك بوقت وأعدتا لهما جيوشهما، ولدى إبحار المارشال سان أرنو
Saint Arnaud
رئيس قواد الحملة الفرنسية مع جيشه أصدر الأمر العام الآتي وفيه وجه الثناء إلى الجيوش المصرية:
أيها الجنود
إنكم ستسافرون بعد بضعة أيام إلى الشرق للدفاع عن قضية الحلفاء الذين هوجموا ظلما وعدوانا، وتواجهون تحدي القيصر وتحرشه بأمم الغرب.
وإنكم ستقاتلون مع الإنجليز والترك والمصريين جنبا إلى جنب، وغير خاف ما يجب عليكم نحو رفاكم في السلاح من الاتحاد والمودة في عيشة المعسكرات، والتفاني في العمل باخلاص تجاه القضية المشتركة:
لقد كانت فرنسا وإنجلترا فيما سلف خصيمتين، أما اليوم فهما صديقتان وحليفتان وقد عرفت كلتاهما منزلة الأخرى في حومة الوغى، وهما معا سيدتا البحار، وستمير الأساطيل جيوشهما بينما ينزل القحط والجوع بمعسكر العدو.
ولقد عرف الأتراك والمصريون كيف يقاومون الروس في الحرب من وقت ما دارت رحاها وهزموهم منفردين في عدة مواقع، وإذن فما الذي لا يستطيعون عمله وأنتم في عونهم:
أيها الجنود:
إن نسور الإمبراطورية عادت للطيران لا لتهدد أوروبا بل لتدافع عنها، فاحملوا أعباء هذه الحرب مرة أخرى كما حملها آباؤكم من قبل، وكرروا جميعا قبل أن تغدروا أرض فرنسا النداء الذي أكسبهم انتصارات في مواطن جمة، وذلك النداء هو (يعيش الإمبراطور).
مارشال فرنسا
رئيس قيادة جيش الشرق
الامضاء (أ. دي سان أرنو) (20) انضمام النجدة المصرية إلى أساطيل فرنسا وإنجلترا وتركيا
أصدر الباب العالي أمره إلى الأسطول العثماني بالمسير مع سفن الأسطول المصري إلى البحر الأسود، وانضمامهما إلى أساطيل دولتي فرنسا وإنجلترا التي هناك استعدادا للحرب، وقد جاء عن نبأ هذا الانضمام في التقويم العثماني سنة 1270ه (1854م) ما نصه:
لأجل العمل بالاتحاد مع أساطيل الدولتين المتفقتين المشار إليهما - أي فرنسا وإنجلترا - الموجودة بالبحر الأسود، قد أرسل الأسطول الهمايوني الذي جهز وأعد في ظل الحضرة الشاهانية مع سفن الرقة المصرية الهمايونية إلى جهة البحر الأسود في يوم السبت 9 شعبان سنة 1270ه (7 مايو سنة 1854م) تحت قيادة حضرة صاحب السعادة الفريق البحري أحمد باشا ورفاقه حضرة صاحب السعادة حسن باشا قائد الفرقة المصرية؛ بناء على الفرمان الصادر من لدن الحضرة الشاهانية. ا.ه. (21) حصار سلستره واحتدام الحرب حولها
من مايو سنة 1854م بدأ يندلع لسان الحرب فتقدم المارشال باسكيفتش إلى جبال سلستره القائمة على نهر الدانوب ومعه 40 ألف جندي، وحاصر حصن طابية العرب وأنذره بالتسليم، وكان بهذا الحصن حاشية مؤلفة من 18 ألف جندي بين أتراك ومصريين، فأجابه الجنرال التركي موسى باشا قائد ذلك الحصن قائلا: لقد تلقيت أنت أمرا بالاستيلاء على الحصن مهما لاقيت في سبيل ذلك، وأنا لدي تعليمات تقضي بأن أدافع عنه مهما كلفني ذلك.
وشرع الروس تلقاء هذا الإباء في إشعال نار الحرب، وفي 20 مايو سنة 1854م شن الروس ثلاث غارات على الحصون الثلاثة المنفصلة التي في مدينة سلستره؛ وهي (طابية أيلاني) و(طابية أردو) و(طابية العرب)، وهذا الحصن الأخير كانت ترابط فيه جنود مصرية، وكانوا يعلقون أهمية كبرى على فتحه لمنعة موقعه، وكان شكله أشبه شيء بمتراس؛ أي: تل مكون من التراب، وهذه الحصون واقعة على مسافة 2000 متر أمام سلستره، وسلط الروس على الحصن الأخير مقذوفات 12 بطارية مكونة من 72 مدفعا تضربه باستمرار، ثم هاجموه، ولكنهم فشلوا، وشنوا عليه الغارة مرة أخرى في الغد؛ أي: في 21 منه إلا أنهم دحروا أيضا في كل موضع، وبعد ذلك خرج لهم القائد موسى باشا من وراء هذا الحصن على رأس حاميته خروجا تكلل بالظفر والنجاح.
الجنود المصرية وهي تدافع عن سلستره ببسالة فائقة أثناء محاصرة الروس لها نقلا عن صورة زيتية، ويرى في أعلى الصورة حصن «طابية العرب» يخفق عليه العلم المصري.
وفي 28 منه قام الروس بمحاولة جديدة أدهشت حامية الحصن برهة وتوصلوا بها إلى اجتياز الخندق، وأخذوا يتسلقون ساتر الحصن غير أن الحامية التي كانت مؤلفة من أربع أورط مصرية و500 أرنئودي بقيادة حسين بك أمير الألاي 10 جي بيادة المصري سبقت الأعداء إليه، وقبل أن يتمكنوا من الاستقرار ألقتهم في أسفل الخندق، وذهب تحريض قسوسهم والحماس الديني الذي كانت تغلي مراجله في صدورهم في ذلك اليوم الذي كان يوم أحد هباء منثورا؛ إذ اندحروا في المرتين اللتين كرروا فيهما هذه المحاولة وتدهوروا في الخندق.
وجاء في الجريدة الإنكليزية (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ 24 يونيه سنة 1854م تحت عنوان (الحرب - حصار سلستره - تقهقر الروس) ما معربه:
كتبت صحيفة (جورنال ده كسنتانتينوبل) فصلا هاما عن الهجوم الذي قام به الروس في ليلة 29 من الشهر الماضي (مايو) على التحصينات الأمامية التي في الجنوب الغربي من سلستره، فقد تألفت ثلاث فرق منهم للقيام بأعمال النسف والهدم يبلغ عدد جنود كل فرقة نحو 10000 جندي، وتألفت كذلك أورطة من المهندسين الحربيين معها أدوات ردم خنادق الطوابي وسلالم التسلق فوق جدرانها.
وقبل أن يبدأ الروس بالهجوم خطب الأمير باسكيفتش في صفوفهم وحثهم جميعا على أن يبذلوا غاية جهدهم في مهاجمة الحصون واستيلائهم عليها، وأوعدهم إذا فشلوا في هذه المهمة بأنه سيمنع عنهم تعييناتهم، وبعد أن بث فيهم هذا الروح من التحريض والإقدام سارت فرقتان من الفرق الثلاث المذكورة نحو طابية العرب وطابية أيلانلي، أما الفرقة الثالثة فكانت تعمل ما تعمله الفرق الاحتياطية، وبعد أن أطلق الروس نيران مدافعهم الهائلة تقدموا لمهاجمة الحصون، ولكن سرعان ما قابلتهم الجنود المصرية من داخلها بوابل من نيران بنادقهم الحامية محكم التصويب إلى الهدف، فظل الروس في أماكنهم ولم يتقدموا إلا تقدما قليلا لا يذكر.
والحق يقال: إن المعاقل التي كانت بها الجنود المصرية صبت على الروس نارا من القنابل والرصاص حامية السعير حتى لو كان الروس في ذلك الوقت من حديد لاستحال عليهم أن يقفوا أمام هذه النيران القوية المتواصلة، ولذا لم يجدوا بدا من التقهقر والرجوع.
وسرعان ما جمع القائد الروسي شتاتهم رغم تواصل إطلاق النيران، وعاد بصفوفهم إلى الهجوم والقتال بشدة فائقة حتى وصلت فرق الروس إلى القلاع، وحاولوا الدخول إليها من فتحاتها المعدة لأفواه المدافع.
ولما تمكنوا من تسلقهم متراس إحدى البطاريات وقعت بينهم وبين الجنود المصرية معركة منتظمة، تغلب فيها المصريون على الروس بفوز باهر ونصر عجيب ودهروهم بأطراف بنادقهم في الخندق ففقدوا شجاعتهم بلا مراء، ثم عادوا إلى الهجوم ولكنهم كانوا في هذه المرة مجبرين من ضباطهم على ذلك فلم يكن لديهم بالمعنى الحرفي أي اقتدار على القتال؛ فتقهقروا وحملوا معهم من قتلاهم وجرحاهم بقدر ما استطاعوا، وبعد تقهقرهم التقط المصريون من ساحة القتال 1500 جثة من قتلى الروس، وعددا كبيرا من بنادقهم وسيوفهم وطبولهم وآلات موسيقاهم وعلم أورطة من أورطهم.
وقد أبدى حسين بك المصري أمير الألاي 10 جي بيادة وقائد الحصنين السابقين في هذه الموقعة أعظم شجاعة، كما أبدى مثل ذلك اثنان من الإنكليز وآخر من روسيا، وكانت خسارة المصريين فيها 50 من القتلى وما يقارب هذا العدد من الجرحى.
وفقد القائد الروسي شلدرز
Schilders
في هذه الموقعة ساقه، وحالته الآن في خطر لا سيما أنه طاعن في السن وعصبي المزاج، وأصيب الأمير جورتشاكوف
بجرح بليغ، كما أصيب القائد لودرز
Luders
بجرح آخر ويقال: إن صحته آخذة في التحسن، أما الكونت أورلوف
Count Orlof
وإن كان يدب فيه الروح فلا أمل في شفائه. ا.ه.
وجاء في الجريدة الإنكليزية (ذا اللستريد لندن نيوز) عن هذه الوقائع بعددها الصادر بتاريخ 8 يوليه سنة 1854 ما معربه:
كان الهدوء شاملا في الميدان الروسي مدة يومين استعدادا بلا شك للهجوم الأكبر يوم 28 مايو، وقد وصف اليوزباشي ناسميث
Nasmyth
هذا الهجوم كما يأتي:
استيقظت يوم 28 مايو نحو الساعة الثالثة صباحا على صوت إطلاق المدافع الشديد المزعج الذي استمر اليوم كله، وقد انعقد مجلس حربي آخر للبحث في موضوع خروج عساكر الحامية للهجوم على بطاريات العدو، ولكن انفرط عقد هذا المجلس دون أن يقرر شيئا البتة في هذه المسألة؛ لأن موسى باشا كان مترددا ولم يستطع أن يبت الرأي ويعتزم على المخاطرة بخسارة الرجال التي قد تنتج عن هذا الهجوم، وقد قطع الروس قناة في بدء الحصار، وكانت تعد جزءا من المدينة بالماء، ولكنهم تركوها تجري ثانية، وعند منتصف الليل تقريبا قمت من نومي على صوت إطلاق البنادق من طابية العرب، ولما بلغت الحاجز الذي عند باب إستانبول وجدت أن هجوما ليليا ثانيا كان سائرا على قدم وساق، وكان أشد خطورة من سابقه.
وكان الهجوم الأول على الجبهة اليسرى، وقد نفذ العدو فعلا إلى داخل الاستحكام قبل أن يراهم أحد، أما الضابط الروسي الذي قاد هذا الهجوم وقتل ملازما من الطوبجية فقد لقي مصرعه في الحال بضربة من قضيب أصابته في المخ، ثم احتدمت نار القتال احتداما شديدا، وانتهت برد العدو ودفعه إلى النزول في الخندق، وتحمله خسارة كبيرة بفعل الرصاص والكور المفرقعة التي مزقتهم تمزيقا، وبعد ذلك رتبوا صفوفهم وحاولوا الهجوم على نفس المكان بقيادة باهرة على أصوات الطبول، ولكنهم دحروا وارتدوا، وقد قتل منهم كثيرون، وبعد ربع ساعة قاموا بهجوم ثالث وكان في هذه المرة على الجبهة اليسرى والجبهة الأمامية في آن واحد، ولكنهم قوبلوا بنفس المقاومة الشديدة التي عهدوها من قبل، وبعد معركة دموية ارتد الروس نهائيا وتبعهم الألبانيون الى داخل بطارياتهم، وكانت القوة التي في طابية العرب في ذلك الوقت مؤلفة من أربع أورط من المصريين وخمسمائة من الجنود الألبانيين بقيادة حسين بك، وأقل تقدير للقوة التي هاجم بها العدو هو تسع أورط، وإذا حكمنا حسب العدد الذي وجد من الموتى في داخل الحصن وحوله أمكن تقدير قوته بأكثر من ذلك كثيرا، وقد استمر القتال من منتصف الليل إلى ما بعد طلوع النهار، وهو من الحوادث الممتازة التي حدثت أثناء الحصار كله، وقد بلغ عدد القتلى 68 والجرحى 121، وكثير من الضباط بين الأولين، ويمكن أن تقدر خسارة العدو بألفي قتيل وجريح، وإن كان الذين قد نقلوا جثث الموتى صرحوا بأن عدد القتلى وحدهم كان يزيد عن هذا التقدير، وعلى هذا إذا حسبنا عدد الجرحى بأقل ما يمكن فإن خسائرهم تزيد عن 6000 نفس. ا.ه.
وقد ذكر الضابط الإنكليزي ناسميث المذكور وصف هذه الوقائع بإيجاز في كتابه (تاريخ حرب روسيا وتركيا ص197)
History of the war in Russia & Turkey P, 197.
وفي ليلة 30 مايو خرج القائد موسى باشا عقب ما تلقى الإمدادات من السردار إكرام عمر باشا في شملا، وهاجم جناح الروس الأيمن، وكان وقتئذ مؤلفا من ثماني فرق مجتمعة أمام سلستره تحت إمرة المارشال باسيكفتش، وخال الجنرال الروسي سلفان قائد الفرقة الثامنة أن هذا الخروج أدى إلى إخلاء طابية العرب؛ فأسرع هو نفسه مصحوبا بثلاث أورط بيادة ليحمل عليها ويأخذها عنوة، وذلك بعد أن أمر الجنرال بوبوف
أن يلحق به مصحوبا بأربع أورط أخرى لمعاونته.
وفي هذه المرة اجتاز أيضا الروس الخندق، وبدأت تتكرر مرة أخرى حوادث 28 منه، وجرح الجنرال أورلوف
Orlof
ياور الإمبراطور نقولا لدى تسلقه الجزء المنحدر من الساتر، وكان يتقدم صفوف المهاجمين، ولم تمنع وعورة هذا الحصن هجمات الجيوش الروسية، فتقدم عدد من الضباط والجنود وتسلقوا ساتر الحصن ودخلوا الحصن نفسه من الفتحات المعدة للمدافع، فحملت عليهم الحامية وكانت لم تزل مصرية، وقاتلتهم جسما لجسم حتى طردتهم وأخرجتهم من نفس تلك الفتحات التي كان يتوهم الروس من برهة أنها باب نصرتهم.
وبعد أن قاتل الروس قتال المستيئس زهاء أربع ساعات أكرهوا على الانسحاب، وخرج المصريون خلفهم وتعقبوهم وضايقوهم كثيرا، وحملوهم خسائر فادحة، وجرح الجنرال سلفان
Selvane
جرحا مميتا وهو مدبر، فجمع وكيله الجنرال فاسيلتزكي
Vassilitzki
الروس وقادهم إلى خنادقهم، أما الجنرال بوبوف فلم يحل بطائل أيضا ووتراجع بلا انتظام مع فرقته، وبالاختصار نجح المصريون نجاحا تاما، وكانت خسارتهم طفيفة بالقياس إلى خسائر العدو.
وفي 2 يونيو سنة 1854م أمر المارشال باسكيفتش وكان لديه وتحت إمرته 100 ألف جندي بالقيام بهجوم عام على الحصن، واشتركت في هذا الهجوم عمارة الدانوب الروسية فكانت ترمي المدينة بقنابلها من جهة، والمدفعية البرية تقذف مقذوفاتها من ناحية أخرى على الحصن من خنادقها، ووجه الروس هجومهم الرئيسي إلى حصن (طابية العرب) وكانوا قد لغموا بطاريته التي في المقدمة، والمصريون فتحوا ضد ذلك لغما فانفجر هذا تحت أقدام الروس فأخل نظامهم وبث في قلوبهم الهلع والرعب.
وعندما شهدت حامية سلستره هذا الحادث انتهزته وخرجت وحملت على الروس ودحرتهم، ولكن كان هذا اليوم لسوء الحظ ونكد الطالع يوم حزن لدى الجيش المنصور؛ لأن ذلك البطل الشجاع موسى باشا قائد سلستره قتل في معمعان هذه الواقعة.
وفي 5 و7 يونيو أعاد الروس للمرة العشرين هجومهم فلم ينالوا سوى الاندحار والفشل، ومارشالهم الطائر الصيت باسكيفتش
أصيب بمرض اضطره إلى الابتعاد عن ميدان الحرب، وأصيب البرنس جورتشاكوف
بجرح كبير.
وفي 13 يونيو كر الروس مرة أخرى بشدة كبيرة جدا، وبذلوا آخر مجهود عندهم فبترت فخذ جنرالهم شلدرز
Schilders
ومات متأثرا من العملية الجراحية التي أجريت له.
ونتج من انفجار أحد الألغام أن طار ساتر طابية العرب فوثب فيها الروس متساندين كأنهم رجل واحد، غير أن الترك والمصريين ألقوا بأنفسهم في الثغرة وكونوا من أجسادهم متراسا جديدا، بينما كان قسم آخر من المصريين يصوب إلى صفوف الروس بنادقه ويبيدهم ويمنعهم من الدنو وهو متوار في كمين.
ولم تكف الحصون المنعزلة عن السهل وعن مرتفعات المدينة أيضا عن المجاوبة على نيران العدو؛ فتسرب اليأس والقنوط إلى قلب المارشال باسكيفتش، ورأى أنه من العبث الاستمرار في بذل تلك المحاولات بلا جدوى، فاضطر الروس أن ينسحبوا نهائيا مرغمين قانطين قنوطا لا مزيد عليه من الاستيلاء على سلستره.
وفي 28 يونيو رفع المارشال الحصار ووجه جميع جيشه إلى بسارابيا، وانضم إليه فيها الجنرالية الروس إجابة للأمر الصادر من الإمبراطور نقولا.
وجاء في الجريدة الإنكليزية المصورة (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ 29 يوليه سنة 1854م عن حصار سلستره نقلا عن مكاتبها الخاص في (شملا) ما ترجمته:
شملا في 4 يوليه سنة 1854
في الخامس والعشرين من شهر يونيه الماضي انتهى رمضان المكرم شهر الصوم، وكانت ليلة قائمة تلبد جوها بالغيوم التي حجبت الهلال الصغير ونوره الضئيل، ولكن حضر ثلاثة من الريف اشتهروا بالنزاهة والصدق وشهدوا أنهم رأوا المولود الدري الجديد في فرجة بين السحب، وعندئذ ابتدأ عيد الفطر بجميع مظاهره المألوفة ارتكانا إلى التأكيدات المذاعة بأن الأحوال العادية لم يطرأ عليها أي تغيير، وتردد في جود تلك الليلة صدى هتاف المؤمنين الفرحين ودوي المسدسات والبنادق والمدافع والمفرقعات، وقبل هذه الليلة السعيدة بثلاثة أيام احترف أهل شملا صناعة المفرقعات لعيد الفطر، فترك البقال بضاعته ونبذ السروجي وصانع الأحذية المخرز والجلود وفارق الحوذي خيله وعربته المتقلقلة، وشعر الشعب الظفر فعزم عزما صادقا على الاحتفال بنهاية شهر الصوم، ولم يصمه صوما حقا على ما أعتقد مما شاهدت أكثر من شخص واحد في كل عشرة، ولكن بينما كان الشعب على هذه الحال من الاشتغال بمعدات عيد الفطر كانت عقول جميع المتصلين بقيادة الحرب مثقلة بالمتاعب الهامة، فقد طال حصار الروس لسلستره أكثر من أربعين يوما، وخشي أن سقوط سلستره صار أمرا محتما؛ لأن العدو كان كثير العدد، والحامية كانت في أشد الضيق فأنفقت العزائم على إفراغ الجهد أثناء أفراح الشعب لإنقاذ القلعة المحصورة، وصدرت بضعة أوامر منها أن تسير القوات التركية، وأن تتحرك قوات الحلفاء، وتمت الاستعدادات في صمت، وإذا برسول جاء وأخبر بأن الروس ارتدوا وانسحب جيشهم وهجر مواقعه وعبر نهر الدانوب، وعادت سلستره حرة كما كانت من قبل، فكانت مضاعفة الأفراح من مميزات هذا العيد، وطبق الآفاق أصوات المفرقعات والمسدسات والبنادق والمدافع؛ ابتهاجا بالنصر المزدوج بانتصار الإسلام والخلاص من تسلط العدو على بلاد المسلمين.
وفي الصباح الباكر من السادس والعشرين ابتدأت سفري إلى سلستره قاصدا زيارة المواقع التي برحها الذين كانوا فيها بالأمس من القادة المشهورين، ورافقني في هذا السفر سيدان شديدا الرغبة مثلي، يتوقان كما أتوق إلى البحث عن معرفة الأسباب التي دعت عدوا في مثل هذه القوة العظيمة أن يعدل بدون أي سبب ظاهر عن خطته بعد أن سار في سبيل تنفيذها شوطا بعيدا، وجاهر بعزمه على المثابرة فيها حتى يحققها، وقد تدافعت مظاهر الحياة في الطريق إلى سلستره فسبقتنا فيه عساكر حملة شملا وهم يسيرون بروح مرحة وخطوات مرنة.
وأول ما رأينا فيه كان بعض الأورط المصرية والتركية متزاحمين في الطرق المرتفعة فوق الآكام أو هابطين إلى بطون الوديان التي يتلو بعضها بعضا بسرعة في ظاهر المدينة.
ومما جعل حركات المصريين والأتراك أكثر وضوحا خلو المكان من الأشجار والنجوم، وكان منظر المصريين والأتراك بوجوههم النضرة الممتلئة القوية يناقض أشد المناقضة منظر فلول العائدين الآخرين من ميدان القتال بعيونهم الغائرة، وعظام وجوههم البارزة، وجلودهم التي لا تخفي شيئا من أجزاء هيكلهم العظمي، فقد أنهكهم الجوع وأضناهم تعب الجسم وتعب النفس وهم ينقلون خطواتهم ببطء وعناء يبتغون مكانا يجدون فيه الطعام والنوم خلافا لما كان عليه الحال في سلستره، وقد سطعت أشعة الشمس على خطوط من العجلات لا نهاية لطولها، وتستخدم الجواميس والثيران لجرها، وارتفع في الجو صرير بكراتها؛ لأنها لم تدهن بالزيت، ثم بلغنا قرية كلادير
Kalayadere
ولا يزال فيها آثار مرور العساكر بها أو إقامتهم فيها، ومن هنا ابتدأنا ندخل أصقاعا أحفل بالغابات وأجمل مناظر، ووصلنا إلى المعسكر الكبير المعروف باسم جيجرلي
Giugerli .
وكان الرأي السائد وقت دخول الروس ببلغاريا وأثناء حصار سلستره أنه من الضروري أن ترسل قوة عظيمة من الجيش تعسكر أمام شملا، فوقع الاختيار على جيجرلي؛ لأن موقعها أمين ويسهل الدفاع عنه، ومن أجل ذلك أقيمت الاستحكامات في جوانب مدرج من الربى وجد الماء عند قاعدته بما يكفي حاجة الجيش، والماء هو الطلب الأعظم في جميع الجهات الواقعة إلى جنوب وإلى شرق سلستره، وهكذا حدث أن عسكر عدد عظيم من العساكر في أجمل الآكام مناظر، وأني رغم الانتقادات التي سمعتها على انتخاب هذا الموقع أرى أنه لم تكتشف بقعة أكمل من هذه من حيث بهجة مناظرها الطبيعية لا من حيث مزاياها الحربية.
وقد أطلقنا ونحن نجتاز جيجرلي الواقعة في أسفل سفح المدرج لخيولنا العنان وسرنا بسرعة فائقة، وكان على مقربة من الطريق ثلاث فسقيات أو نافورات وبرك متباعدة كان السائقون يدفعون جواميسهم للنزول فيها، ويبردون ظهورهم بالطين، أما القرية نفسها فلا ساكن فيها وجميع منازلها خالية، وكنا نقابل العساكر في جهات متفرقة يحملون أغصان الكرز من بساتينه الواسعة، ويأكلون الثمر أثناء سيرهم، ثم وصلنا مرتقى عسيرا زحفت فيه عجلات الأتراك المثقلة بأحمال المؤن زحفا بمجهود اليم، وبعد أن ارتقيناه أخذ عراء الطريق يتناقص إلى أن حجبت الأجمة كل شيء، وأحاطت بالطريق وأقامت فوقه سقفا من الغصون المشتبكة، وقد أضافت أشباح العساكر المتحركة ألوانا جديدة غير مألوفة إلى الأخضر الداكن الذي يكسو أشجار البلوط الضخمة التي في الطريق، وأحيانا كان يتلو هذه الأجمة بأشجارها الكثيفة فرجة العراء والمسالك الواضحة وقد زرع فيها القمح والشعير، ونما زرعهما نموا غزيرا.
ولما وصلنا إلى كرابشل
Karabashle
لحقتنا مؤخرة قوة مؤلفة من عساكر الطوبجية ومن السواري والبيادة، وكانوا يسيرون بخطوات سريعة ومنتظمة، وصحب القوة عدد وافر من العجلات تحمل الماء، وقد جرت العساكر إليها وأحيانا قصدوها زرافات وازدحموا حولها وتدافعوا بالمناكب لبل شفاههم الجافة من السير في الحر الذي ارتفعت درجته إلى التسعين، وقد خلت كرابشل وشبولار
Chupolar
من السكان، أما هذه الأشباح النسوية الغريبة التي كانت تتراءى لنا في نواح مختلفة متوارية عن الأنظار؛ فهي أشباح نساء من العجائز أو من اللائي أقعدهن المرض فلم يستطعن الفرار من العدو وتقدمه الموهوم، ويمكن أن تقدر صعوبة انتقال الجيش من مكان إلى آخر في بلاد كهذه إذا أدركنا أنه علاوة على ما كان يسببه فرار الأهلين؛ فإن المرء كان لا يجد طحينا ولا قمحا ولا شعيرا ولا لحما ولا طعاما، وفي الحقيقة كان لا يجد شيئا من الغذاء للإنسان أو الخيل فاضطرت العساكر أن تحمل معها كل ما تحتاج إليه.
وبعد خمس ساعات لاح في الأفق قرية رامانا شيكار
Ramana-Chikler
وعزمنا على المبيت فيها ليلة، ومنظرها يفتن العقول ويأخذ بمجامع القلوب، ومنازلهما مبعثرة فوق منحدرات تكسوها الحشائش الخضراء، وتغطيها أشجار البلوط المعمرة التي عاقتها فئوس الحاطبين عن النمو فجعلت شكلها من أغرب المناظر، وحيثما وجدنا سكانا ألفيناهم لا يزالون تحت تأثير الخوف الشديد فلم يفتحوا أبوابهم لنا، والبيوت التي هجرها ساكنوها استولت جماعات العساكر على كل شيء فيها، أما نحن فمعنا مآكلنا وكذلك أغطيتنا، ولم يبق إلا أن نبحث في أي ناحية من القرية نأوي، وقد وجدنا بقعة ظليلة بالقرب من المسجد حيث ذهبت جذور أشجار الجوز الضخمة في الأرض، ونازعت البقاء أحجارا تدل على أن تحتها قبرا تركيا، وأحضرنا معنا أيضا نبيذا، ولكن الماء أهملناه إهمالا لا يغفر فاضطررنا أن نستعمل ماء البركة، وقد ملأ العساكر منه بواطيهم إلا أن الجواميس استحمت ومرحت فيه فصار له طعم غريب.
وقد يسر المرء بعد أن يسير في أستراليا خمسين ميلا أن يشرب ماء مستمدا من أحد تلك الثقوب النادرة التي وصفها ليخارت
Leichhardt
المسكين، أما أن يجد الإنسان هنا في أوروبا قرية بلا بئر تعتمد في حاجتها إلى الماء على القضاء والقدر بتلك الروح الجبرية التي اشتهر بها المسلمون فذلك أمر لم أكن مستعدا له، وبسبب ذلك شربنا هذه المرة من النبيذ أكثر مما شربنا من الماء، وبعد الفراغ من الطعام شغلتني مسألة النوم فهيأت فراشي على الأرض: قطعة من المشمع تحتي وبطانية فوقي، ولكن أحد رفقائي وهو سيد من مدينة نانتس
Nantes
حن إلى النوم في أي مكان إلا على الأرض؛ ولذلك ارتسمت على وجهه شواهد الفرح؛ إذ ظفر بإحضاره من دهليز الجامع قطعة خشبية طولها 6 أقدام، وارتفاع حوافيها 6 بوصات، وصمم على افتراشها في الليل، وهو لم يكن أول من كشفها، وقد أبقيت لنفسي اغتباطها بتكدير صفو تمتعه بالنوم فوقها بعد اضطجاعه عليها بوقت قصير؛ إذ أخبرته بأنها نعش للموتى، فذعر من ذلك ورأى في منامه جثثهم.
وعقب خروجنا من (رامانا شيكلر)
Ramana-Chikler
مبكرين ركبنا طويلا على متن جياد متعبة إلى قرية بلغارية تدعى (كاليبتري)
Calipetri
حيث ظهر جنود الباشبوزق بمظاهر حريتهم المعتادة، وقد أحرقت الكنيسة التي بهذه القرية، ولم يبق قائما بها إلا جدرانها، وتحول كثير من منازلها إلى رماد بينما نهبت محاصيل حقولها من البصل والفول.
ومن (كاليبتري) إلى (سلستره) مسير ثمانية عشر ميلا على الأقدام في سهل أو نجد ممتد على مرأى البصر ومزرع حنطة وشعيرا، وكانت أصوات السمان والجنادب مستمرة، وكنت ترى هنا وهناك آثار معسكرات السواري في المحاصيل القائمة.
وهذه الأماكن على ما يظهر كان يستريح فيها القوقازيون الذين رادوا الإقليم مدة تزيد على الأربعين يوما، وأظهروا أنفسهم مرارا على المرتفعات التي فوق (كاليبتري)، هذا بينما كان أهالي القرية المسلحون بواسطة الروس يجوبون في الغابة المجاورة يذبحون الخيل والرجال.
وقد أبان نهاية السهل أمامنا بناء منخفض مربع كان يخفق خارجه علم به هلال ونجم فدل ذلك على قرب سلستره.
وهذا البناء هو الطابية المجيدية، وهي حصن كبير تقع المدينة من تلك الجهة تحت نيرانه، وقد بلغ من مناعته أنه حال بين الروس وبين هجومهم على المدينة، على أن الأرض الواقعة أمامه كانت ميدانا لقتال كثير بين عساكر الأتراك غير النظاميين وبين القوقازيين، وقد أسر نحو خمسمائة من هؤلاء العساكر أثناء هذه المناوشات، ولكن الجنرال (لودرز) بعد أن جردهم من أسلحتهم وخيلهم أعلنهم أنه أطلق سراحهم، وقال: إنه علم أن الجنرال يوسف ينوي أن يؤلف قوة منهم فرجاؤه إليهم أن يقدموا أنفسهم إلى القائد المذكور ويبلغوه تحياته؛ أي: تحيات الجنرال (لودرز).
وإلى اليمين لما ازداد حجم الطابية المجيدية ظهورا عندما دنونا منها انبثق نهر الدانوب، وبانت مناظره والأراضي المنبسطة الممتدة بين شاطئ نهر الدانوب والأرض الأخرى المنتهية عند كالاراش تغشاها على ما يظهر خيام الجيش الروسي الذي لم يتجاوز أثناء تقهقره الساحل الآخر من نهر الدانوب.
وإلى اليسار وكأنها عند قاعدة الطابية تقع مدينة سلستره محفوظة على ما يظهر أحسن حفظ؛ فجميع مآذنها كاملة وظاهرة في ضوء الشمس.
ها نحن في سلستره وقد دخلناها والوقت مساء، واستغرقت خيولنا المتعبة اثنتي عشرة ساعة في هذا اليوم الثاني في قطع نفس المسافة التي طوتها في اليوم الأول، ولم تأكل شيئا أثناء ذلك فجهدت وهي تقطع المسافة في أحوال توافرت فيها الأسباب التي تؤخر وتعرقل.
إن سلستره حصن في الدرجة الرابعة من الأهمية، ويحيط به فقط سور وخندق صغير الحجم جدا؛ ومع ذلك فإنها رهيبة القوة يخشاها العدو بسبب تلك الحلقة من الطوابي التي تكتنفها من كل جانب، وجميع الآكام محصنة كذلك باستحكامات حفرت في قمتها ولا بد من الاستيلاء عليها قبل الاستيلاء على الحصن بالذات، ونهر الدانوب عند سلستره ليس متسعا، وفي الواقع إن الروس من البطاريات الموضوعة على جانب النهر في ولاشين
Wallachain ، استمروا يطلقون النيران بدون انقطاع من ثمانية مدافع تقذف قنابل طول الواحدة 21 بوصة، ومن مدافع أخرى ثقيلة مشهورة باسم (هويتزر)، وفي سلستره مدفع يدل على مدخل المدينة من ناحية بوابة إستانبول؛ غير أن البطاريات التي على الساحل الآخر أحدثت ثقوبا في جسر سلستره؛ فكان الدخول إليها خطرا في جميع الأوقات، وقد عاينا ونحن نجتاز البوابة البقعة التي قتل فيها موسى باشا بانفجار قنبلة، وهو خارج من المكان المعد للوقاية من فتك القنابل، وهنا كذلك فاجأت قذيفة شبيهة بالقنبلة المنفجرة فرقة من الباشبوزق في اللحظة التي كان اليوزباشي (سيموند
Simond ) يزور فيها طابية العرب، وهنا تقابلنا مع عمر باشا، وقد حضر من فوره من شملا فأطلقت جميع بطاريات المدينة والحصن ثلاث طلقات؛ إيذانا بوصوله وتحية لقدومه، وما كاد سعادته ينتهي من زيارة المواقع الروسية حتى تفضل كرما منه وأمر أن تبقى وضعية الأشياء في طابية العرب كما هي دون إحداث أي تغيير ريثما أفرغ من رسم المواقع (وهو الرسم المنشور بعد هذه الصفحة).
أما الشارع الذي اجتازته صفوفنا في سيرها إلى المساكن التي أعدها لنا إبراهيم باشا ففيه حفائر واسعة، عمق الواحدة منها خمس أقدام وعرضها ثلاث، والبعد بين كل حفرة وأخرى عدة ياردات، وفي هذه الحفائر شظايا من قنابل الروس، وسقوف المنازل جميعها مثقوبة كثيرا أو قليلا بفعل هذه القنابل الشديدة الفتك، والحيطان المشتركة كثيرة الثقوب كذلك، أما المآذن فقد اخترقت القنابل عددا كبيرا منها، ومع أن كثيرا من هذه المآذن قد أصيب بالعطب الشديد فلم تسقط واحدة منها، كما أن المنازل ظلت ثابتة في أماكنها تقاوم ضربات النيران بكل رسوخ وثبات، فكأن أبنية سلستره شاركت حماتها في روحهم، وعقدت العزم مثلهم على ألا تسلم بالسقوط بأي ثمن.
حصن طابية العرب من الداخل نقلا عن الجريدة الإنكليزية المصورة «ذي اللستريتد لندن نيوز
THE Illustrated London News » بالعدد 25 الصادر بتاريخ 29 يوليو سنة 1854 ص 96 ويرى فيه بعض الجنود المصرية بعد انكسار الروس وانسحابهم من أمام سلستره.
ويكاد يكون من اللغو أن نقول: إنه لم يبق في سلستره ساكن واحد فقد طلب جميعهم السلامة من الخطر بالالتجاء إلى المغارات التي حفرت في بطون الربى من جوانبها، وأقاموا فيها آمنين، على أنهم عانوا بلا ريب ما عانوا لحرمانهم من الحركة، وأحيانا لحاجتهم إلى الطعام، ولكنهم على كل حال كانوا في مأمن، أما العساكر وحدهم فقد ظلوا في هذه المدينة في نقطهم بالقرب من التحصينات حتى يمكن حشدهم في أسرع وقت، وكانت في الترسانة خيمة الملازم (ناسميث
Nasmyth ) واليوزباشي (بتلر
Butler ) هذان الشهمان اللذان دافعا عن سلستره دفاعا قدره الأتراك أحسن تقدير.
وقد أبى القدر أن يمهل اليوزباشي (بتلر) بعد رفع الحصار عن سلستره فمات بعد ثمانية أيام من جرحه الذي أصيب به في طابية أيلاني، وقد قام الأتراك بما يجب نحوه فأحاطوا جثمانه بمظاهر التشريف والتكريم، وقد شيعه حتى مثواه الأخير في مدفن الأرمن يوزباشي من كل بلوك في الحامية، وأطلق السلام الحربي فوق قبره، وأمر عمر باشا أن يقام تذكار لائق تخليدا لاسمه الذي سيظل مذكورا بين الأتراك مثالا للضابط الشجاع الذي برهنت أفعاله أكثر من مرة على شهامته وجسارته الفائقة.
أما الملازم (ناسميث) فحظه أحسن وهو الآن في شملا، وقد منح الوسام المجيدي، وكذلك وسام ليجيون دي نير، وكتب اليه (لورد رجلان) قائد الجيش الإنكليزي كتابا عبر فيه رسميا عن شكر الجيش الإنكليزي له على ما أبداه من ضروب الشهامة، ويجدر بي هنا أن أنوه باسم الملازم (بلرد
Ballard ) من فرقة المهندسين البنغالية، ومع أنه لم يقم في سلستره طويلا فإن الأعمال التي قام بها ضد العدو في الخمسة عشر يوما الأخيرة من أيام الحصار كانت مفيدة وذات نتائج؛ فنأمل ألا يحرم من المكافأة.
وقد أمضت جماعتنا اليوم السابع والعشرين بأكمله في زيارة (حصن طابية العرب) وحصن (أيلاني)،
7
وكان المنظر مما يبعث على الدهشة إلى أقصى حد، وكان الطريق إلى حصن (طابية العرب) يدور حول الرابية حتى يبلغ ذروتها حيث بنيت الطابية، وأدل أمارة دلت على اقترابنا منها كان ذلك العدد من المغارات التي ثقبت في جانب الرابية، وهذه المغارات تسع بضع مئات من الرجال وفيها عسكرت أو بعبارة أصح اختبأت القوة الاحتياطية التي كانت تدافع عن الطابية، وقد ارتاب الروس في مكان لا يبعد كثيرا عن هذه المغارات، وظنوا أن تلك القوة الاحتياطية مختبئة فيه فرموه بآلاف من القنابل انفجرت دون أن تحدث ضررا بأحد، ولذلك غرس المصريون عصيا قصيرة لتعيين هذا المكان.
وقد نقل المصريون أثناء الحصار من بقعة إلى يمين هذه البقعة المحبوبة ما لا يقل عن ألفي قنبلة لم تنفجر، ومن هذا يمكن أن يتصور الإنسان شدة السعير الذي أصلاه الروس حامية سلستره مدة بضعة أسابيع، فقد كان أشد حرارة من لهيب المناطق الحارة.
ولما وصلنا إلى قمة الرابية دخلنا إلى (حصن طابية العرب) ولا يزال أحد أركانها كاملا، أما باقي الطابية فقد تحول إلى طائفة من الأكوام والأودية لا شكل لها ولا نظام، وقد أبانت ثلاث حفائر سرت تجاويفها في جسم الطابية المكان الذي انفجرت فيه الألغام الروسية، وأما الحاجز فلم يكد الانفجار يحدث حتى ارتفع ثانية فوق الحافات المعوجة من هذه الحفائر، فكانت العساكر تلقي بنفسها على الأرض بحذر، ثم تأخذ في رفع الأتربة من الداخل، وقد عرضت حركة رفع الأتربة هذه أقراص طرابيش الجنود إلى الظهور أحيانا فصوب الرماة الروس بنادقهم نحو هذا الهدف وأصابوا فيه مقتلا، وهكذا قتل كثيرون برصاصات اخترقت المخ، والعجيب في هذا الأمر أن العدو اعتمد في هذه الأحوال على البنادق، ولم يستخدم مدافعه بطريقة فعالة تكفي لمنع ساتر الحصن من الارتفاع ثانية أمام عينيه وقت اضطرام النيران.
وبالرغم من هذه الظروف أتت ساعة صار فيها المكان جحيما لا يمكن البقاء فيه، فاستلقى المصريون عند حضيض الساتر - الذي سترهم عن أعين الروس - واختبئوا في مخابئ التراب، ولكن تمكن اليقين آخر الأمر إن الألغام تسربت في الاستحكام كله، وعلى كل حال فإن المصريين كانوا إذا تخلوا عن بعض الحصن المطل جهة نهر الدانوب ارتدوا إلى تحصين أقاموه خلف القديم، فإذا ظهر أن الجديد أيضا مهدد بالخطر شيدوا ثالثا أكثر صلاحية وأقوى على احتمال النوازل ومقاومة العواصف من كلا السالفين؛ وهكذا دواليك.
ومن السهل أن ندرك أن روحا كهذا لا يفرط في شبر واحد من الأرض، بل يثبت ويقاوم للاحتفاظ بهذا الشبر، وقد وجد الروس أنهم كلما هدموا تحصينا وصيروه ترابا حل محله تحصين آخر لا مفر لهم من العمل من جديد لتحطيمه هو أيضا، ودكه دكا كأنهم ما هدموا بناء ولا أتلفوا سلاحا، والمصريون لم تعجزهم لذعات العدو وكأنهم ما خسروا أرضا ولا فقدا قوة، ولا بد أن هذا كان مما ثبط همة الروس أشد تثبيطا، أما الثغرات التي كانت في التحصين الأول والثاني فليست موجودة، ولم يبق أي أثر لها، وإنما الموجود نحو مئتي قبر على صف واحد دفن فيها الموتى في الحال، وقد كانت اللحظة التي يسقط فيها المحارب قتيلا هي نفس اللحظة التي يوارونه فيها التراب، ولم يجدوا وقتا للاحتفال بدفن الموتى؛ ولذلك لم يحتفل بجنازة أحد.
وعلى بعد عشر ياردات من الساتر المعوج المهدم دخلنا من رأس الخندق إلى خط النار الروسي، وتتبعنا في سيرنا جميع تعرجاته العديدة وشعبه الكثيرة فقطعنا بذلك أميالا، وأقرب البطاريات كانت على بعد 50 ياردة، وأقصاها كان على مسافة 300 ياردة.
وقد امتد الخط من طابية العرب منحدرا نحو نهر الدانوب إلى واد فيه بقايا شنيعة بادية للعيان، ثم يصعد الخط حتى يبلغ الجهة المقابلة منخفضا بعد ذلك إلى واد آخر فيه آثار معسكر كبير أنشئت لحمايته استحكامات بين كل واحد وآخر ربع ميل، وكثير منها يسع ستة مدافع أو سبعة أو ثمانية، وجميعها كانت تواجه ناحية واحدة؛ أي: تجاه المصريين مما دل على أن الغرض كان مهاجمة المدينة، وحفظ خط الرجعة في حال قدوم قوة كبيرة لإنقاذ الأتراك والمصريين، وأكبر الاستحكامات من هذا النوع كانت على بعد سبعة أميال، وكان في نهاية الخط حصن كبير يواجه جميع الجهات.
وقد اتبع هذا الأسلوب في حماية ثلاثة أودية منحدرة نحو نهر الدانوب، ومد الروس إزاء الوادي الأول جسرهم الأول مارا فوق الجزائر ومتصلا بالجانب المقابل، أما الجسر الثاني فقد كان على بعد خمسة أميال إلى جهة المصب وفوق هذين الجسرين تقهقر العدو خفية بحيلة فأطلق وابلا متواصلا من النيران واسع النطاق جسيم المقدار، وانتهى قذف هذه القنابل فقط في الساعة الثالثة من صباح اليوم الثاني والعشرين من الشهر الماضي، ففي تلك الساعة علم يقينا أن المسالك القريبة من طابية العرب قد انكفأ العدو عنها وهجرها.
واكتشف تحت الاستحكام لغم ذو ثلاث شعب ممتدة إلى النقطة المركزية فيه، وقد نفذ العدو إلى (طابية أيلانلي) بواسطة خطي نار عظيمي الطول كثيري الالتواءات، ولكن النشاط الذي هاجم به الروس هذه الطابية كان أقل كثيرا مما بدا منهم في هجومهم على (طابية العرب)؛ ذلك لأن الموقع الجانبي (لطابية أيلانلي) كان في صالح المدافعين عنها أكثر كثيرا من موقع الطابية الأولى، وكان ما لحقها من أذى الروس أقل كثيرا جدا من الأضرار التي انهالت على طابية العرب، وفي طابية أيلانلي أصيب اليوزباشي بتلر بجرحه المميت، وقد كانت الأماكن التي عسكر فيها الروس مخططة برسوم مسافات خيمهم المربعة، ووجود كثير من عظام لحم البقر والضأن دليل على كثرة الطعام مهما قيل غير ذلك، ولكن روائح منتنة كريهة كانت تتصاعد من جميع هذه المعسكرات ومن الاستحكامات وخط النار، وقد يكون هذا علة ما انتشر من كثرة المرض في الجيش الروسي؛ فقد قيل: إن نحو 30000 جندي دخلوا المستشفى.
وقد عدت إلى سلستره بجانب النهر وتمكنت من فحص عدد البطاريات الجسيم الذي أحاط بأطراف الجزيرة الواقعة مباشرة في مواجهة الساحل، ثم دخلت المدينة ثانية وأنا في ذهول ودهش لجسامة ما رأيته من التحصينات الروسية، وتفكير في الخزي الذي لا بد أن ينزل بجيش القصر؛ فقد كد كدا هائلا وأنفق جهودا عظيمة جدا وما جنى مما بذل إلا قليلا، أما الخسائر فالأرقام الرسمية عند الأتراك والمصريين تحددها في سلستره بمقدار 2200 من النظاميين نصفهم قتلى والباقي جرحى، وقد بلغت نحو ألف من العساكر غير النظاميين، أما عند الروس فيقال: إنها أثناء الخمسة والأربعين يوما؛ أي: أمد الحصار لم تقل عن 7000 بين قتيل وجريح منهم اثنان من القواد.
وقد عاد عمر باشا من سلستره في اليوم الأول من الشهر الجاري، وسافر إلى وارنه في اليوم الثالث منه للاجتماع بلورد رجلان
Lord Raglan
والجنرال سنت أرنو
General St. Arnaud
قائدي الجيشين الإنكليزي والفرنسي للبحث والتشاور معا. ا.ه.
وها هو ما قاله أيضا جيل لادمير
Jules Ladmir
في مؤلفه (الحرب في الشرق وفي بحر البلطيق في خلال الأعوام من 1853 إلى 1856 المجلد الأول ص41)
La Guerre en Orient et dans la Baltique, pendant les Années 1853 â 1856 Tome 1, page 41 :
قبل أن ينسحب الروس انتقموا من سلستره بأن صوبوا إليها مقذوفات مدافعهم وأصلوها نارا حامية لم يروا مثلها في التاريخ، واستمر إلقاء هذه المقذوفات ثلاثة أيام وثلاث ليال فحطم عددا كبيرا من المساجد والمآذن والمساكن، وأهلك كهولا ونساء وأطفالا مع أنه ليس لهذا العمل أي مبرر من الوجهة العسكرية.
وأظهرت حامية المدينة كلها وبالأخص حصن (طابية العرب) صبرا وجلدا وتفانيا عجيبا في الدفاع بإخلاص، وبعد هذا الوداع المتوج بالدماء انصرف الروس تاركين أمام سلستره 15 ألف جثة، وقتل وجرح خلق كثير من جنرالاتهم وضباطهم العظام.
أما حامية المدينة فقتل منها 3000 نفس، وجرح عدد يقرب من هذا العدد. ا.ه.
والآن نسوق للقارئ ما رواه مكاتب (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر في 16 ديسمبر سنة 1854م عن مدينة سلستره، وحصن طابية العرب، والجنود المصرية التي كانت تحميه من غارات الروس المتوالية عليه، وقد زار هذا المكاتب المدينة المذكورة بعد ستة أشهر من جلاء الروس عنها، وهاك ترجمة ما رواه:
إن بين مشاة سلستره 3000 من المصريين منهم أولئك الأبطال حماة طابية العرب الأمجاد، وقد خرجنا إلى الطابية المذكورة راكبين طبعا ورافقنا بضعة من الجنود المكلفين بالدفاع عنها بفرح وسرور، وذكروا لنا ما وقع لهم من الحوادث وهم أهل أنس وبشاشة وحديثهم ظريف مليح، وقد تهللت وجوههم بشرا عندما رأوني أتكلم بلغتهم العربية؛ لأنهم كانوا مصريين، وقد تآخوا معنا تآخيا زائدا، وطفنا صحبتهم بالحصن كله فلم نجده أمرا عسيرا إن هو إلا خندق ومتراس، ومع ذلك فإنه قد صد ما كانت أوروبا بأسرها تحسبه أقوى جيوش العالم وأحسنها نظاما، والذي قاده قائد طوى السنين الطوال في ميادين القتال، وانتصر في مواقعها، وهو عندهم وحيد لا يبارى، وفريد ليس له ند، وقاهر لا يغلبه أحد، والمصريون المرافقون لنا كمرشدين قصار القامة رثة ملابسهم، وقد أطالوا الحديث عما فعلوا حتى ردوا الروس خائبين، وكان السرور باديا على محياهم حين كانوا يحدثوننا عن ذلك، وقد قال أحدهم: «أكلت وشربت ونمت ودخنت لفافتي وانتصرت وراء هذا السور.» فقلت: «نعم ما فعلت.» فقال: «ما شاء الله.» وما كان هو من فعل الله، والحمد لله والشكر له جل جلاله، ألم يقل على لسان نبيه عليه السلام: سلم تسلم؛ أي: توجه إلى الله وحده واترك أمر نفسك إليه وهو يحميك، فهو راعي الرعاة وحافظ الحفظة، وكذلك كان، فهؤلاء المساكين كل قوتهم كامنة في الزهد عن الخمر، وكل حولهم مستقر في جلدهم على احتمال الشدائد، وكل سلاحهم إيمان راسخ ويقين بالله متين، يتعصبون لدينهم، ويتغالون في معتقدهم، وتعصف بهم العواصف وهم ثابتون؛ لأنهم على إله السماوات والأرض معتمدون، وتتزعزع الجبال وهم لا يتزعزعون؛ لأنهم برب العالمين مؤمنون، لا يرهبون الموت في الحرب بل يرغبونه ويقدمون عليه؛ لأنه خاتمة المتاعب ومفتاح باب الجنة، هؤلاء هم الذين ردوا قوة تفوقهم في العدد عشرين ضعفا، وصدوا جنودا يقودهم مهرة القواد ولم يكن لهم من مزايا الموقع ما ساعدهم على هذا الفوز كما قد يسبق إلى الذهن، بل الأمر على عكس ذلك؛ فإن موقع طابية العرب كان بحيث يسهل الاستيلاء عليه أكثر من غيره، والحصن لا يستحق اسما غير حصن ميدان.
وقد قال أصحابنا الأدلاء: إن الروس كانوا يطلقون النار بمهارة وإحكام، وإن رصاصهم وقنابلهم - على حد تعبيرهم - كانت تحصد كل شيء أمامها حتى العشب، ولكنهم إذا دارت رحى الحرب عن قرب كانوا كالنساء، وزاد أصحابنا على ذلك قائلين: «ذبحناهم كالنعاج ولم يرجع منهم رأس واحد، أما رءوس القتلى وآذانهم فكنا نلقيها إلى الكلاب.».
وهكذا كان يمر اليوم بعد اليوم حتى تفقدنا المواقع كلها، وكلما كثر ما نرى كلما زدنا تعجيبا. ا.ه.
وبعد انسحاب الروس من مدينة سلستره انتقل السردار إكرام عمر باشا من معسكره العام الذي كان في (شملا)
Schaumla
إلى (روسجق) - روستشوك -
Roustchouk
القائمة على الدانوب، ولما كان الروس لم يزالوا محتلين البعض من جزر هذا النهر، وهي الجزر التي بين هذه المدينة و(جيورجيفو)
Giourgevo
الواقعة إزاءها فقد قرر عمر باشا أن يطردهم منها.
وفي 6 شوال سنة 1270ه (2 يوليه سنة 1854م) أرسل ديوان الجهادية المصرية إلى محافظ الإسكندرية إفادة يخبره فيها بوصول عبدي أفندي الصاعقول أغاسي الطوبجي إلى الإسكندرية ومعه الثياب اللازمة للجنود المصرية الموزعين في ناحية (يني شهر)، ويرجوه الإسراع في تسفيره مع هذه الثياب إلى الناحية المذكورة؛ وها هي:
إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى محافظ الإسكندرية رقم 100 بتاريخ 6 شوال سنة 1270 مقيدة بالدفتر التركي رقم 2688
قادم لطرفكم عبدي أفندي صاغقول أغاسي طوبجي، وبصحبته الأشياء المبينة أدناه لتوصيلها إلى 15 جي و16 جي ألاي بيادة الجنود المصرية بجهة (يني شهر)، فبوصوله نأمل تسفيره في أقرب فرصة بالأشياء المذكورة للجهة المحكي عنها سواء أكان ذلك الترحيل بالوابور أم بالمراكب الشرعية حسب ما ترونه موافقا، وحرر هذا للإجراء والعمل بمقتضاه.
بيان الأشياء
أطقم
عدد
أطقم ملبوسات
4800
أطقم ألبسة وقمصان
4800
أجواز مراكيب
4800
المجموع
14400
وبعد أن قرر السردار إكرام عمر باشا طرد الروس من الجزر التي بين مدينتي (روسجق) روستشوك و(جيورجيفو) جمع في 7 يوليو سنة 1854م 40000 جندي تركي ومصري، وعمارة حربية من السفن النهرية، واجتاز بهذه القوة نهر الدانوب تحت حماية مدفعية هذه العمارة، واحتلوا الجزر المذكورة بعد أن نازلوا الروس جسما لجسم، وبلغت خسائر كل من الطرفين في ذلك 4 آلاف نفس.
وتحصن الترك والمصريون في تلك الجزر بقصد الهجوم على (جيورجيفو) في الغد، غير أن الروس أدركوا أنه من الفطنة وأصالة الرأي إخلاء هذه المدينة ليلا، وفي 8 يوليو احتلها الجيش التركي المصري.
هو الخط المعروف بين القاهرة والإسكندرية.
هذا الاسم محرف وصوابه (ناوك) وهو فارسي معناه السهم.
محرف عن (ناوك).
هو الميدان المعروف في الإسكندرية بميدان محمد علي.
كانت عاصمة لولاية (تساليا) عندما كانت هذه الولاية تابعة للدولة العلية. ولما أعطتها الدولة لليونان بناء على معاهدة برلين التي أبرمت في 3 مارس سنة 1878م غيرت اليونان اسم عاصمتها (يني شهر) باسم (لاريسا )، وصار يطلق عليها هذا الاسم إلى الآن، وقد أعطت الدولة اليونان الولاية المذكورة؛ لأنهم لم يتعدوا عليها أثناء حربها مع المسكوف، ولأنهم لم ينتهزوا هذه الفرصة ويأخذوها منها عنوة، ولكن هل أعطت فرنسا جزءا من أراضيها لإيطاليا وإسبانيا لعدم تعديهما عليها أثناء انشغالها بالحرب مع ألمانيا في سنة 1870م (كلا) فانظر واحكم!!
المرجح أنه حسن باشا المنسترلي كتخذا الوالي عباس باشا الأول.
حامية هذين الحصنين كانت مؤلفة من ألاي 10 جي بيادة المصري بقيادة أمير الألاي حسين بك.
ولاية سعيد باشا ومساعدته في هذه الحرب
سعيد باشا والي مصر
وفي 18 شوال سنة 1270ه (14 يوليو سنة 1854م) توفي إلى رحمة مولاه عباس باشا والي مصر، وتولى بعده سعيد باشا، وسافر إلى الآستانة؛ ليقدم واجب الخضوع والطاعة للسلطان عبد المجيد، وليتناول منه بيده فرمان التولية، فحضر في غضون إقامته في عاصمة تركيا محمد شنن بك القائد الثاني للعمارة المصرية آتيا من قبل العمارة والجيش المصري؛ ليقدم له واجبات التهاني بارتقائه الأريكة المصرية.
وأراد سعيد باشا أن يبرهن على تفانيه في الإخلاص للسلطان فكتب من الآستانة إلى مدير ديوان عموم الجهادية أمرا في 30 ذي القعدة سنة 1270ه (24 أغسطس سنة 1854م) بتجهيز 10000 جندي و6 بطاريات مدافع؛ أي: 36 مدفعا لترسل مددا إلى تركيا، وأمر كتخداه أيضا أن يرسل إلى محافظ الإسكندرية إفادة بهذا الأمر؛ وإليك هذه الإفادة:
إفادة من الكتخدا بناء على أمر الخديو أثناء وجوده بدار السعادة صادرة إلى محافظ الإسكندرية بتاريخ غاية القعدة سنة 1270، ومقيدة بالصفحة رقم 358 بالدفتر التركي رقم 484
قد اقتضى الحال إرسال وسوق 10000 عسكري مصري و6 بطاريات، وذلك بخلاف السابق إرسالهم فيما تقدم بخصوص المسألة المعلومة، وقد حرر عن ذلك بالتفصيل لناظر الجهادية هذه المرة، فبمجرد وصول المدافع والقذائف مع سائر المهمات إلى الإسكندرية يقتضي شحنها بالوابور الذي يوجد في ذلك الحين وترحيلها بدون إضاعة الوقت، وقد حرر هذا للمعلومية. ا.ه.
وعند عودة سعيد باشا إلى مصر قبيل آخر سبتمبر سنة 1854م أمر الفريق أحمد باشا المنكلي بالرجوع إلى الآستانة في مهمة، وأن يلبث فيها إلى أن يأتيه أمر آخر، فأدى هذه المأمورية، وكان أن توفي سليم باشا فتحي قائد الجيوش المصرية في القرم فحل هو محله.
وفي هذا التاريخ صدرت إرادة سنية شفوية إلى رئيس ديوان الجهادية بحشد ألاي من السواري؛ ليسافر مع الفريق أحمد باشا المنكلي إلى الآستانة ليكون مددا في هذه الحرب، فأصدر الديوان المذكور إفادة إلى ألايات الجيش المصري بحشد هذا الألاي وإعداده للسفر؛ وإليك هذه الإفادة:
إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى آلايات الجيش المصري مقيدة بالدفتر التركي رقم 2689 المؤرخ من 6 صفر سنة 1269 (19 نوفمبر سنة 1852م) إلى 28 شوال سنة 1270ه (24 يوليه سنة 1854م)
صدرت إرادة شفوية من ولي النعم لرئيس رجال الجهادية بتشكيل ألاي سواري تفرز أفراده وصف ضباطه والضباط من الثمانية الألايات السواري الموجودة، وإلحاق حسين واصف أفندي بكباشي 7 جي ألاي سواري وخورشد أفندي رضوان الصاغقول أغاسي بألايات وجه قبلي بهذا الألاي. ا.ه.
وفي 25 ذي الحجة سنة 1271 ه (18 سبتمبر سمة 1854م) أصدر سمو الوالي إرادة سنية إلى ديوان عموم الجهادية بتعيين محمد أفندي القبرصلي بيكباشي دمياط قائمقام الألاي السواري المسافر مع أحمد باشا المنكلي إذا لم يتعين لهذا الألاي قائمقام بدله، وتعيين الدكتور محمد علي أفندي حكيمباشي له، وهذا الطبيب نرجح أنه محمد علي باشا البقلي الجراح المشهور من تلاميذ بعثة سنة 1832 الطبية إلى فرنسا في عهد محمد علي باشا الكبير، وحكيمباشي الآلايات السعيدية في عهد سعيد باشا، ورئيس مستشفى قصر العيني ومدرسة الطب في عهد الخديو إسماعيل؛ وإليك نص الإرادة الصادرة بذلك:
إرادة سنية من ديوان الخديو إلى ديوان عموم الجهادية رقم 9 بتاريخ 25 ذي الحجة سنة 1271ه، مقيدة بالدفتر التركي رقم 2703
إن لم يترتب قائمقام للألاي السواري المسافر بمعية أحمد باشا المنكلي للآن فيعين محمد أفندي القبرصلي بيكباشي دمياط سابقا للألاي المذكور، وكذا يعين الطبيب محمد علي أفندي حكيمباشي له. ا.ه.
وفي 19 أكتوبر سنة 1854م سافر أحمد باشا المنكلي من الإسكندرية ومعه ألاي السواري المذكور الذي كان رقمه 10 جي وعدد جنوده 1200 جندي، وقد ورد ذكر سفر هذا الألاي في جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ 4 نوفمبر سنة 1854؛ وإليك ترجمة ما ورد بهذا الصدد:
قام قسم من النجدة البرية المصرية التي وعد بها سعيد باشا السلطان من الإسكندرية في ثلاث وابورات يوم 19 أكتوبر (1854م) تحت قيادة المنكلي باشا. ا.ه.
الفريق أحمد باشا المنكلي
وأحمد باشا المنكلي هذا من أشهر القواد المصريين، اشترك في حرب سورية مع إبراهيم باشا الكبير، وتولى مرارا عديدة وظيفة ناظر الجهادية، وعندما أخلت الجيوش المصرية سورية انقسم الجيش إلى ثلاث فرق؛ تولى قيادة إحداها إبراهيم باشا الكبير، والثانية سليمان باشا الفرنساوي، والثالثة أحمد باشا المنكلي. وسلكت كل واحدة من هذه الفرق الثلاث طريقا غير الذي سلكته الأخرى، وابنه جلال باشا كان زوج الأميرة زبيدة كريمة محمد علي باشا الصغير ابن محمد علي باشا الكبير، ورزق منها بالمرحومين علي باشا جلال ومحيي الدين جلال بك.
وفي محرم سنة 1271ه (أكتوبر سنة 1854م) أصدر سعيد باشا أمرا بزيادة رواتب الضباط وصف الضباط والجنود الذين سيسافرون في هذه النجدة إلى ميدان الحرب؛ وإليك الإرادة السنية التي صدرت بهذا الشأن:
إرادة سنية من ديوان الخديو إلى ديوان عموم الجهادية بتاريخ شهر محرم سنة 1271، مقيدة بالدفتر التركي رقم 2703
اقتضت مراحمنا العلمية إصدار أمرنا هذا بالعلاوات الآتية لأفراد وصف ضباط وضباط الألايات المسافرة لدار السعادة وهي كالآتي: (1)
يعلى على مرتبات الأفراد والصف ضباط ما يوازي نصف مرتباتهم الشهرية. (2)
يعلى على مرتبات الصولات والملازمين واليوزباشية ثلثا مرتباتهم الشهرية. (3)
يعلى على مرتبات الصاغقول أغاسيه والبكباشية ربع مرتباتهم الشهرية. (4)
يعلى على مرتبات القائمقامية وما فوق خمس مرتباتهم الشهرية. (1) اشتراك الجيشين الإنكليزي والفرنسي في هذه الحرب وحصار سباستبول
بعد أن أعلنت فرنسا وإنجلترا الحرب على روسيا في 27 مارس سنة 1854م، وانضمتا إلى جانب تركيا وجهزت كلتاهما جيشا كما سبق القول، ووصل الجيشان في شهر مايو سنة 1854، ونزلا في غاليبولي
Gallipoli
والآستانة، وبعد أن مكثا زهاء شهر ركبا السفن وسافرا إلى وارنه
Varna ، فبلغاها قبيل نصف يونيو، وأقاما فيها إلى أوائل سبتمبر حيث تجشما الشدائد العظام بسبب الكوليرا.
وقد نشرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ 16 سبتمبر سنة 1854م خبرا جاءها من مكاتبها بالآستانة في 7 سبتمبر المذكور بصدد جيش الحلفاء وعدده، فقالت:
أرسل إلينا مكاتبنا بالآستانة رسالة مؤرخة في 7 سبتمبر يقول فيها: إن الجيش المزمع إرساله إلى القرم سيكون مؤلفا من 90000 جندي، من بينهم 40000 جندي فرنسي، و20000 جندي إنكليزي، و10000 جندي تركي، و10000 جندي مصري، و5000 تونسي، و5000 من أجناس مختلفة. ا.ه.
ولما كان قد تقرر انتقال ميدان الحرب إلى القوم لإقامة الحصار حول سباستبول؛ فقد أقلع الجيشان المذكوران مرة أخرى من وازنه ونزلا في القرم في 14 سبتمبر سنة 1854م، وبدأ حصار سباستبول في 20 سبتمبر سنة 1854م واستمر عاما؛ لأن الاستيلاء عليها تم في 8 سبتمبر سنة 1855م.
وفي 20 سبتمبر سنة 1854م حدثت واقعة نهير (ألما)
Alma
بالقرم، وقد اشتركت فيها الجنود الفرنسية والإنكليزية بقيادة القائد الفرنسي سارن أرنو
Saint-Arnaud
والقائد الانكليزي لورد رجلان
Lord Raglan ، وساهم في هذه المعركة 13 جي و14 جي ألاي بيادة من اللواء الثالث المصري بقيادة سليمان باشا الأرنئوطي، وقد انهزم الروس فيها بقيادة جنرالهم منتشيكوف
Mentchikof .
وإليك ما ورد في جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ 14 أكتوبر سنة 1854م بصدد اشتراك الجنود المصرية في تلك المعركة:
في واقعة ألما كان 7000 جندي من البيادة المصريين سائرين على شاطئ البحر المالح تحت قيادة سليمان باشا (الأرنئوطي). ا.ه.
وفي 13 محرم سنة 1271ه/6 أكتوبر سنة 1854م كتب ناظر الجهادية المصرية إلى محافظ الإسكندرية يخبره بأنه طبقا للأوامر العالية التي صدرت صار إرسال ال 36 مدفعا وال 10800 مقذوفة اللازمة للآستانة إلى مستودع الذخائر بالإسكندرية مع البكباشي حسن أفندي، وأنه من الواجب عليه تسلمها منه، وأن يجتهد في إرسالها إلى الجهة المرسلة إليها؛ وإليك الخطاب المذكور:
إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى محافظ الإسكندرية رقم 14، بتاريخ 13 محرم سنة 1271، مقيدة بالدفتر التركي رقم 2698
سبق أن صدرت إرادة سنية رقم 190 بإرسال 36 مدفعا و10800 قذيفة للآستانة العلية بصفة إمداد، وعلى ذلك حرر لناظر الجبخانات بتدارك تلك المقادير وإرسالها إلى الإسكندرية، فوردت إفادة من ناظر الجبخانات تفيد أن تلك المقادير قد جهزت وشحنت بالمراكب تحت نظارة البكباشي حسن أفندي وأرسلت إلى جبخانة الإسكندرية، فبوصوله تسلموا المقادير المذكورة من البكباشي المشار إليه وأعطوه السند اللازم بتسلمها وأشحنوها، وحرر هذا للإحاطة بذلك. ا.ه.
وفي 20 محرم سنة 1271ه/13 أكتوبر سنة 1854م أرسل كتخدا الوالي إلى ديوان عموم الجهادية (الحربية) خطابا بطلب فيه بيان الجنود الذين صار جمعهم من المديريات لألايات النجدة المسافرة إلى الآستانة، فرد الديوان المذكور عليه بالإفادة الآتية في 24 محرم سنة 1271ه (17 أكتوبر سنة 1854م) وها هي:
إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى ديوان الكتخدا رقم 43 بتاريخ 27 محرم سنة 1271ه، مقيدة بالدفتر التركي رقم 3678
ردا على خطاب سعادتكم المؤرخ 20 محرم سنة 1271ه (13 أكتوبر سنة 1854م) رقم 65 بخصوص طلب كشف تفصيلي عن مقادر العساكر التي صار جمعها ووردت من المديريات، مع بيان مقدار ما سيرسل منها للآستانة، ومقدار ما توزع منه للألايات وخلافه ومقدار الباقي، وهل الباقي يوجد من بينهم من يليق لإلحاقه بألاي غرديا الذي سينشأ بناء على الإرادة السنية الصادرة في هذا الخصوص، لذلك نحيط سعادتكم علما بأن الأفراد التي وردت من المديريات للآن بلغت 10212 نفرا، وجد عند فرزها 3031 نفرا جميعهم جورك لا يصلحون للجهادية، وقد أعيدوا لبلادهم بالثاني، والباقي وقدره 7181 نفرا أعطي منهم للألايات المسافرة للآستانة 415 نفرا، وأرسل منهم لديوان البحرية 250 نفرا لاستخدامهم في الأشغال الصحية، وألحق بتفتيش صحة مصر 91 نفرا، وكذا ألحق بالطوبخانة بالقلعة 229 نفرا لاستخدامهم في مسح وتنظيف (مرامي المدافع، والباقي بعد ذلك وقدره 425 نفرا لم يوجد من بينهم من يليق لإلحاقه بألاي غرديا؛ لذلك قد صار توزيعهم على برنجي و8 جي ألايا بيادة بصفة مؤقتة تحت الطلب لحين إتمام تنظيم الألايات المسافرة لدار السعادة، ومرسل طيه كشف بهذا البيان لعرضه على الأعتاب الخديوية، وحرر هذا للمعلومية. ا.ه. (2) نكبة العمارة المصرية
في 31 أكتوبر سنة 1854م لدى عودة حسن باشا الإسكندراني قائد الأسطول المصري بقسم من عمارته إلى الآستانة ليرممه هبت عليه عاصفة في البحر الأسود فألقت بالغليون (مفتاح جهاد) الذي كان فيه، وبالفرقاطة (بحيرة) التي كانت تحت قياد وكيله محمد شنن بك على شاطئ الروم ايلي فغرقا وغرق معهما هذان القائدان و1920 بحريا، ولم ينج من الغرق إلا 130 نفسا. ومحمد شنن بك هذا كان من تلاميذ البعثات العلمية التي أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا في سنة 1826م لتعلم الفنون البحرية.
وقد ورد نبأ هذه الفاجعة الأليمة في جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ 2 ديسمبر سنة 1854؛ وإليك ترجمته:
فجع السكان القاطنون بالقرب من البحر الأسود بفاجعة تروع القلوب؛ وهي غرق بارجتين على مسافة غير بعيدة من الآستانة، ففي ليلة 30 أكتوبر سنة 1854م عصفت بشواطئ هذا البحر الغربية عاصفة من أروع ما يذكره الناس، ولا بد أن تكون قد وقعت حوادث أخرى مريعة غرق فيها كثير من السفن، ولكن ليس بينها ما هو أفظع من حادثة البارجتين المصريتين العائدتين من القرم، فالفرقاطة (بحيرة) حملها الأعصار في الساعة الثامنة مساء على بعد ميلين فقط من مصب البسفور إلى منطقة الأمواج الخطرة التي ترتطم بصخور (قرة برنو)، وفي ظرف ساعة كانت قد تحطمت، ولم ينج من بحارتها الذين يبلغ عددهم 400 سوى 130 كان التوفيق حليفهم فأمكنهم أن يبلغوا الشاطئ أحياء.
أما البارجة الأخرى وهي ذات ثلاث طبقات واسمها (مفتاح جهاد) وكان فوق ظهرها الأميرال المصري، وهو على ما يقال أمهر قائد بحري عند المصريين فقد شاركت زميلتها في نهايتها المحزنة؛ إذ دفعتها العاصفة إلى المياه الرقيقة الخطرة في منتصف المسافة بين الآستانة ووارنه، ومن المؤلم أن نذكر أنه قد غرق من بحارتها البالغ عددهم 900، 795 بحارا بينهم الأميرال، ولم يبق أي أثر من هذه البارجة المنحوسة الطالع يبين المكان الذي غرقت فيه، وقد أنزل الذين نجوا من بحارة البارجتين في الآستانة حيث كانوا موضع كثير من الالتفات والعناية والإكرام. ا.ه. (3) احتلال أوباتوريا والحرب حولها
وفي خلال حصار (سباستبول) تقرر احتلال (أوباتوريا) بجيش مؤلف من الأتراك والمصريين، وتم ذلك بالفعل في 9 فبراير سنة 1855م، و(أوباتوريا) هذه مدينة من شبه جزيرة القرم، وكانت قبلا للمسلمين التتر يتولى الحكم فيها (خان) وذلك قبل ضمها إلى روسيا، وقد نوهنا بها في اللمحة التاريخية التي ذكرناها آنفا عن شبه جزيرة القرم، وهذه المدينة واقعة شمال (سباستبول) على بعد 40 كيلو مترا، ولاحتلالها أهمية كبرى لمنعة موقعها.
وكانت (أوباتوريا) تسمى قبل ضمها إلى روسيا (كوزلوه)
Keuzolwa
ولكن الروس غيروا اسمها بقصد محو كل أثر إسلامي.
وألف المصريون الذين نقلوا إليها من 9 جي و10 جي ألاي بيادة المؤلف منهما اللواء الأول بقيادة إسماعيل باشا أبي جبل، ومن 13 جي و14 جي ألاي بيادة المؤلف منهما اللواء الثالث بقيادة سليمان باشا الأرنئوطي، أما اللواء الثاني من الجنود المصرية المؤلف من 11 جي و12 جي ألاي بيادة بقيادة علي باشا شكري فقد ظل في الروم ايلي على نهر الدانوب، وبطبيعة الحال انتقل رئيس هؤلاء القواد اللواء سليم باشا فتحي إلى أوباتوريا (كوزلوه) مع القسم الأكبر.
وعندما وصلت الجيوش التركية والمصرية اشتعلت نيران الحرب، وفي 11 فبراير بدأ الجيش الروسي الذي كان مرابطا أمام (أوباتوريا) بحركة هجومية فاستولى بادئ بدء على مدفن للتتر واقع شرقي المدينة، ولكنه طرد منه على أثر هجوم شديد قام به الأتراك والمصريون.
وفي ليلتي 16 و17 فبراير حفر الجنرال خرولف
Khroulef
قائد الجيش الروسي خندقا أمام (أوباتوريا)، وضع فيه جنودا يحملون بنادق ذات طلقات متعددة و160 مدفعا، ووضع خلف ذلك 6 ألايات من السواري، ثم 36 أورطة من عساكر البيادة، وابتدأ إطلاق المدافع من الساعة الخامسة صباحا واستمر زمنا طويلا، ثم هدأ إطلاق النار من جانب الروس واقتربت صفوفهم للقيام بهجوم، وهدأت كذلك الجيوش التركية المصرية طلقاتها، ولما صار الروس على قيد مسافة قصيرة أصلتهم الطوبجية والبيادة نارا حامية زعزعت أركانهم، فاضطروا إلى الإنسحاب بلا انتظام، غير أنه بعد تردد يسير عاد بهم قوادهم إلى الهجوم ليجتازوا الخندق، ولكنهم أكرهوا على أن يرتدوا على أعقابهم مرة أخرى، فانقض عليهم عندئذ الترك والمصريون وهزموهم.
ولكن القضاء أبى إلا أن يكدر صفو هذا الانتصار؛ فخسر المصريون في هذه المعمعة قائدهم العام سليم باشا فتحي وأمير الألاي رستم بك وأمير الألاي علي بك قائدي 9 جي و14 جي ألاي بيادة.
وإليك ما جاء عن واقعة (كوزلوه) المذكورة في تقويم الوقائع العثماني سنة 1271ه (1855م):
في الساعة الحادية عشرة ونصف من صباح يوم السبت 29 جمادى الأولى سنة 1271ه (17 فبراير سنة 1855م) هجم الروس بستة وثلاثين طابورا من البيادة وثمانية آلايات من السواري وثمانين مدفعا هجوما شديدا على العساكر الشاهانية الموجودة في (كوزلوه)، فشرعت العساكر الشاهانية أيضا معتمدة على عون الله ونصرته في مقابلتهم ومحاربتهم، واستمرت الحرب نحو أربع ساعات ونصف، ومع أن حصون هذا الطرف لم تكن قد أكملت على الوجه اللائق، ولم تكن المدافع أيضا قد وضعت في مواضعها؛ فإن الجيش الروسي لم يمكنه بأي وجه مقاومة شجاعة وبسالة جنود الحضرة الشاهانية المنصورة وثباتهم ومتانتهم فتقهقر منهزما يائسا، وقد ظهر أن خسارة العساكر الشاهانية وعساكر دولة فرنسا الفخيمة والأهالي في هذه الواقعة 103 أنفار قتلى، و296 نفرا من الجرحى، وقد أصيب أيضا في هذه الأثناء كل من سعادة إسماعيل باشا فريق العساكر النظامية الشاهانية، وسليمان باشا أمير لواء العساكر المصرية بجرح بسيط، وكذلك نال سليم باشا فريق الفرقة المصرية وورستم بك أحد الأمراء ألاياتها المشهود لهما بالشجاعة والبسالة شرف الشهادة، وقد ترك الروس في ميدان القتال نحو 500 نفر من القتلى عدا خسائره الجسيمة أثناء الموقعة، وعدا ما تركه من الأشياء الكثيرة مثل أسلحة وشنط، كما يستفاد ذلك من مآل التحريرات الواردة.
وكان غرض الروس من الهجوم بغتة على هذا الوجه على العساكر الشاهانية التي أفرزت من فيلق الروم ايلي الهمايوني وأرسلت إلى القرم؛ هو انتهاز الفرصة لإيقاع العساكر الشاهانية في الدهشة ونيل شيء بهذه الوسيلة، ومع ذلك فإن العساكر الشاهانية نصرها الله قد صمدت لهجوم الروس هذا بالرجولة والبسالة، واضطرته في النهاية إلى التقهقر منهزما، وفي الحق أن هذا العمل من الأعمال الجديرة بالتقدير، وبما أن هذا من آثار توفيق الحضرة السنية الملكية الجليلة المشهود بها لدى العالم؛ فقد رفعت آيات الدعوات الخيرية إلى ذاته الشاهانية مرارا وتكرارا بلسان الإخلاص والعبودية، وقد نشر جناب القومندان (كانروبير) قائد الفرقة العسكرية لدولة فرنسا الفخيمة بالقرم على الضباط والأنفار الذين تحت قيادته إعلانا يتضمن مدح العساكر الشاهانية والثناء عليهم؛ لما أظهرته من ضروب الشجاعة وأنواع التضحية، وبما أن هذا الإعلان مؤيد لتمام الاتحاد والصفاء، ويبين صولة العساكر الشاهانية فقد أدرج حرفيا في هذا المحل وطبع. ا.ه.
ضريح المرحوم أمير الألاي علي رستم بك
وورد في كتاب ( تاريخ الحرب في روسيا وتركيا ص523
History of the War in Russia & Turkey P, 523 ) أن اللورد رجلان القائد العام للجيش البريطاني قال في تقريره: إنه عند هجوم الروس في حرب أوباتوريا (كوزلوه) قابل المصريون ذلك الهجوم بثبات عجيب، وإن هذا يدل على أن الشهرة التي نالتها الجيوش المصرية على نهر الدانوب لم تنلها إلا عن جدارة واستحقاق، وقد ظلت هذه الشهرة ثابتة لهم بدون أن يعتريها أدنى تغيير.
وفي غرة جمادى الآخرة سنة 1271 (19 فبراير سنة 1855) أرسل سعادة سليمان باشا أمير لواء 9 جي و10 جي ألاي بيادة الجنود المصرية
1
في هذه الحرب إفادة إلى ديوان الجهادية المصرية يخبرها باستشهاد هؤلاء الضباط الأبطال الثلاثة في غاية شهر جمادى الأولى سنة 1271ه (18 فبراير سنة 1855م)، فأرسل الديوان المذكور إفادة بتاريخ 26 جمادى الثانية من السنة المذكورة (16 مارس سنة 1855) إلى ديوان المالية يطلب فيها قطع مرتباتهم ابتداء من تاريخ استشهادهم؛ وها هي الإفادة المذكورة:
إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى ديوان المالية رقم 22 بتاريخ 26 جمادى الثانية سنة 1271ه، مقيدة بالدفتر التركي رقم 2705
ورد إلينا خطاب من صاحب السعادة سليمان باشا أمير لواء 9 جي و10 جي من ألايات البيادة التي في السفر مؤرخة غرة جمادى الآخرة سنة 1271ه (19 فبراير سنة 1855م)، تحت رقم 18 يخبرنا بأن سليم باشا فتحي باشبوغ العساكر المصرية ورستم بك أمير ألاي 9 جي ألاي بيادة استشهدا في المحاربة التي حصلت بمدينة (كوزلوه) في يوم السبت الموافق غاية شهر جمادى الأولى سنة 1271ه (18 فبراير سنة 1855م)، ويطلب قطع مرتباتهما من ذلك التاريخ، وأنه سيجري إرسال القوائم المتضمنة حصر تركتهما، وقد حررنا هذا لإحاطة علم سعادتكم بذلك، كما أننا حررنا لديوان المحافظة بذلك، وعند ورود قوائم حصر التركة سترسل للديوان المذكور، وحرر هذا للإحاطة. ا.ه.
ولما أتى نعي سليم فتحي باشا إلى مصر عين سعيد باشا في محله الفريق أحمد باشا المنكلي قائدا عاما للجيوش المصرية التي في تركيا، وأصحبه بأمير الألاي علي بك مبارك على أن يكون أحد أركان حربه وسافر الاثنان إلى ميدان القتال.
وفي 29 جمادى الآخرة سنة 1271ه (19 مارس سنة 1855م) أرسل إسماعيل باشا أبو جبل أمير لواء 9 جي و10 جي بيادة الجيوش المصرية التي في هذه الحرب إفادة إلى ديوان الجهادية المصرية، ومعها رسم التركيبة التي أمرت الدولة بصنعها من المرمر، ووضعها على قبر المرحوم سليم باشا فتحي، فأرسل الديوان المذكور إفادة بذلك إلى ديوان المعية السنية بمصر في 18 شعبان من السنة المذكورة (6 مايو سنة 1855م)؛ وإليك هذه الإفادة:
إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى ديوان المعية رقم 59 بتاريخ 18 شعبان سنة 1271ه، مقيدة بالدفتر التركي رقم 2706
وردت إفادة تاريخها 29 جمادى الآخرة سنة 1271ه (19 مارس سنة 1855م) من إسماعيل باشا أبي جبل أمير لواء 9 جي و10 جي من ألايات البيادة التي بدار السعادة بميدان الحرب الروسية التركية معها رسم يبين التركيبة المزمع عملها من المرمر بدار السعادة؛ لوضعها على مقبرة المرحوم سليم باشا فتحي باشبوغ العساكر المصرية الذي استشهد في واقعة ناحية (كوزلوه) ودفن بجوار (خان جامعي) الذي بالناحية المذكورة، وذلك بناء على رغبة الباشا السردار، والرسم المذكور مرفق طيه للاطلاع عليه، وحرر هذا للمعلومية. ا.ه.
وقد دفن سليم باشا فتحي بأمر سردار الجيوش العثمانية إكرام عمر باشا في كوزلوه (أوباتوريا) بالقرب من خان جامعي “Khan-Gamii”
ووضعت على قبره التركيبة المذكورة التي صنعتها له الدولة من المرمر.
ضريح المرحوم الفريق سليم فتحي باشا
وفي 29 جمادى الآخرة سنة 1271ه (19 مارس سنة 1855م) أصدر الوالي سعيد باشا إرادة سنية إلى ديوان الجهادية بترقية أباظة إسماعيل أفندي أحد أقرباء المرحوم سليم باشا فتحي إلى علمدار 10 جي ألاي بيادة الجنود المصرية في هذه الحرب؛ جزاء ما أبداه فيها من الشجاعة والإقدام؛ وها هي:
إرادة سنية من ديوان الخديو إلى ناظر الجهادية رقم 160 بتاريخ 29 جمادى الآخرة سنة 1271ه بدفتر المعية رقم 429
اقتضت مراحمنا العلية بإصعاد أباظة إسماعيل أفندي أحد أقرباء المرحوم سليم باشا فتحي باشبوغ العساكر المصرية بدار السعادة بتعينه علمدار 10 جي ألاي بيادة بناء على شهادة أمير لواء 9 جي و10 جي ألايات بيادة المؤرخة 27 جمادى الآخرة سنة 1271 (17 مارس سنة 1855م) التي عرضت علينا، وبعد الاطلاع عليها أصدرنا أمرنا هذا بإصعاد المذكور إلى الوظيفة المذكورة تلطيفا له على حسن خدماته، فبوصوله بادروا بمخابرة محل الاقتضاء بقيده بهذه الوظيفة من تاريخ إرادتنا. ا.ه. (4) سفر النجدة البرية المصرية الثالثة
وفي أوائل سنة 1855م تم حشد جنود النجدة البرية المصرية التي أمر الوالي سعيد باشا بإرسالها مساعدة للدولة في هذه الحرب، وقد أبحرت من الإسكندرية ميممة الآستانة، ومن ثم سافرت في 4 إبريل من السنة المذكورة إلى ميادين القتال.
وقد نشرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ 14 إبريل سنة 1855م خبر وصول 8000 جندي مصري إلى أوباتوريا؛ لتعزيز جيش السردار إكرام عمر باشا بها، وهاك ما قالته الجريدة المذكورة في هذا الصدد:
جيش عمر باشا في أوباتوريا تقوى بوصول 8000 جندي مصري. ا.ه.
واتفق عند وصول هذه النجدة أن كانت جيوش الحلفاء تشعر بمضايقة شديدة لقلة جنودها المحاربين، فاقترح المارشال كانروبير
Canrobert
قائد الجيوش الفرنسية طلب إمداد من الجنود المصرية؛ ليشدوا أزر جيوش الحلفاء في هذه الحرب، وهذا بلا نزاع أمر يشرف مصر أعظم تشريف، وقد ذكر هذه المصادفة العجيبة السيد فورتسكيو في مؤلفه (تاريخ الجيش البريطاني) ج13 ص180
History of British Army Vol, 13, p, 180 by the Honourable Fortisque . (5) بيان قوة النجدة البرية المصرية التي أرسلها سعيد باشا في حرب القرم
قوة النجدة البرية
الرتب
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
فرق
لواءات
ألايات
أورط
2 جي فرقة
الفريق أحمد باشا المنكلي: قائد
1
أركان حرب وتوابع الفرقة
50
البيادة:
5 جي لواء (18 جي و19 جي و20 جي بيادة)
اللواء (غير معروف اسمه)
1
أركان حرب وتوابع اللواء
30
18 جي بيادة
إسماعيل صادق بك: أمير ألاي
1
شاهين كنج بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
79
1 جي أورطة داود أفندي: بكباشي
1240
2 جي أورطة عمر أغا: بكباشي
1181
3 جي أورطة محمد أفندي: بكباشي
3618
1197
19 جي بيادة
سليم بك: أمير ألاي
1
محمد راغب بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
102
1 جي أورطة محمد أفندي: بكباشي
1483
2 جي أورطة علي أفندي: بكباشي
1377
3 جي أورطة مصطفى أفندي: بكباشي
4328
1468
20 جي بيادة
سليمان بك: أمير ألاي
1
بكري بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
116
1 جي أورطة حسين عاصم أفندي: بكباشي
1435
2 جي أورطة مصطفى أفندي: بكباشي
1426
3 جي أورطة محمد أفندي : بكباشي
12525
12494
4245
1384
جملة البيادة
12576
وجميع أورط هذه الأيات مكونة من 8 بلوكات على خلاف التي أرسلت في حكم عباس باشا فإنها مكونة من 4 بلوكات فقط.
قوة النجدة البرية
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
فرق
لواءات
ألايات
أورط
السواري
10 جي ألاي
1200
1200
1200
10
جملة السواري
1200
الطوبجية
أورطتان من الطوبجية البرية غير معروفة تبعيتهما لأي ألاي كل أورطة مكونة من 3 بطاريات، وكل بطارية من 6 مدافع فيكون عدد مدافع الأورطة 18 مدفعا، وعدد مدافع الأورطتين 36
1200
1200
1200
جملة الطوبجية
1200
مجموع قوات النجدة
قوات النجدة
عدد الجنود
البيادة
12576
السواري
1200
الطوبجية
1200
المجموع
14976
ومجموع المدافع 36 مدفعا.
وفي 18 شوال سنة 1271ه (4 يوليو 1855) أصدر الوالي سعيد باشا الإرادة الآتية إلى ناظر ديوان الجهادية بترقية الطبيبين يوسف منصور أفندي وأحمد الفقي أفندي، والصيدلي يوسف نسيم أفندي الملحقين ب 10 جي ألاي بيادة الجيوش المصرية في هذه الحرب من رتبة الملازم الثاني إلى رتبة الملازم الأول؛ مكافأة لهم على ما قاموا به من الخدم في الحرب المذكورة:
إرادة سنية من ديوان الخديو إلى ديوان الجهادية رقم 189 بتاريخ 18 شوال سنة 1271 ه، مقيدة بدفتر المعية رقم 429
اقتضت عواطفنا السنية ترقية الأفندية يوسف منصور وأحمد الفقي الأطباء، ويوسف نسيم الأجزجي، الحائزين لرتبة ملازم ثان والملحقين ب 10 جي ألاي البيادة المصرية بدار السعادة إلى رتبة ملازم أول؛ مكافأة لهم على الخدمات التي يجرون الآن تأديتها في الجيش، كما دل على ذلك حسن شهادة رؤسائهم، فبوصوله خابروا جهات الاختصاص بقيدهم في هذه الرتبة من تاريخ إرادتنا. ا.ه.
وأصدر الوالي أيضا بتاريخ 23 ذي القعدة سنة 1271ه (17 أغسطس سنة 1855م) إلى رئيس ديوان الجهادية الإرادة السنية الآتية بترقية اليوزباشي قاسم أفندي رئيس أطباء 10 جي ألاي بيادة المذكور إلى رتبة صاغقول أغاسي:
إرادة سنية من ديوان الخديو إلى رئيس ديوان الجهادية رقم 102 بتاريخ 23 ذي القعدة سنة 1271ه، مقيدة بدفتر المعية رقم 429
اقتضت مراحمنا العلية إسناد رتبة صاغقول أغاسي إلى اليوزباشي قاسم أفندي رئيس أطباء 10 جي ألاي البيادة المصرية بدار السعادة بناء على إنهاء سعادتكم المعروض علينا بتاريخ 5 شوال سنة 1271 (21 يونيو سنة 1855م)، فبوصول أمرنا هذا إليكم أجروا تنفيذه، وخابروا جهة الاقتضاء بقيده بالرتبة المذكورة من تاريخ إرادتنا. ا.ه.
وصدرت في هذا التاريخ أيضا ترقيات أخرى لبعض باشجاويشية ألايات البيادة المصرية في هذه الحرب وملازميها؛ وها هي كما عثرنا عليها بدار المحفوظات المصرية بالدفتر التركي رقم 2705 جزء أول:
سليمان محمد المنوفي باشجاويش فرقة 3 ط 3 ألاي 9 جي الذي بدار السعادة ترقى إلى رتبة ملازم ثان بالفرقة والطابور بالألاي المذكور.
محمد خطاب الجيزاوي باشجاويش فرقة 6 ط 3 بالألاي المذكور قبله ترقى الى رتبة ملازم ثان بفرقته وطابوره.
صالح أغا القبرصلي ملازم ثان فرقة 4 ط 3 ألاي 9 جي ترقى إلى رتبة ملازم أول بفرقة 2 ط 1 ألاي 9 جي.
عثمان أغا العنتابلي ملازم أول فرقة 1 ط 1 ألاي 9 جي ترقى إلى رتبة يوزباشي بالفرقة والطابور المذكور. (6) سقوط سباستبول وانهزام الروس حول أوباتوريا
وفي أواسط شهر يونيو سنة 1855م حضر من أوباتوريا السردار التركي إكرام عمر باشا إلى مدينة (سباستبول) بجيش من المصريين والأتراك يبلغ عدده 15000 جندي، ورابط في المنطقة التي كان يرابط فيها لواء الغارديا الإنكليزي والفرقة الإنكليزية الثانية بجوار مرتفعات (إنكيرمان)
Inkerman
وذلك استعدادا لمهاجمة هذه المدينة الحصينة.
وقد نشرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) نبأ وصول السردار إكرام عمر باشا بهذا الجيش إلى سباستبول في عددها الصادر بتاريخ 23 يونيه سنة 1855م فقالت:
في الدور النهائي لحصار سباستبول حضر عمر باشا بجيش قوته 15000 جندي من الأتراك والمصريين استعدادا للهجوم عليها، وقد رابط في المنطقة التي كانت تشغلها الفرقة الإنكليزية الثانية وألاي الغارديا الإنكليزي بجوار مرتفعات إنكيرمان. ا.ه
وفي 8 سبتمبر من هذه السنة سقطت قلعة سباستبول بعد حصار طويل دام عاما، فقرر المارشال الفرنسي بيليسييه
رئيس قواد الجيوش المتحالفة القيام باستكشاف مواقع الروس بقصد مهاجمتهم، فبعث بالجنرال دالونفيل
d’Allonville
إلى (أوباتوريا) ومعه ثلاث آلايات من سواري الفرنسيين، وكان معها المشير التركي أحمد باشا وبصحبته ثلاثون مدفعا، وثلاث فرق إحداها من البيادة والثانية من السواري الأتراك والثالثة من البيادة المصريين.
وخرج الجنرال دالونفيل من (أوباتوريا) في 19 سبتمبر سنة 1855م ومعه 3000 جندي من البيادة الترك والمصريين، و1500 من السواري الأتراك و1000 من السواري الفرنسيين، وانقسم هذا الجيش إلى قسمين، اتجه أحدهما صوب الشمال بقيادة أحمد باشا، والآخر نحو الجنوب الشرقي بقيادة الجنرال دالونفيل، وقام هذا القسم الأخير عندما انتصف الليل فوصل في الساعة الرابعة صباحا إلى نقط الجيش الروسي الأمامية، وفي الحال تراجعت الجيوش المحتشدة بها، وأطلقت دخانا في الفضاء لتنذر باقتراب العدو.
وبينما الجنرال دالونفيل يتأهب للاستفادة من الاضطراب الذي حدث في صفوف الروس من هذه المباغتة بالانقضاض عليهم إذا بضباب يرتفع وينتشر حتى صار يحول دون أن يرى المرء شيئا على قيد 20 خطوة.
وفي الساعة الثامنة تبدد هذا الضباب، وأخذت الجنود في السير وزحفت في المقدمة أورطتان من المصريين تعاضدهما أخريان من الأتراك تساعدهما بطارية تركية وأخرى فرنسية، وكان يوجد أمام هذه القوة 3 آلاف من السواري الروس وبطاريتان، ولكنهم لم ينتظروا حتى يصطدموا بها، بل تراجعوا تاركين علفهم وحبوبهم، وقد أكره المشير التركي أحمد باشا أيضا الروس على الانسحاب.
وبسبب وقوع أحمد باشا المنكلي في مخالب المرض طلب من سعيد باشا أن يأذن له بالرجوع إلى مصر، وفي 15 محرم سنة 1272ه (27 سبتمبر سنة 1855م) أجاب طلبه وعين محله في القيادة العامة اللواء إسماعيل باشا أبا جبل قائد الجيوش المصرية النازلة في القرم، وعين اللواء علي باشا شكري بنفس هذه الوظيفة في الروم ايلي، وصدرت الأوامر الثلاثة هذه في يوم واحد؛ وإليك الإرادات السنية التي صدرت بذلك:
1
إرادة إلى أحمد باشا المنكلي بتاريخ 15 محرم سنة 1271 رقم 24، مقيدة بالدفتر رقم 492
قد اطلعنا على إفادة دولتكم الرقيمة غاية الحجة سنة 1271 وعلم منها أنكم عندما كنتم في العام الماضي بالآستانة حصل لكم اضطراب شديد بسبب الرياح التي اعترضت ظهركم وركبكم من مدة مديدة، ولمناسبة أن برد الجهات التي توجدون بها الآن أشد من برد الآستانة، وبسبب قرب حلول فصل الشتاء وشدة اضطرابكم الآن لدرجة تمنعكم عن أداء مأموريتكم وقد ترون أنه في حالة الترخيص لكم بالحضور لهذا الطرف إحالة إدارة العساكر المصرية وكالة لعهدة اللواء إسماعيل باشا، ومن حيث إن الأمر كما ذكرتموه فقد اقتضت إرادتنا المساعدة لكم بالعودة لهذا الطرف، وإحالة إدارة العساكر المصرية التي بجهة القرم إلى المومى إليه إسماعيل باشا، وأيضا إحالة إدارة العساكر المصرية التي بالروم ايلي إلى عهدة علي باشا، ثم إن الأوامر التي صدرت بهذا الخصوص قد أرسلت للمشار إليهما، فلدى وصول علمكم بذلك تجرون إجراء التنبيهات والوصايا اللازمة من قبلكم أيضا وتبادرون بالحضور، وقد حرر هذا للمعلومية. ا.ه.
2
إرادة إلى إسماعيل باشا الباشبوغ الذي بالقرم تاريخها 15 محرم سنة 1272، ومقيدة بالدفتر رقم 492
بناء على ما هو معلوم لنا فقد اقتضت إرادتنا الكريمة إحالة إدارة شئون العساكر المصرية الموجودة بكوزلوه بالوكالة عن سعادة أحمد باشا المنكلي لمناسبة؛ اشتداد ألم الرياح المصاب بها في ظهره وركبتيه في أيام الشتاء لدرجة تمنعه عن أداء وظيفته التي يحتاج أداؤها للجسم السليم، وعلى الخصوص قرب حلول فصل الشتاء، كما أن إرادة شئون العساكر المصرية التي بجبهة الروم ايلي قد أحيلت إلى عهدة علي باشا، وقد صار إخطار الباشا المشار إليه بذلك وبالعودة إلى هذا الطرف، وأملنا أن التنبيهات والوصايا التي ستلقى عليك من الباشا المشار إليه وانضمام درايتك واجتهادك ستوصلانك إلى حسن أداء إدارة العساكر المذكورة، ومثابرتك ليلا ونهارا للمحافظة على عدم وقوع ما يخالف الشرف العسكري، وقد حرر هذا للمعلومية. ا.ه.
3
إرادة إلى علي باشا الذي بجهة الروم ايلي تاريخها 15 محرم سنة 1272، مقيدة بالدفتر رقم 492
بناء على ما هو معلوم لدينا قد اقتضت إرادتنا الكريمة إحالة إدارة شئون العساكر المصرية التي بجهة الروم ايلي إلى عهدتكم بالوكالة عن سعادة أحمد باشا المنكلي بمناسبة الأسباب التي سردها بإفادته المؤرخة غاية ذي الحجة سنة 1271، كما أن إدارة العساكر التي بجهة القرم بكوزلوه قد أحيلت إلى عهدة إسماعيل باشا، والأمل أصغاؤكم إلى تنبيهاته التي ستلقى عليكم قبل قيامه لهذا الطرف حيث حرر له بالعودة وبذل جهدكم في أداء إدارة العساكر المذكورة، ومثابرتكم ليلا ونهارا على عدم وقوع ما يخالف الشرف العسكري، وبذا تكونون قد أديتم واجبا تشكرون عليه عند الجميع، وقد حرر هذا للمعلومية. ا.ه. •••
وقد بعث نجاح الجيوش المتحدة في هذه الحرب الجرأة في قلب قائدها، وشدد عزائمه على القيام بمحاولة أخرى فأرسل ثلاث فرق من أوباتوريا في 29 سبتمبر سنة 1855م لمطاردة طلائع الروس.
فاتجهت الأولى يمينا وكانت مؤلفة من 5 آلاف جندي من المصريين البيادة و10 مدافع مصرية و500 من سواري الأتراك بقيادة اللواء إسماعيل باشا أبي جبل، ولبثت الفرقة الثانية في الوسط، وكانت مؤلفة من 4000 جندي من البيادة المصريين و5 مدافع مصرية و1500 من السواري الفرنسيين بقيادة الجنرال دالونفيل، وسارت الفرقة الثالثة إلى الجهة اليسرى، وكانت مكونة من 7000 جندي من البيادة و2000 من السواري و17 مدفعا، وكانت جنود هذه الفرقة كلها من الأتراك تحت أمرة المشير أحمد باشا، والتقت الفرقة الأولى المصرية بشراذم من القوازق فدحرتهم وأسرت البعض منهم، واستولت على مقدار من الأسلحة والحبوب.
ثم بعد ذلك تلاقت الفرق الثلاث وانضمت إلى بعضها وألقت عصا التسيار.
وفي أثناء ذلك لحظ الجنرال دالونفيل 18 كتيبة من القوازق معها مدفعية تحاول الالتفاف حول ميمنته، فأصدر في الحال الأمر إلى السواري الفرنسيين والأتراك بالزحف لقتالها بمعاضدة الجيوش المصرية، فاشتعلت نار الحرب، ودارت الدائرة على القوازق فدحروا وولوا مدبرين تاركين في حومة الميدان 170 أسيرا و250 حصانا و6 مدافع بعجلاتها وصناديقها استولت عليها جيوش الحلفاء.
وجاء في كتاب (تاريخ الحرب في ورسيا وتركيا ص557)
History of the War in Russia and Turkey p, 577
أن المارشال الفرنسي بيليسييه القائد العام لجيوش الحلفاء وصف هذه الموقعة فقال: إنها من الأعمال المجيدة المشرفة للذين اشتركوا في القيام بها من جنود وقواد، وأصدر بذلك بيانا للجيش المتحالف جاء فيه فوق ما ذكر أن الجنرال دالونفيل أثنى ثناء جما على الجيوش التركية والمصرية، وأطنب كذلك فيما لاقاه منهم من المساعدة.
وفي 23 أكتوبر سنة 1855م زحف الجنرال دالونفيل مرة أخرى، وكان معه عدا من ذكروا لواء من السواري الإنكليز، وكان في مقدمته الجيوش المصرية الذين امتازوا بقهر صفوف الروس.
وفي ديسمبر من هذه السنة (1855م) سافر قسم من الجنود المصرية من أوباتوريا إلى طرابزون؛ إمدادا للجيش المرابط في هذه الجهة كما ذكر ذلك توماس بزارد في كتابه (مع الجيش التركي في القرم وآسيا الصغرى ص255)
With the Turkish Army in the Crimea & Asia Minor, P, 255, by Thomas Buzzard, London, 1915.
ونشرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) في هذا الصدد بعددها الصادر بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1855م ما معربه :
في أواخر هذه السنة (1855م) تغلب الروس على الترك في آسيا فأرسل 3000 جندي مصري إلى طرابزون؛ إمدادا للجيش الذي في تلك الجهة. ا.ه.
هذا هو نهاية ما استطعنا الوصول إلى جمعه من المعلومات عن حركات الجيوش البرية والبحرية المصرية في هذه الحرب التي بلغت منتهى الشدة؛ لأن الشتاء في عامي 1854 و1855م لم تر أوروبا أشد ولا أصعب منه، فعانى الجنود المصريون البريون والبحريون منه الأمرين؛ خصوصا أنهم لم يعتادوا مثل هذا المناخ، غير أن سلوكهم كان كما سجلته الشهادات التي ذكرت قبلا، والتي ستذكر فيما بعد فوق كل مدح وثناء فنالوا بسبب ذلك أعلى مراتب الشرف.
ويحسن بنا أن نورد هنا القصيدة البليغة التي نظمها المرحوم عبد الله باشا فكري يصف فيها واقعة (سباستبول)، وانتصار الأتراك والمصريين فيها على الروس سنة 1272ه (سنة 1855م)، ويدل مجموع حروف كلا شطري مطلعها على تاريخ هذه الحرب بالسنين الهجرية بحساب الجمل، وها هي نقلا عن كتاب (الآثار الفكرية) لابنه المغفور له أمين فكري باشا ص83: (سنة 1272) لقد جاء نصر الله وانشرح القلب
لأن بفتح القرم هان لنا الصعب (سنة 1272)
وقد ذلت الأعداء في كل جانب
وضاق عليهم من فسيح الفضا رحب
بحرب تشيب الطفل من فرط هولها
يكاد يذوب الصخر والصارم العضب
2
إذا رعدت فيها المدافع أمطرت
كئوس منون قصرت دونها السحب
تجرع آل الأصفر الموت حمرا
وللبيض في مسود هاماتهم نهب
تراهم سكارى للظبي في رءوسهم
غناء ومن صرف المنايا لهم شرب
إذا وقعت ذات البروج وأبصروا
بها السور يتلو السجدة انفطر القلب
وإن هز لدن الرمح غصن قوامه
فكل دم فيهم إلى قده صب
وما احمر خد السيف إلا وأصبحت
رقابهم شوقا لتقبيله تصبو
وقد غرهم من قبل كثرة جيشهم
فلم يغن عنهم ذلك الجيش والركب
وولوا يجدون الفرار بعسكر
تحكم فيه القتل والأسر والسلب
وأين يسومون النجاة وخلفهم
تسابقت الخيل المسومة الشهب
ولو سلموا مرهف السيف أو خلوا
بأنفسهم يوما لأفناهم الرعب
فقد راعهم من آل عثمان دولة
مجيدية دانت لها الترك والعرب
وجاء بشير النصر يشدو مؤرخا
لقد جاء نصر الله وانشرح القلب (7) وقف الحرب وعقد الصلح
وبعد ذلك بوقت وجيز وضعت الحرب أوزارها بسبب عقد الصلح بين الدولة وروسيا في أواسط سنة 1856م، وقد أرسل السلطان عبد المجيد إلى والي مصر باشا فرمانا بالتركية في أوائل مايو من هذه السنة يشكره على ما قدمه للدولة من المساعدة في هذه الحرب، ويثني على بسالة الجنود المصرية فيها، ويعلنه بعقد الصلح بينه وبين روسيا.
وإليك ترجمة الفرمان المذكور بالعربية:
فرمان همايوني
وزيري سمير المعالي سعيد باشا والي مصر
إن ما أظهرتموه أنتم أيضا من الحمية من جانبكم في المسألة التي انتهت بهذا الصلح الخيري بتوفيق الله تعالى على الوجه المبين في أمري عالي الشأن هذا قد وقع لدينا موقع التحسين والتقدير، وما قمتم به من الخدمات وما بذله عساكرنا القادمون من مصر من الجهد قد استلزما رضاءنا وسرورنا فوق العادة، فالله تعالى وتقدس يوفقكم في كل حال بتوفيقاته الصمدانية، آمين.
3
الفرمان الهمايوني الذي جاء لمصر من الدولة العلية بعقدها الصلح مع الروسيا والسطور الصغيرة التي في أعلى الفرمان كتبها السلطان عبد المجيد بيده الشريفة.
الدستور الأكرم المعظم المشير الأفخم المحترم، ناظم مناظم الأمم، مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب، متمم مهام الأنام بالرأي الصائب، ممهد بنيان الدولة والإقبال، مشيد أركان السعادة والإجلال، مرتب مراتب خلافته الكبرى، مكمل ناموس سلطانته العظمى، المحفوف بصفوف عواطف الملك الأعلى، وزيري سمير المعالي سعيد باشا والي أيالة مصر، الحائز لرتبة الصدارة الجليلة وللنشان المجيدي الهمايوني الأول، أدام الله تعالى إجلاله، وضاعف بالتأييد اقتداره واقباله، فليكن معلوما لدى وصول توقيعي الهمايوني الرفيع، أنه بتوفيق الله تعالى قد تكالمت المساعي التي بذلتها الدولة والأمة بالنجاح، وانتهت الحرب الحاضرة بصلح خيري موافق لحقوق سلطتنا السنية ومصالحها، وصدق من طرفنا الشاهاني على المعاهدة العمومية التي عقدت في هذا الخصوص، وأعلن وأذيع ذلك بمقتضى إرادتنا السنية ليكون معلوما للجميع.
إن جميع عساكرنا الشاهانية التي دعيت للخدمة في الدفاع عن الوطن في هذا الحرب التي انتهت بالنصر التام، وعلى الخصوص العساكر التي قدمت من مصر قد قامت بوظائفها خير قيام بالطاعة والخضوع، وبالصبر على متاعب ومشاق السفر، وبالبسالة والشجاعة التي هي من أجل الصفات العسكرية، وبذلك رفعوا شأن العسكرية العثمانية، ودونوا في أجمل صحائف توارخنا آثار بطولتهم العديدة، وخلدوا أسماءهم في العالم، وأني راض عنهم ومسرور منهم جميعا، وأذكرهم دائما بالدعاء لهم بالخير.
إن عموم تبعتنا الشاهانية بدون أي فارق بينهم، قد قامت بخدمات دولتنا العلية في هذه المسألة على أكمل وجه، وأظهرت علائم الصداقة والمحبة من كل الوجوه لذاتنا الشاهانية ولدولتهم ولوطنهم، وكذلك جميع موظفي الدولة وعموم رؤساء الملة قد أظهروا آثار الحمية والصداقة في تنفيذ الأوامر، ونالوا تقديرنا وتحسيننا الملكي، وبالأخص ما أظهرته أنت أيضا من جانبك في هذه المسألة من مآثر الغيرة والحمية قد كان له أكبر تقدير لدى ذاتنا الشاهانية، والخدمات التي أديتها أوجبت سرورنا فوق العادة، كما أن الخدمات التي قام بها جميع رعايانا باتحاد القلوب لدولتنا العلية وقت الحرب أنتجت مثل هذه النتيجة الحسنة، ولأجل أن تستفيد كافة مملكتنا الشاهانية من الصلح الذي تم، فمأمولي من غيرة جميع رعايانا أن يكونوا يدا واحدة، وأن يتحدوا على حب الوطن، وأن يبذل جميع موظفي دولتنا العلية جهدهم التام في شئون وظائفهم كما هو مأمول منهم؛ حتى تظهر فعلا آثار النظامات الخيرية التي وفقت لتأسيسها بعون الله تعالى ظهورا تاما حسب رغبتي الشاهانية القاطعة، ويكتسب ملكنا وشعبنا شرفا وشأنا آخر في العالم مع تزايد ثروتهما وسعادة حالهما، وأدعو الله أن يتم ذلك.
وإن ما أظهرته الدولة الفخيمة المحالفة لسلطانتنا السنية والمتفقة معها من العطف والكرم هذه المرة نحو دولتنا العلية ليس مما ينسى ذكره في أي وقت من الأوقات، والشكر عليه باق في قلوب العثمانيين إلى الأبد، وإن ذكرى عساكر دول الاتفاق الشجعان الذين أبرزوا مآثر حميدة في ميدان الحرب بإراقة دمائهم لأجلنا، ستخلد في تاريخ العثمانيين أيضا كما تخلد في تورايخ دولهم، وبما أنه رؤي من المناسب إعلان معاهدة الصلح التي عقدت تيمنا بذلك مع إبلاغ سرورنا الشاهاني للجميع، فقد أصدرت أمري هذا الجليل القدر من ديواني الهمايوني، فأنت أيها الوالي المشار إليه، عليك لدى وصول فرماني الملكي الجليل العنوان إليك، أن تعلن ذلك وتذيعه للجميع، وتبلغهم أن ما أظهروه من الحمية، وما قدموه من الخدمات الحسنة إلى الآن، قد أوجبا سرورنا الشاهاني، وأن تبذل ما في وسعك بعد الآن أيضا في اتخاذ الوسائل ليقوموا بواجباتهم الوطنية، ويراعوا الصداقة، فاعلم ذلك واعتمد على علامتنا الشريفة.
تحريرا في أواخر شهر شعبان المعظم سنة اثنتين وسبعين ومئتين وألف. ا.ه.
ولدى رجوع الجنود المصرية إلى الآستانة منح السلطان ذوي الكفاءة منهم، والذين امتازوا بأعمال مجيدة أوسمة قبل رجوعهم إلى وطنهم، وقد عثرنا على فرماني وسامين من هذه الأوسمة بالعربية منحهما في هذا التاريخ جلالة السلطان عبد المجيد إلى كل من علي حسن من الجنود المصرية التي خاضت غمار هذه الحرب ب 11 جي ألاي بيادة 1 جي طابور 4 جي فرقة ومن ناحية بشبيش غربية، وحسن علي من 19 جي بيادة 2 جي أورطة 8 جي بلوك ومن ناحية أخميم
4
بمديرية أسيوط، وتجد صورتي الفرمانين المذكورين منشورتين هنا.
فرمان وسام الجندي علي حسن
فرمان وسام الجندي حسن علي
هكذا ورد في الإفادات التي نقلناها من دفاتر دار المحفوظات، وسيمر بك فيما بعد نقلا عن هذه الدفاتر أيضا أن إسماعيل باشا أبا جبل كان أمير لواء الألايين 9 جي و10 جي بيادة فيجوز أن يكون قد عين لهما أولا سليمان باشا المذكور هنا ثم إسماعيل باشا أبي جبل فيما بعد. هذا إن لم يكن ذلك خطأ من كتبة الدفاتر المذكورة.
الصارم والعضب من أسماء السيف.
هذه ترجمة الأسطر الصغيرة التي كتبها السلطان عبد المجيد بيده الشريفة في أعلى الفرمان المنشور نصه التركي قبل هذه الصفحة.
الآن من مديرية جرجا.
شهادات قواد الجيوش المتحالفة ببسالة الجنود المصرية في حرب القرم
وهذه شهادات أخرى غير التي أتينا على ذكرها آنفا، وجميعها صادرة من قواد أجانب يشهدون لجنودنا بشرف حسن السلوك والبسالة والإقدام.
1
كتب الأميرال الإنكليزي سليد
Slade ، الذي كان موظفا في تركيا وسمي مظفر باشا واشترك في هذه الحرب وألف عنها تاريخا سماه (تركيا وحرب القرم ص120
Turkey and The Crimean War p, 120 ) عن الجنود المصرية ما يأتي:
هؤلاء هم الجنود الذين ألقي القبض عليهم بغلظة، وانتزعوا من عقر دورهم وصياح أولادهم من حولهم يطن في آذانهم، وانتقلوا من ضفاف فروع النيل المضيئة بنور الشمس إلى غدران نهر الدانوب القاتمة، ومع هذا قد ظلوا إلى نهاية الحرب محتفظين ببسالتهم وقوة روحهم العسكرية، وامتازوا دواما سواء أكان ذلك في بلغاريا أم غيرها في الحروب، وأظهروا في كل وقت وآن جلدا وصبرا عند التعب والحرمان، غير أنه ويا للحسرة والندم نصفهم ألقى آخر نظرة إلى مصر لدى سفره منها. ا.ه.
2
وجاء في خطاب كتبه الجنرال الفرنسي أوسمون إلى مسيو أميه فانترينيه
Aimé Vingtrinier
بتاريخ 4 مايو، وهذا الأخير نشره في مؤلفه الذي سماه (سليمان باشا ص574
Soliman Pasha p, 574 ) قال فيه بصدد حرب القرم ما يأتي:
لقد أتى في غضون حرب القرم قسم من أولئكم الجيوش المصرية المجيدة ليعاونونا في أعمال الحرب، ورأيت في أوباتوريا عندما كنت محافظا لها فرقة مصرية مؤلفة من زهاء 12 ألف جندي، وهي تكون جزءا من جيش عمر باشا، رأيتها في المناورات، ورأيتها في الحرب تقاتل إلى جنب فرقتين من الجيش التركي، وأنا أصرح أنها تفوق هاتين الفرقتين في كل أمر. ا.ه.
وجاء في الكتاب السابق ص572 في مقالة نشرتها المنيتور
Moniteur
وهي جريدة كانت تصدر في ذلك العهد ما يأتي:
3
وتعتبر الجنود المصرية أحسن جنود في أوباتوريا، وهذه كانت أيضأ شهرتهم في حرب الدانوب، ويعلم الجميع أنهم ألقوا على كاهلهم كل أعباء الدفاع عن سلستره. ا.ه.
وهذه الشهادات مضافا إليها الشهادات السابقة الصادرة من أعلى المصادر وأعاظم القواد الذين اشتركوا في هذه الحرب مثل المارشال سان أرنو
Saint Arnaud
القائد الفرنسي ورئيس القواد العام لجيوش الحلفاء الذي مات بالكوليرا خلال الحرب، والمارشال بيليسييه الذي حل محله في وظيفته بعد وفاته، وكذلك شهادات اللورد رجلان رئيس قيادة الجيش الإنكليزي العام من شأنها تشريف جيشنا الذي اشترك في هذه الحرب، وإعلاء منزلته، ورفع قيمة ضباطه وصف ضباطه.
وإني أعتقد أن جنود جيشنا الحالي لو سنحت لهم الفرصة لحذوا حذو أسلافهم ويشرفونا كما شرفنا هؤلاء.
مساعدات مصر للدولة العلية في هذه الحرب
ويجدر بنا بعد ذلك أن نجمع فيما يلي كل المساعدات التي قدمتها مصر للدولة العلية في هذه الحرب؛ تنويها بهذه الخدم الجليلة التي قدمتها لها، وهذه المساعدات تشمل الأساطيل البحرية والجنود البرية التي حشدتها مصر وزودتها بالميرة والسلاح، وأرسلتها إلى ميادين القتال، وضحت بها في نيران هذه الحرب المتأججة التي دامت عامين متوالين للذود عن حياض الدولة ومناهضة أعدائها.
وتشمل أيضا ما أرسلته إليها من الأموال التي تبرع بها الوالي عباس باشا الأول ونجله الهامي باشا والموظفون فيها؛ مساعدة لها في نفقات الحرب المذكورة، وكذلك ما أرسلته إليها من الذخائر والأسلحة.
وهذا العمل الذي قامت به مصر حيال الدولة قدمته لها عن طيب خاطر في وقت كانت فيه ميزانية الحكومة المصرية لم تجاوز 4 ملايين من الجنيات، وكان عدد جيشها المستديم كبير جدا؛ إذ بلغ 93947 من الجنود، وكانت النفقة عليه طائلة كثيرة ومع ذلك لم تكن الحكومة مدينة بدين ما.
فلينظر المصريون أين ذلك الوقت من وقتنا هذا الذي بلغ فيه عدد الجيش المصري 11000 جندي، وبلغت ميزانية الحكومة 25 مليونا من الجنيهات؛ ليدركوا الفرق الشاسع بين زماننا وذلك الزمان.
وهذا بيان المساعدات المصرية: (1) الأساطيل البحرية والجيوش البرية (1-1) حكم عباس باشا الأول
الأساطيل البحرية
عدد الجنود
الفريق حسن باشا الإسكندراني، قائد عام الجيش البحري
1
أركان حرب وتوابع الفرقة
50
الغليون مفتاح جهاد وبه 100 مدفع بقيادة القائمقام طاهر بك
1040
الغليون جهاد أباد وبه 100 مدفع بقيادة القائمقام خليل بك
1040
الغليون الفيوم وبه 100 مدفع بقيادة القائمقام محمود بك
1040
الفرقاطة رشيد وبها 60مدفع بقيادة البكباشي مرجان قبودان
631
الفرقاطة شير جهاد وبها 60 مدفعا بقيادة البكباشي خورشيد قبودان
631
الفرقاطة دمياط وبها 60 مدفعا بقيادة البكباشي أحمد شاهين قبودان
631
الفرقاطة البحيرة وبها 60 مدفعا بقيادة البكباشي حجازي أحمد قبودان
631
وابور النيل وبه 30 مدفعا بقيادة القائمقام عبد الحميد قبودان
371
قرويت جناح بحري وبه 24 مدفعا بقيادة الصاغقول أغاسي زنيل قبودان
213
قرويت جهاد بيكر وبه 24 مدفعا بقيادة الصاغقول أغاسي حسن أرنئود قبودان
213
جويليت الصاعقة وبه 12 مدفعا بقيادة الصاغقول أغاسي طاهر قبودان
179
الوابور بروانا بحري وبه 12 مدفعا بقيادة الصاغقول أغاسي صالح قبودان
179
6850 جملة الجنود و642 جملة المدافع.
الجيوش البرية
الرتب
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
فرق
ألوية
ألايات
أورط
1 جي فرقة
الفريق سليم فتحي باشا القائد العام للجيش البري
1
أركان حرب وتوابع الفرقة
50
البيادة:
1 جي لواء (9 جي و10 جي بيادة)
أمير اللواء إسماعيل باشا أبو جبل
1
أركان حرب وتوابع اللواء
30
9 جي بيادة
محمد رستم بك: أمير ألاي
1
إبراهيم أدهم بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
71
1 جي أورطة: خورشيد أفندي بكباشي
809
2 جي أورطة: محمد أفندي بكباشي
708
3 جي أورطة: حسين أفندي راغب بكباشي
2290
773
10 جي بيادة
حسين بك: أمير ألاي
1
مصطفى بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
41
1 جي أورطة: عبد الكريم أفندي بكباشي
838
838
2 جي أورطة حسن صادق أفندي بكباشي
991
3 جي أورطة سليم ساطع أفندي بكباشي
5260
5229
1985
994
2 جي لواء (11 جي و12 جي بيادة)
أمير اللواء علي شكري باشا
1
أركان حرب وتوابع اللواء
30
11 جي بيادة
محمد حافظ بك: أمير ألاي
1
خورشيد بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
65
1 جي أورطة داود أغا بكباشي
880
2 جي أورطة صالح أفندي بكباشي
860
3 جي أورطة مصطفى أفندي بكباشي
2610
870 (12 جي بيادة)
الحاج رشوان بك: أمير ألاي
1
عبد الرحمن بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
52
1 جي أورطة إبراهيم أغا بكباشي
850
2 جي أورطة عبد الحميد أغا بكباشي
825
3 جي أورطة عبد الرحمن أفندي بكباشي
5269
5238
2507
832
3 جي لواء (13 جي و14 جي بيادة)
أمير اللواء سليمان باشا الأرنئوطي
1
أركان حرب وتوابع اللواء
30
13 جي بيادة
مصطفى بك: أمير ألاي
1
نجم الدين بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
160
1 جي أورطة الحاج فضل الله أغا بكباشي
820
2 جي أورطة محمد أغا بكباشي
815
3 جي أورطة محمد سعيد أفندي بكباشي
2447
812
14 جي بيادة
علي بك: أمير ألاي
1
محمد بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
67
1 جي أورطة صادق أغا بكباشي
805
2 جي أورطة علي أفندي بكباشي
807
3 جي أورطة مصطفى أفندي بكباشي
5124
5093
2415
803
4 جي لواء (15 جي و16 جي و17 جي بيادة)
أمير اللواء إبراهيم شركس باشا
1
أركان حرب وتوابع اللواء
30
15 جي بيادة
إبراهيم بك: أمير ألاي
1
يوسف غالب بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
64
1 جي أورطة مصطفى أفندي: بكباشي
957
2 جي أورطة محمد صدقي أفندي: بكباشي
930
3 جي أورطة أحمد حمدي أفندي: بكباشي
2837
950
16 جي بيادة
أحمد بك: أمير ألاي
1
فرهاد بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
55
1 جي أورطة أحمد أغا: بكباشي
955
955
2 جي أورطة جعفر أغا: بكباشي
955
3 جي أورطة محمد أفندي: بكباشي
1903
948
17 جي بيادة
رجب بك: أمير ألاي
1
خسرو بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
43
1 جي أورطة أحمد عوني أفندي: بكباشي
876
2 جي أورطة محمد حافظ أفندي: بكباشي
863
3 جي أورطة رسول أغا: بكباشي
8497
8466
2603
864
جملة البيادة
24201
وجميع أورط هذه الألايات مكونة من 4 بلوكات.
الرتب
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
فرق
ألوية
ألايات
أورط
السواري:
لواء السواري الطوبجية
أمير اللواء جعفر صادق باشا
1
أركان حرب وتوابع اللواء
30
9 جي سواري
عثمان بك: أمير ألاي
1
محمد صدقي بك: قائمقام
1
محمد ثابت أفندي 1 جي بكباشي
1
أحمد عوني أفندي 2 جي بكباشي
1
أركان حرب وأقسام الألاي
45
6 أورط وقائد الأورطة يوزباشي
1291
1260
1211
1211
جملة السواري
1291
الطوبجية:
3 جي طوبجية
إسماعيل بك: أمير الألاي
1
خورشد بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
53
1 جي أورطة علي وهبي أفندي بكباشي
714
2 جي أورطة مصطفى حمدي أفندي بكباشي
646
3 جي أورطة عبد الحليم أفندي بكباشي
672
4 جي أورطة محمد خلوصي أفندي بكباشي
2672
640
2727
1 جي أورطة من 1 جي طوبجية
شاكر حسن أفندي بكباشي
3339
612
612
جملة الطوبجية
3339
وعدد المدافع لكل بطارية 6 وعدد البطاريات لكل أورطة 3؛ فيكون عدد المدافع للأورطة 18 وللألاي 72 ويكون مجموع المدافع 90 مدفعا.
مجموع الجنود المرسلة في حكم عباس باشا الأول
الجيوش
الجنود
البيادة
السواري
الطوبجية
الجيش البحري
6850
24201
1291
3339
الجيش البري
28831
المجموع
35681
24201
1291
3339
المدافع
الجيش البحري
642
الجيش البري
90
المجموع
732 (1-2) حكم سعيد باشا
الجيوش البرية
الرتب
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
فرق
ألوية
ألايات
أورط
2 جي فرقة
الفريق أحمد باشا المنكلي قائد
1
أركان حرب وتوابع الفرقة
50
البيادة:
5 جي لواء (18 جي بيادة و19 جي بيادة و20 جي بيادة)
أمير اللواء (غير معروف اسمه)
1
أركان حرب وتوابع اللواء
30
18 جي بيادة
إسماعيل صادق بك: أمير ألاي
1
شاهين كنج بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
79
1 جي أورطة داود أفندي بكباشي
1240
2 جي أورطة عمر أغا بكباشي
1181
3 جي أورطة محمد أفندي بكباشي
3618
1197
19 جي بيادة
سليم بك: أمير الاي
1
محمد راغب بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
102
1 جي أورطة محمد أفندي بكباشي
1483
1483
2 جي أورطة علي أفندي بكباشي
1377
3 جي أورطة مصطفى أفندي بكباشي
2845
1468
20 جي بيادة
سليمان بك: أمير ألاي
1
بكري بك: قائمقام
1
أركان حرب وأقسام الألاي
116
1 جي أورطة حسين عاصم أفندي بكباشي
1435
2 جي أورطة مصطفى أفندي بكباشي
1426
3 جي أورطة محمد أفندي بكباشي
12525
12494
4245
1384
جملة البيادة
12576
وجميع أورط هذه الألايات مكونة من 8 بلوكات على خلاف التي أرسلت في حكم عباس باشا فإنها مكونة من 4 بلوكات فقط.
الرتب
عدد ضباط وصف ضباط وعسكر
فرق
ألوية
ألايات
أورط
السواري
10 جي ألاي
1200
1200
1200
جملة السواري
1200
الطوبجية
أورطتان من الطوبجية البرية غير معروفة تبعيتهما لأي ألاي كل أورطة مكونة من 3 بطاريات، وكل بطارية من 6 مدافع فعدد المدافع يكون 18 للأورطة و36 للاثنتين
1200
1200
1200
جملة الطوبجية
1200
مجموع الجنود المرسلة في حكم سعيد باشا
البيادة
12576
السواري
1200
الطوبجية
1200
مجموع الجنود
14976
مجموع المدافع
36
مجموع قوى الجيوش البحرية والبرية المرسلة في عهدي عباس الأول وسعيد
الجيوش
الجنود
البيادة
السواري
الطوبجية
الجيش البحري
6850
36777
2491
4539
الجيش البري
43807
المجموع
50657
36777
2491
4539
عدد المدافع
الجيش البحري
642
الجيش البري
126
المجموع
768 (2) التبرعات المالية
حكم عباس باشا الأول
بلغت تبرعات مصر للدولة في هذه الحرب 17000 كيس؛ أي: 85000 جنيه مصري باعتبار الكيس 5 جنيهات، وإليك ما جاء عن هذه التبرعات في تقويم الوقائع العثماني سنة 1270ه (1854م):
قد تبرع حضرة صاحب الفخامة عباس باشا والي مصر المشار إليه بمبلغ 8000 كيس نقدية (40000 جنيه مصري) محسوبا على مطلوبه من خزينة المالية الجليلة، وتبرع حضرة صاحب الدولة إلهامي باشا نجل المشار إليه أيضا بمبلغ 2000 كيس نقدية (10000 جنيه مصري) إعانة للنفقات الحربية.
وقدم حضرة صاحب السعادة حسن باشا الذي حضر لدار السعادة هذه المرة إلى خزينة المالية الجليلة مبلغ 7000 كيس نقدية (35000 جنيه مصري) تبرع به الموظفون وسائر عبيد المحضرة الشاهانية الموجودون بمصر، والتمس قبوله بكتاب محرر منه وصدرت الإرادة الشاهانية بالموافقة. ا.ه. (3) الذخائر والأسلحة
حكم عباس باشا الأول وسعيد باشا
وأرسلت مصر إلى الدولة عدا الجنود والمال كمية كبيرة من الذخائر والأسلحة، فأرسلت إليها في ديسمبر سنة 1853م 1250 صندوقا بها 25000 بندقية، وفي أكتوبر سنة 1854م أرسلت إليها 36 مدفعا و10800 قذيفة، وقد ورد في دفاتر دار المحفوظات المصرية وغيرها من المصادر بشأن إرسال هذه الأسلحة والذخائر ما يأتي:
1
إفادة من ديوان الكتخدا إلى ديوان عموم الجهادية رقم 77 بتاريخ 7 ربيع الأول سنة 1270ه (8 ديسمبر سنة 1853م)، مقيدة بالدفتر التركي رقم 2691
وردت إفادة من محافظ الإسكندرية مؤرخة 20 صفر سنة 1270ه (22 نوفمبر سنة 1853م) تحت رقم 306 تفيد أن ال 1250 صندوقا الموضوع بداخلها 25000 بندقية المراد إرسالها إلى الآستانة وردت بواسطة القائمقام مصطفى أفندي، وقد صار تسلمها من المذكور وحرر هذا للإحاطة. ا.ه.
2
وذكرت جريدة (ذا اللستريد لندن نيوز) بعددها الصادر بتاريخ 28 يناير سنة 1854م نبأ إرسال هذه البنادق، فقالت: أرسل والي مصر 25000 بندقية إلى الآستانة. ا.ه.
3
إفادة من ديوان عموم الجهادية إلى محافظ الإسكندرية رقم 14 بتاريخ 13 محرم 1271ه (6 أكتوبر سنة 1854م)، مقيدة بالدفتر التركي رقم 2698
سبق أن صدرت إرادة سنية رقم 190 بإرسال 36 مدفعا و10800 قذيفة للآستانة العلية بصفة إمداد، وعلى ذلك حرر لناظر الجبخانات بتدارك تلك المقادير وإرسالها إلى الإسكندرية، فوردت إفادة من ناظر الجبخانات تفيد أن تلك المقادير قد جهزت وشحنت بالمراكب تحت نظارة البكباشي حسن أفندي، وأرسلت لجبخانة الإسكندرية، فبوصوله تسلموا المقادير المذكورة من البكباشي المشار إليه وأعطوه السند اللازم بتسلمها وشحنوها للآستانة، وحرر هذا للإحاطة بذلك. ا.ه. •••
والآن وقد فرغنا من موضوع كتابنا حق علينا أن نسدي جزيل شكرنا إلى حضرات الذين تفضلوا بإطلاعنا على المستندات الرسمية التي لديهم عن هذه الحرب، أمثال حضرة صاحب السيادة حايم ناحوم أفندي حاخام الطائفة الإسرائيلية الأكبر بمصر الذي أطلعنا على بعض الفرمانات الشاهانية التي صدرت في شأن حرب القرم، وهي التي نشرنا صورها الفوتوغرافية في هذا الكتاب، وحضرة صاحب العزة محمد عماد الدين بك وكيل دائرة المغفور له حضرة صاحب السمو الأمير حليم باشا سابقا؛ فقد نقل لنا من تقويم الوقائع العثماني بعض الوقائع الحربية التي دارت بين الدولة وروسيا في الحرب المذكورة وغيرها، وحضرة الأستاذ علي شكري خميس سكرتير الغرفة التجارية بالإسكندرية الذي كتب إلى الغرفة التجارية بروسيا فأرسلت إليه صور (خان جامعي) ومقابر الضباط المصريين الذين استشهدوا في هذه الحرب، وقد نشرناها أيضا في هذا الكتاب.
Unknown page