فإن الله سبحانه وله المنة قد هيأ لكم أسباب هذا السفر الذي نرجوا من فضله سبحانه أن يبارك لكم فيه ويبلغكم فيه أقصى الرغائب، وينجح لكم جميع المطالب، ويعينكم بإمداده على كل فضيلة ويرقيكم كل رتبة في العمل [81/ب] الصالح جليلة ومنزلة جميلة، فأول ما نوصيكم به تقوى الله عز وجل ومراعاة حقوقه ومراقبة أمره والإكثار من ذكره وكثرة التضرع إليه والإعتصام بحبله والإستمساك بعروته، وتفويض الأمور جميعا إليه، والتوكل في جميع الأحوال عليه، والإكثار من تلاوة ذكره العظيم والمواظبة على وظائفه فإنها صراط مستقيم، وكثرة التوسل والتقرب إليه بنبيه محمد -صلى الله عليه- الذي به سبحانه أكمل الرحمة وأتم النعمة وأعلى كل همة، ثم معاملة من في سيرتكم هذه المباركة إن شاء الله تعالى من عباده بالرعاية والبشر وحسن الخلق ولين الجانب والرأفة بهم والرحمة، فإن رعاية حق العبيد رعاية لحق ربهم وتعظيم لشأنه ولكل من المسلمين لا سيما على الولد حفظه الله تعالى حق، والخلق الذي هو مع الأباعد والأقارب، ويستوي فيه المحارم والأجانب ثم فعل ما يمكنه فعله من الصدقات وصنائع المعروف التي جعل الله القسم الأول منها ذخرة للدار الآخرة، والقسم الآخر عصمة عن كثير من بوائق هذه الدار كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -صلوات الله عليه وسلامه- :" وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان، وليكن ما تفعلون من ذلك إن شاء الله على صورة يحق عليكم حملها وتبشر بنقلها بأن تصر ما أمكن من ذلك إلى كل خيرة مجتمعة على قدر أحوالهم وحسب الأوقات من غير تجشم حضور أحد بالمواصلة لديكم، فإن الطريق صعبة وأحسن ما تسهلون به صعوبتها أن الجماعة الذين يجتمعون خبرة يقومون بأعمالهم فتخف عليهم الأعمال ويتم لهم النشاط والذي يسير إليهم إن شاء الله غير مصنوع هو أقوم بحالهم وأعود نفعا عليهم، ثم إن اختصاص بعضهم دون بعض بالدعوة يوحش على المتروك، ولكل حق اللهم إلا من يحضر عند حضور الطعام ونحوه فلا ينبغي إلا مكارم الخلق في حقه والله يثبتكم ويسددكم. ثم أخوتك حفظكم الله جميعا تفقد أحوالهم وتنبه عليهم وكن [82/أ] لهم أبا برا شقيقا شفيقا، وعلى الولد حفظه الله ببسط الجانب والتخلق بالأخلاق الرضية للخاصة والعامة، وصبر نفسه على ذلك وليكن كما قال الأول(1):
افعل الخير ما استطعت وإن ك ومتى تفعل الكثير من الخير ... ان قليلا فلم تحيط بكله
إذا كنت تاركا لأقله
وملاك الأمر وسوره وحافظه ونظامه، هو ما قدمناه من تقوى الله عز وجل وتعظيم شعائره وإيثار حقه {ومن يتق الله يجعل له مخرجا،ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه}[الطلاق:2-3].
ونحن نستودع الله دينكم ودنياكم، ونتوسل إليه بنبيه محمد وأهل بيته -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يجعل لكم من لدنه عونا كافيا ومرشدا هاديا، وأن يكلكم إلى عظيم رحمته وحكيم تدبيره، ولا يكلكم إلى أنفسكم ولا إلى أحد من خلقه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بتاريخ شهر شوال سنة خمس وثلاثين وألف(2).
رجعنا إلى تمام أخبار أسباب نقض الصلح
وهو -عليه السلام- مستقرب لحصول الثمرة، وكانت الكتب من مولانا الحسن -رضوان الله عليه- من صعدة لا تزال، ويجيبها بيده الطاهرة ولا يعرف أحد، فمما وجدت من خفيات أسرار مكاتبة مولانا الحسن رحمة الله عليه إلى الإمام -عليه السلام- بخط يده الطاهرة ما لفظه في إلحاق:
Page 213