أعزَّ الله به الِإسلام ونصَره كبتَ أعداءَه، فظهرَ الحقُّ وعلا صوته وارتفعت راية التوحيد، وخمدت نار الفتنة أو كادت، بسبب توفيق الله له فى ثباته وإيمانه ودفاعه عن عقيدة أهل السُّنة أمام زيغ المعتزلة، وجحد الملاحدة وأعداء الِإسلام الذين حاولوا - جاهدين - طمسَ معالم التَّوحيد - ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ (١) -.
وبعد هذا التَّوفيق الِإلهى انبرَى ثُلَّةٌ من أصحابِ الِإمام لشرحِ معالمِ العَقيدةِ الحَقّةِ المأخوذَةِ من ظاهرِ الكتابِ وصحيحِ السُّنَّةِ الثَّابتة عن رسولِ الله ﷺ ودونوا عن الِإمام آراءه وأقواله ونسخوا عنه مسائِلَه الفقهية ومؤلفَاته فى الرِّجال والحَدِيْثِ والتَّفسير، ورَوُوْا عنه من الآثارِ والأخبار والفَتَاوَى وجَمعوها وتَدارسوها.
وصارَت اجتهاداتُ الِإمام وآراؤُه فى الفِقه والعقيدة مذهبًا يُحتذى، ونَقَلَها تلامِيْذُهُ لمَنْ بَعْدَهُم حتَّى قيلَ إن الِإمام أبا بكر الخَلاّل (ت ٣١١ هـ) وهو من تَلاميذ التَّلاميذ للإِمام أحمد (٢) "رحل إلى أقاصى البِلاد فى جمعِ مسائِل أحمد" وسماعها ممن سَمِعَها من أحمد، وممن سمعها ممن سمعها من أحمد فنالَ منها وسبقَ منها إلى ما لم يسبقه إليه سابق ولم يَلْحَقْهُ بعد لاحِقٌ".
وتعاقبت الأجيال بعد ذلك واقتدوا به، ومضوا على سَنَنِهِ فعوَّلُوا فى علمهم علَيه، ونسِبُوا فى مَذهبهم إليه، فسمُّوا بـ "الحَنَابِلَة" فأصبح مذهبهم أحدَ المذاهب الأربعة.
_________
(١) سورة إبراهيم: آية: ٢٨.
(٢) طبقات الحنابلة: ٢/ ١٣.
مقدمة / 39