Jawaiz Adab Calamiyya

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
47

Jawaiz Adab Calamiyya

جوائز الأدب العالمية: مثل من جائزة نوبل

Genres

فلو اتفق أن اللجنة خصت بجوائزها أديبين من أمة واحدة في سنتين متقاربتين، فمن أكبر الحرج لها أن تعود إلى تلك الأمة بجائزة ثالثة في السنة التالية، وأكبر الظن أنها تتحول بها عمدا إلى أديب في أمة أخرى لا يساوي نظيره في الأمة الأولى، إذا جرت بينهما الموازنة على غير هذا الاعتبار.

وتتفاوت الأحكام «رابعا» كلما اعترضت أزمات السياسة والحروب في وسط الطريق، فإن حكومة السويد تحتفل بتسليم الجوائز احتفالا رسميا يحضره ملك البلاد، فلا يسع اللجنة الأدبية أن تحكم لأديب مستحق للجائزة، يعتبر الحكم له حكما لأمته، أو لقضية بلده، في معركة الخصومات الدولية، وهي تستحكم بين الدول الكبرى بين حين وحين.

وعلى هذه الحيطة من جانب اللجنة لم تسلم من الشبهات بغير الحق في كثير من السنين، فقد كان زعماء ألمانيا النازية يعتبرون حكمها لخصومهم اتهاما للنازية بمحاربة السلام، وقد تكرر ذلك حتى أصبح ترشيح الأديب الألماني نفسه للجائزة عملا مستنكرا في نظر حكومته، وأعلنت الدولة النازية أنها تحرم على الأدباء أن يتقدموا لنيل الجائزة أو يقبلوها، وصدر مثل هذا الأمر من حكومات شتى، كانت في موقف دولي كموقف النازيين والفاشيين، ولم يكن لهذه الحكومات بد من إنشاء جوائز كبرى لأدبائها الممتازين، تساوي جائزة نوبل في طبقة التقدير، وإن لم تكن مساوية لها بحساب المال.

وقد يحدث التفاوت في جوائز نوبل لأسباب «محلية» لها أصولها التاريخية في بلاد السويد، فقد كانت هذه البلاد ملاذا لكل مغضوب عليه من أعداء الكنيسة البابوية منذ القرون الوسطى، ولا سيما اليهود، وقد غلب النفوذ اليهودي على معاملاتها الدولية؛ لأنها أمة كثيرة العلاقات بالتجارة الخارجية، ومبادلات العملة على الخصوص، وهي سوق لا يبتعد عنها السماسرة من اليهود حيثما استقر بهم المقام، لا جرم كان لليهود حظ من جوائز نوبل يفوق نسبتهم العددية بكثير، وغلب ذلك على جوائز العلوم قبل جوائز الأدب، فربما صح أن يقال: إن عدد العلماء اليهود الذين ظفروا بها لا يقل عن نصف عددهم في العالم بأسره، وربما صح - فوق ذلك - أن اللجنة لم تنصف أحدا قط من خصوم اليهود، وممن لا يناصرون الصهيونية العالمية أو يقفون منها موقف الحذر والاشتباه.

وطرأت في السنوات الأخيرة أسباب للاستغناء عن جائزة نوبل، وإنشاء الجوائز التي تناظرها غير أسباب الشكوى من التحيز المقبول.

تلك هي الأسباب الاقتصادية التي يهتم بها الناشرون من أصحاب العلاقات الدولية، فإن هؤلاء يريدون أن تكون الجائزة العالمية في موضوع يروج في عالم المطبوعات «السوقية» أو عالم العرض على اللوحة البيضاء، ويريدون قبل ذلك أن يكون لهم رأي في اختيار الموضوع، وترجيح جانب القصة والمسرحية منه على سائر الموضوعات، وهذه هي الأسباب الاقتصادية التي دعت بعض الشركات إلى إنشاء جائزة دولية ينالها من يعمل بمقترحاتها، ويضمن - مع قيمة الجائزة - أن تتولى هذه الشركات ترجمة كتابه إلى بضع لغات، وأن تطبعه وتحفظ حقوق طبعه في عدة أقطار. •••

على أن التفاوت في أحكام اللجنة لا يتنحى بها عن مكانها الملحوظ في الدلالة على تطور الحياة الأدبية، وتطور الأخلاق ومقاييس النظر إلى المثل العليا، فإن علامات التطور قد تستفاد من التفاوت في الحكم، كما تستفاد من اطراد الأحكام على وتيرة واحدة، وقد يكون البحث في هذا التفاوت معرضا من معارض الأطوار الهامة في معايير النقد وأساليب الترجيح والتمييز، وربما استطاعت اللجنة بإرادتها أن تخالف الصواب في تقدير المزايا الفنية، وتفضيل الحسن منها على ما هو أحسن منه، ولكنها لا تستطيع بإرادتها أن تخطئ في الدلالة على أخلاق زمانها، ولا على نظرات أهله إلى المثل العليا، ومطامح الإنسانية في آمالها، فإذا جاز أن يكون للجنة حكم أدبي لا يمثل عصره، فمن البعيد أن تخلق مثلا أعلى في قيم الأخلاق، يجاوزه كثيرا إلى الصعود أو إلى الهبوط. •••

إن أسباب التفاوت في أحكام الأدب كثيرة متعددة، ولكن أسباب التفاوت في أحكام الأخلاق كبيرة واسعة المسافة؛ لأنها مسافة ما بين الأرض والسماء، بتعبير الحقيقة لا بتعبير المجاز.

كان في الغرب - عند إنشاء الجائزة - بقية من النظرة الدينية إلى المثل الأعلى ... والمثل الأعلى في الدين يرتقي إلى سماء الله، ولا حدود للكمال الذي يرتفع به الرجاء في الله.

وكان الأوروبي في القرن التاسع عشر يطمح مع نيتشه إلى أفق السوپر مان، الذي يعلو على طبقة الآدميين علو الإنسان على طبقة القرود، أو كان الأوروبي - في ذلك القرن - يتغنى مع كارليل بعظمة البطل الأروع، الذي يحل من النفوس محل العبادة والتقديس، فلما غلبت عقيدة الواقع المادي على نفوس الناس في القرن العشرين، هبط المثل الأعلى من سمائه، واستغنى الضمير الأوروبي بالطيران في أجواز الفضاء عن اللحاق بآفاق عليين.

Unknown page