وتوجيه شيخنا تقديم شيخه له فيه على ولده وغيره بعدم التوغُّل فيما عداه، كتوجيهه لكثير ممَّن وصف من أئمة المحدّثين وحفّاظهم وغيرهم باللَّحن، بأن ذلك بالنسبة للخليل وسيبويه ونحوهما دون خلوّهم أصلًا منه حسبما بسط ذلك معنى وأدلة في عدة من تصانيفه؛ ولذا توهم الغبيُّ الغمْرُ ممَّن لم يخالطْهُ أنه لا يحسُنها، وقال العارف المخالط: إنَّ من قصرَهُ على هذا العلم ظلمَهُ.
وداوم الملازمة لشيخه حتى حَمَلَ عنه علمًا جمًّا، واختص به كثيرًا، بحيث كان من أكثر الآخذين عنه، وأعانه على ذلك قربُ منزله منه، فكان لا يفوته مما يقرأ علبه إلَّا النَّادر، إمّا لكونه حمله أو لأن غيره أهم منه، وينفرد عن سائر الجماعة بأشياء. وعلم شدَّةَ حرصه على ذلك، فكان يرسل خلفه أحيانًا بعض خدمه لمنزله يأمره بالمجيء للقراءة.
وقرأ عليه "الاصطلاح" بتمامه، وسمع عليه جلّ كتبه؛ "كالألفية" وشرحها مرارًا، و"علوم الحديث" لابن الصلاح إلَّا اليسير من أوائله، وأكثر تصانيفه في الرجال وغيرها "كالتقريب" وثلاثة أرباع أصله، ومعظم "تعجيل المنفعة"، و"اللِّسان" بتمامه، و"مشتبه النّسبة"، و"تخريج الرَّافعي"، و"تلخيص مسند الفردوس"، و"المقدّمة" و"بَذْل الماعون" و"مناقب كل من الشافعي واللّيث"، و"أماليه الحلبية"، و"الدمشقية"، وغالب "فتح الباري"، و"تخريج المصابيح" و"ابن الحاجب الأصلي"، وبعض "إتحاف المهرة"، و"تغليق التعليق"، و"مقدمة الإصابة" وجملة، وفي بعضه ما سمعه أكثر من مرة، وقرأ بنفسه منها "النخبة" و"شرحها"، و"الأربعين المتباينة"، و"الخصال المكفِّرة"، و"القول المسدّد"، و"بلوغ المرام"، و"العشرات العشاريات"، و"المائة"، والملحق بها لشيخه التَّنُوخي، و"الكلام على حديث أم رافع"، و"ملخص ما يقال في الصَّباح والمَسَاء"، و"ديان خُطَبِهِ" و"ديوان شعره" وأشياء يطول إيرادها.
وسمع بسؤاله له من لفظه أشياء؛ كـ "العشرة العشريات"، و"مسلسلات الإبراهيمي" خارجًا عمّا كتبه عنه في الإملاء مع الجماعة من سنة ستٍّ وأربعين وإلى أن مات.
مقدمة / 13