al-Gawahir al-hisan fi tafsir al-Qurʾan
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
Genres
و { يذبحون } بدل من: «يسومون»، { وفي ذلكم }: إشارة إلى جملة الأمر، و { بلاء } معناه: امتحان واختبار، ويكون البلاء في الخير والشر.
وحكى الطبري وغيره في كيفية نجاتهم أن موسى عليه السلام أوحي إليه أن يسري من مصر ببني إسرائيل ، فأمرهم موسى أن يستعيروا الحلي والمتاع من القبط، وأحل الله ذلك لبني إسرائيل، ويروى أنهم فعلوا ذلك دون رأي موسى عليه السلام وهو الأشبه به، فسرى بهم موسى من أول الليل، فأعلم بهم فرعون، فقال: لا يتبعهم أحد حتى تصيح الديكة، فلم يصح تلك الليلة بمصر ديك؛ حتى أصبح، وأمات الله تلك الليلة كثيرا من أبناء القبط، فاشتغلوا بالدفن، وخرجوا في الأتباع مشرقين، وذهب موسى عليه السلام إلى ناحية البحر؛ حتى بلغه، وكانت عدة بني إسرائيل نيفا على ستمائة ألف، وكانت عدة فرعون ألف ألف ومائتي ألف، وحكي غير هذا مما اختصرته لقلة ثبوته، فلما لحق فرعون موسى، ظن بنو إسرائيل أنهم غير ناجين، فقال يوشع بن نون لموسى: أين أمرت؟ فقال: هكذا، وأشار إلى البحر، فركض يوشع فرسه؛ حتى بلغ الغمر، ثم رجع، فقال لموسى: أين أمرت؟ فوالله: ما كذبت، ولا كذبت، فأشار إلى البحر، وأوحى الله تعالى إليه؛ أن اضرب بعصاك البحر، وأوحى الله إلى البحر؛ أن انفرق لموسى إذا ضربك، فبات البحر تلك الليلة يضطرب، فحين أصبح، ضرب موسى البحر، وكناه أبا خالد، فانفلق، وكان ذلك في يوم عاشوراء.
[2.50-54]
وقوله تعالى: { وإذ فرقنا بكم البحر } الآية: { فرقنا }: معناه: جعلناه فرقا، ومعنى { بكم } أي: بسببكم، والبحر هو بحر القلزم ولم يفرق البحر عرضا من ضفة إلى ضفة، وإنما فرق من موضع إلى موضع آخر في ضفة واحدة، وكان ذلك الفرق يقرب موضع النجاة، ولا يلحق في البر إلا في أيام كثيرة بسبب جبال وأوغار حائلة، وقيل: انفرق البحر عرضا على اثني عشر طريقا؛ طريق لكل سبط، فلما دخلوها، قالت كل طائفة: غرق أصحابنا، وجزعوا، فقال موسى عليه السلام : اللهم، أعني على أخلاقهم السيئة، فأوحى الله إليه أن أدر عصاك على البحر، فأدارها، فصار في الماء فتوح كالطاق، يرى بعضهم بعضا، وجازوا وجبريل في ساقتهم على ماذيانة يحث بني إسرائيل، ويقول لآل فرعون: مهلا حتى يلحق آخركم أولكم، فلما وصل فرعون إلى البحر، أراد الدخول، فنفر فرسه، فتعرض له جبريل بالرمكة، فأتبعها الفرس، ودخل آل فرعون، وميكائل يحثهم، فلما لم يبق إلا ميكائل في ساقتهم على الضفة وحده، انطبق البحر عليهم، فغرقوا.
و { تنظرون }: قيل: معناه بأبصاركم لقرب بعضهم من بعض، وقيل: ببصائركم للاعتبار؛ لأنهم كانوا في شغل.
قال الطبري: وفي أخبار القرآن على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المغيبات التي لم تكن من علم العرب، ولا وقعت إلا في خفي علم بني إسرائيل دليل واضح عند بني إسرائيل، وقائم عليهم بنبوءة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وموسى: اسم أعجمي، قال ابن إسحاق: هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم.
وخص الليالي بالذكر في قوله تعالى: { وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة } إذ الليلة أقدم من اليوم، وقبله في الرتبة، ولذلك وقع بها التاريخ، قال النقاش: وفي ذلك إشارة إلى صلة الصوم؛ لأنه لو ذكر الأيام، لأمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل، فلما نص على الليالي، اقتضت قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين ليلة بأيامها.
قال: * ع *: حدثني أبي رضي الله عنه قال: سمعت الشيخ الزاهد الإمام الواعظ أبا الفضل بن الجوهري رحمه الله يعظ الناس بهذا المعنى في الخلوة بالله سبحانه، والدنو منه في الصلاة، ونحوه، وأن ذلك يشغل عن كل طعام وشراب، ويقول: أين حال موسى في القرب من الله، ووصال ثمانين من الدهر من قوله، حين سار إلى الخضر لفتاه في بعض يوم:
آتنا غداءنا
Unknown page