107

Jawahir Balagha

جواهر البلاغة: في المعاني والبيان والبديع

Publisher

المكتبة العصرية

Publisher Location

بيروت

Genres

ودليل ذلك: الذوق والاستعمال (٧) ومنها إفادة التَخصيص - قطعًا (١) اذا كان المسند إليه مسبوقًا بنفي والمسند فعلا - نحو: ما أنا قلت هذا ولا غيري - أي: لم أقله: وهو مقول لغيري، ولذا: لا يصحّ أن يقال: ما أنا قلت هذا ولا غيري، لأن مفهوم (ما أنا قلت) أنّه مقول للغير، ومنطوق (ولا غيري) كونه غير مقول للغير (فيحصل التناقض سلبًا وإيجابًا) وإذا لم يسبق المسند إليه نفي - كان تقديمه محتملا (٢) لتخصيص الحكم به أو تقويته، إذا كان المسند فعلا (٣) نحو: أنتَ لا تبخل ونحو: هو يهبُ الألوف، فاُنَّ فيه الإسناد مرتين، إسناد الفعل إلى ضمير المخاطب: في المثال الأول، وإسناد الجملة إلى ضمير الغائب: في المثال الثاني. (٨) ومنها كون المتقدم محطّ الانكار والغرابة - كقوله: أبعدَ المشيب المُنقضى في الذَّوائب تُحاول وصل الغانيات الكواعب (٩) ومنها سُلوك سبيل الرُّقى - نحو: هذا الكلام صحيح، فَصيح، بلَيغ - فاذا قلت «فصيح» بليغ، لا يحتاج إلى ذكر صحيح، وإذا قلت «بليغ» لا يحتاج إلى ذكر فصيح. (١٠) ومنها مُراعاة الترتيب الوُجودي - نحو (لا تأخذُهُ سنةٌ ولا نوم) تمرين ما نوع المقدّم، وما فائدة التقديم في الأمثلة الآتية: (١) قال الله تعالى: «لله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ» (٢) وقال تعالى: «ممّا خطيئاتهم أغرقوا فأدخلُوا نارًا» (٣) وقال أبو فراس: إلى الله أشكو انَّنا بمنازل تحكم في آسادهنَّ كلاب (٤) وقال ابن نباته يخاطب الحسن بن محمد المهلّبي: ولى همةٌ لا تطلبُ المالَ للغنى ولكنها منك المودة تطُلبُ (٥) وقال أبو نواس: إني انتجعتُ العبَّاس ممتدحًا وسيلتي جُوُدُه وأشعاري عن خبرةٍ جثتُ لا مُخاطرة وبالدَّلالات يهتدى السَّارى (٦) وقال الأبيوردي: ومن نكدِ الأيام أن يبلغ المُنى أخوُ اللوم فيها والكَريم يخيبُ (٧) وقال أبو الطيب المتنبي يهجو كافورًا: من أية الطرقِ يأتي مثلَك الكرَمُ اينَ المحاجمُ يا كافورُ والجَلمُ (٨) وقال المعري: أعندي وقد مارستُ كل خفية يُصدقُ واش أو يُخيَّبُ سائلُ (٩) وقال أيضًا: إلى الله أشكو أنني كل ليلةٍ إذا نمتُ لم أعدم خوَاطرَ أوهام فإن كانَ شراَ فهو لا شكَّ واقعٌ وإن كانَ خيرًا فهو أضغاثُ أحلام (١٠) وقال أيضًا: وكالنّار الحياةُ فمن رماد أواخرُها وأوَّلها دُخان (١١) وقال بعض الشعراء في الحث على المعروف: يد المعروف غنمٌ حيثُ كانت تحمَّلها شكورٌ أو كفور ففي شكرِ الشَّكور لها جزاء وعندَ الله ما جحد الكفُور (١٢) وقال الآخر: أنلهُو وايامُنا تذهبُ ونلعبُ والدّهرُ لا يلعبُ (١٣) وقال محمد بن وهيب يمدح الخليفة المعتصم (وكنيته أبو إسحق): ثلاثة تشرقُ الدُّنيا ببهجتها شمسُ الضّحى وأبو إسحق والقمر (١٤) وقال آخر: ثلاثة يجهلُ مقدارها الأمنُ والصّحةُ والقوتُ فلا تثق بالمال من غيرها لو أنَّه دُرٌّ وياقوتُ (١٥) وقال آخر يهجو بخيلا: أأنت تجودُ إنّ الجودَ طبعٌ ومالك منهُ يا هذا نصيبُ (١٦) وقال آخر يستنكر أن يشرب الخمر حين دُعى لشربها: أبعدَ ستينَ قد ناهزتُها حججًا أحكمُ الرَّاح في عقلي وجُسماني (١٧) وقال الآخر: غافلٌ أنتَ والليالي حَبَالَى بصُنوف الرّدى تَروحُ وتغدُو (١٨) وقال ابن المعُتزّ: ومن عجب الأيام بغى معاشرٍ غضابٍ على سبقي إذا أنا جاريتُ يغيظهم فضلي عليهم ونقصهم كانّى قسَّمتُ الخظوظ فحابيت

(١) وذلك يكون في ثلاثة مواضع: الأول - ان يكون المسند إليه معرفة ظاهرة بعد نفي، نحو: ما فؤاد فعل هذا. الثاني - أن يكون المسند إليه معرفة مضمرة بعد نفي، نحو: ما أنا قلت ذلك. الثالث - أن يكون المسند إليه نكرة بعد نفي، نحو: ما تلميذ حفظ الدرس. (٢) وذلك في ستة مواضع الأول - ان يكون المسند إليه معرفة ظاهرة قبل نفي، نحو فؤاد ما قال هذا. الثاني - أن يكون المسند إليه معرفة ظاهرة مثبتة، نحو ع باس أمر بهذا. الثالث - ان يكون المسند إليه معرفة مضمرة قبل نفي، نحو انا ما كتبت الدرس. الرابع - أن يكون المسند إليه معرفة مضمرة مثبتة، نحو أنا حفظت درسي. الخامس - أن يكون المسند إليه نكرة قبل نفي، نحو رجل ما قال هذا السادس - أن يكون المسند إليه نكرة مثبتة، نحو تلميذ حضر اليوم في المدرسة واعلم أن ما ذكرناه هو مذهب عبد القاهر الجرجاني وهو الحق، وخالفه السكاكي. (٣) فان قيل: لماذا اشترط أن يكون المسند فعلا، وهل إذا كان المسند وصفا مشتملا على ضمير نحو: أنت بخيل - لم يكن كالفعل في إفادة التقوية. أقول: لما كان ضمير الوصف لا يتغير: تكلما، وخطايا، وغيبة، فهو شبيه بالجوامد وكانت تقويته قريبة من الفعل، لا مثلها تمامًا.

1 / 125