فإن الأرض تحول بينهما بقدرة من يفعل في ملكه (¬1) ما يريد، ويدلك على ذلك أنه لا ينخسف إلا في الليالي التي يقابلها و (¬2) يبادرها، ويمكن حينئذ (¬3) حيولة الأرض بينهما ولو كان جرمهما معا أكبر من جرم الأرض لاستحال انخسافه مادام الفلك، ولو كانا أصغر من جرم الأرض لكثر انخسافه في كل شهر. وهو يأخذ النور من وجه الشمس إلا على الذي يقابل ضوء (¬4) العرش ولذلك تراه كلما يباعد (¬5) عنها يقابل الوجه الأعلى منها ويزداد نورا حتى يكمل حين يبادرها كلها ليلة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، ثم من هناك يقرب منها ، ويدخل تحتها، ويتوارى عنه وجه الشمس الأعلى فينتقص حتى يمتحق كله، ويدلك البرهان الصحيح أيضا أن نوره من ضوء الشمس، وخسوفه بسبب حيلولة (¬6) الأرض بينهما أن الجانب الذي يوالي الشمس منه هو النائر (¬7) من جرمه في أول الشهر، وفي آخره، فتأمل ذلك تجده صحيحا (¬8) ،
¬__________
(¬1) - سقط من ب »في ملكه«.
(¬2) - سقط من ب »يقابلها و«.
(¬3) - سقط من ب »حينئذ«.
(¬4) - سقط من ب »ضوء«.
(¬5) - في ب »يبعد منهما« وفي ج »يبعد عنها«.
(¬6) - في الأصل »حيالة« والتصحيح من ب وج.
(¬7) - سقط من ب »النائر«.
(¬8) - معلومات شيخنا عن كسوف الشمس غير مسلمة ولا عجب في ذلك نظرا للمعرفة الفلكية القليلة المتاحة في عصره وأما معلوماته عن خسوف القمر فلا بأس بها عموما، ولنوضح ثلاث نقاط :
أ) يحدث الكسوف عندما يقع القمر بين الشمس والأرض على خط مستقيم واحد، فالإنسان الواقع في ظل القمر على الأرض يرى كسوفا كاملا يغطي وجه الشمس، وإذا مر قرص القمر بجانب قرص الشمس فإن الكسوف يكون جزئيا.
ب) يحدث خسوف القمر لما تكون الأرض بينه وبين الشمس ويحدث الخسوف الكلي إذا غاب القمر كله، والجزئي إذا غاب جزء منه وبقي الآخر. =
= ج) الشمس نورها ذاتي، والقمر نوره مكتسب كما حققه شيخنا قال تعالى: { هو الذي جعل الشمس ضيآء والقمر نورا } [يونس:05] فالله وصف الشمس بأنها ضياء لأن الضوء نور ذاتي ينبع من الجسم المشع ذي الحرارة والتوهج، وسماها بالسراج الوهاج فقال: { وجعلنا فيها سراجا وهاجا } [النبأ:13] ووصف القمر بأنه نور وبأنه منير كما قال: { وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا } [الفرقان:61] لأن نوره لا ينبع من ذاته بل هو مستمد من الشمس كأنه زينة سطحية فقط كما قال في آية أخرى: { إنا زينا السمآء الدنيا بزينة الكواكب } [الصافات:06]، فشعاع الشمس والنجوم ضوء، وشعاع القمر والكواكب نور وهذا من التوافق التام بين آيات القرآن وجديد العلم وصدق المولى العظيم إذ قال: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهمو أنه الحق } [فصلت:53].
Page 76