قيل له: إنما كلامنا في المثابين والمعاقبين، من الجنة والآدميين؛ من المأمورين والمنهيين، الذين ينالون الطاعة والمعصية؛ بما ركب فيهم من الإستطاعة، فيكونون متخيرين لأحدهما، يثابون على طاعة إن كانت منهم، ويعاقبون على معصية إن جاؤا بها،، ولا يكون تخير الواحد من الأمرين إلا من ذي لب واضح، وعقل راجح. فأما البهائم فإنها غير مأمورة ولا منهية، ولا مثابة ولا معاقبة، وإنما عدمت الثواب والعقاب، لما سلبته من الألباب. وأما ما يكون منها من شيء فعلى غير معرفة ثابتة ولا تمييز، وإنما يكون ما يكون منها؛ من معرفة الذكر للأنثى ومعرفتها لأربابها، ومعرفة الذكر لما يكون لاقحا من الإناث، فهو أعرف وأكبر من معرفة الطعام والشراب، والأمهات والأولاد، فإنها(1) منها على الإلهام، وإنهن لملهمات لذلك إلهاما، كما يلهم الطفل في صغره معرفة الثدي وطلبه له، وبكاءه وسكوته، وحزنه وسروره. وكل ما كان من الطفل بغير تمييز ولا عرفان؛ فإنما هو طبع وإلهام، حتى إذا كمل من عقله ما يحوز به التمييز من الأشياء، ميز حينئذ فاختار، فأخذ وترك، وعرف ما ينفعه مما يضره، فاجتنب ما يضره، وطلب ما ينفعه. وهو في صغره لو وضع قدامه تمر أو جمر، أو ملح، أو سكر؛ لكان حريا بالأخذ للضار له منهما؛ لعدم عقله، وذهاب معرفته وفهمه.
ففي أقل مما ذكرنا إن شاء الله ما بين وكفى؛ عن التطويل وشفى؛ من كان مسترشدا تابعا للهدى والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله وملائكته وجميع الأنبياء والمرسلين من خلقه على محمد عبده ورسوله النبي الأمي، الهادي المهدي، وعلى أهل بيته الطيبين الأخيار، الصادقين الأبرار، الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وقلت: ما الدليل على أن الله خلق الأشياء لا من شيء؟
Page 799