فما مثلنا ومثلهم، وخبرنا وخبرهم؛ فيما علمناه وجهلوه، وعرفنا مفاصل صوابه وعميوه، إلا كمثل موسى وصاحبه صلى الله عليهما؛ العالم الذي اتبعه موسى على أن يعلمه مما علمه الله رشدا، فأعلمه أنه لا يستطيع معه صبرا؛ إذ ليس يعلم كعلمه، ولا يقف على ما يرى من فعله. فأخبره أنه لا يصبر إذا رأى منه شيئا مما لا يعرفه؛ حتى يسأله ويبحثه، ويدخله الشك في فعله؛ فقال له موسى: {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا}[الكهف: 69]، ثم لم يصبر لما رأى ما ينكره قلبه، حتى عاتبه فيه وسأله عنه. فكان أول ما أنكر عليه موسى عليه السلام خرق السفينة، فعظم ذلك في صدر موسى فقال له ما قال، فقال له العالم: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا}، فقال له موسى: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فغفرها له، و{انطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله}؛ قال له موسى: {أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} يريد بهذا منه(1) إذ هو خائف لا يؤمن سقوطه : تأجرت (2) في ذلك، فقال العالم لموسى: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}[الكهف: 72 78] ثم أخبره بمعاني أفعاله، وصوابه في أعماله، التي كانت عند موسى منكرة عظيمة، فاحشة كبيرة، وهي عند الله وعند العالم صواب، وعند موسى صلى الله عليه خطأ وارتياب، إذ لم يعلم وجه أمرها، ولم يقف على كنه خبرها، فيتضح له نير صوابها، كما وضح لفاعلها؛ فقال فاعلها لموسى: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} إلى قوله: {ما لم تسطع عليه صبرا}[الكهف: 79 82].
وكذلك حال الإمام فيما شرحت وحال ما ذكرت ممن أنكر فعل الإمام؛ إذ لم يكن علمه كعلمه(1)، ولا حاله في المعرفة بالنازلات كحاله. وكيف يستوي المتفاوتان، أو يأتزن الرطل والرطلان، لا كيف؟! وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}[الزمر: 9]، ويقول سبحانه: {وفوق كل ذي علم عليم}[يوسف: 76]، ويقول: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت: 43]، ويقول سبحانه: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب}[الرعد: 19] ويقول سبحانه : {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}[النساء: 83].
Page 761