فلابد لمن سئل عن مثل هذا القول ان يقول الحق، فيعلم أن الإيمان مع الطاعة، وأن الكفر مع المعصية، فيكون من أهل الحق، ويرجع إليه ويعتمد عليه، أو ينبذ الحق بعد وضوحه، ويعاند الصواب بعد شروعه فيزعم أن من كانت فيه هذه الشروط المنكرة الفاحشة من معاصي الله والمحاربة له مؤمن بالله؛ فيزعم أن الله حض على معاصيه، ورضي بمعصيته(1) لعباده، وجعل العاصين المنكرين على رب العالمين، أخوة الملائكة(2) المقربين، وأنهم عند الله خيرة مصطفون، لأن الله عز وجل يقول في كتابه: {إنما المؤمنون إخوة}[الحجرات: 10]، والأنبياء والملائكة إخوة للمؤمنين من الآدميين، ومن زعم أن أهل المعاصي إخوة للملائكة المقربين؛ فقد زعم أنهم صفوة الله وخيرته، وأحباؤه وأهل ثوابه وسكان جنته، ومن زعم أن الله أسكن جنته المحاربين له العاصين، وأنه آخى بينهم وبين الملائكة المقربين، فقد لزمه ووجب عليه في القياس والحق اللازم أن يقول: إن الله باعد بين المطيعين العابدين من عباده، القائمين القانتين الحاكمين بكتابه، المحتذين بحذو أنبيائه، وبين رسله وبين الملائكة(3)؛ فلم يجعلهم لهم إخوة بطاعتهم له، وأنه يسكن أولياءه وأهل طاعته ناره، ويصليهم جحيمه، ومن قال بهذا ولزمه فقد خرج من حد الإسلام، وصار عند الله من الجهلة الطغام، وكان عند الله أولى بالعذاب؛ ممن جعله الله من المؤمنين أهلا للثواب.
فميز رحمك الله ما قلنا، واستعمل فكرك فيما ذكرنا، يتجل لك بذلك الصواب، وينكشف عن قلبك سدف(4) الارتياب.
[الحدود وعلى من تقام]
وسالت فقلت: كيف تقيم الحد على من لم تشمله جرايتك من العطاء والكسوة؟ ولم يسمع ما فيه حياته من العلم.
Page 733