واستحال(1) هذا من قولهم أيضا، كما استحال القول الأول؛ لأنا نظرنا في هذا المعنى فوجدناه باطلا، وبطلانه أنا وجدنا الادميين ربما أتوا من أنواع المعاصي وألوانها في مجلس واحد بألوان وهم أيقاظ(2) غير نيام. فلما أن وجدناهم يعملون في مجلس واحد ألوانا كثيرة من المعاصي التي تخطر على قلوبهم بعضا بعد بعض(3)، وتحدث في صدروهم حادثا بعد حادث، وخاطرا بعد خاطر لم يتعملوا(4) قبل ذلك المجلس في شيء منها، ولم يضمروا جنسا من جنوسها، علمنا أن ذلك لوسواس(5) الشيطان ومقاربته، ورأينا من كان كذلك يقظانا غير نائم، والمعاصي تأتي منه أولا فأولا في مجلسه ذلك؛ من قذف المحصنات، وشرب خمر، وقتل مسلم، وأخذ مال يتيم ومسكين، وضرب مؤمن، وسفك دم حرام، وشهادة زور، وكذب وبهتان، وتشبيه الله سبحانه، وتجويره في فعله، وإكذاب لوعده ووعيده، وغير ذلك من ألوان الفسق، مما يأتي به كفرة الخلق؛ فلما رأينا هذه الأشياء تكون من فاعلها في أوقات وساعات لم يدخل بينها منه نوم ولا غفلة، استحال عندنا أن تكون وسوسة إبليس من بعد النوم وخروج الروح؛ لان هذه المعاصي كلها في افتراقها وتشتت أصنافها كانت منه في يقظة لا نوم فيها. واستحال عندنا قول من قال بهذا الثاني، كما استحال قول من قال بالقول الأول.
ولم نجد بابا أصح ولا أثبت، ولا أقوى ولا أجدر أن لا يكسره أحد أبدا(6)، مما قلنا؛ من مداناة الشكل لشكله، وقوة الشبيه بشبيهه(7)، ووجدناه ثابتا عند أهل العقل، لا ينكره ولا يجحده من وهب لبا، وفطنة وفهما.
[مم خلقت الملائكة والشياطين]
وسألت فقلت: من أي شيء خلقت الملائكة؟ ومن أي شيء خلقت الشياطين؟
Page 725