ومثل قوة المعصية في قلب الآدمي؛ بمداناة شكلها من هذا اللعين الجني؛ مثل الجمر جعلت منها في بيت جماعة(1) خمسين رطلا جمرا متوقدا يقد بعضه في بعض؛ ثم أتيت بمائة رطل أخرى جمرا متوقدا، والقيته إلى جنب ذلك الجمر الأول، فقوي عمل الأول بعمل الآخر، وقوي عمل الآخر بعمل الأول، واشتد عملهما، وصعب أمرهما، حتى لا يطيق من في البيت أن يجلس فيه ولا يقوم مع شدة ما فيه من حر النار وتلهبها، وقوة بعضها ببعض، فقوي عمل الجزئين بمقاربة أحدهما لصاحبه؛ إذ هما شكل واحد ومعنى واحد، ولو أفرد كل واحد منهما وفرق بينهما؛ لم يكن عملهما متباعدين كعملهما متقاربين.
فعلى هذا ومثله، من قوة الشكل بشكله، تكون وسوسة إبليس لصاحبه الآدمي، المضمر لما أضمر إبليس، المشاكل له بالإضمار في عمله، والمقارب بإضماره له في فعله.
فافهم ما ذكرنا من معاني الوسوسة، وفطنة إبليس لما يفطن به(2) في الآدمي من المعصية.
وقد قال غيرنا في ذلك بأقاويل، فزعموا أنه يجري في الآدمي مجرى الدم، (في الأبشار)(3)فاستحال ذلك عند من فهم؛ لأنه لا يجوز أن يدخل جسم في جوف جسم، فيجري في عروقه، ويجتمع في بدن واحد روحان، روح ساكن، وروح متحرك، هذا محال أن يستجن(4) في جسم واحد روحان، ولا يدخل في جسم جسم؛ لأن هذا لا يعرف في الأجسام، ولا يتهيأ ولا يثبت في العقول، فلما لم تقبله العقول(5) استحال أن يكون شيئا معقولا.
وقال قوم: يلقى إبليس روح الآدمي (عند جولانه في وقت منامه ، فيأمره وينهاه، ويزين له ما يريده ويشاه. وقالوا: لا تكون الوسوسة من إبليس إلا من بعد النوم، ويلقى روح الآدمي) (6) عند خروجه من بدنه، وجولانه بعد نومه، فيكون منه إليه ما ذكرنا، ويلقي إليه ما قلنا.
Page 724