ونفخ الله فيها في النفخة الأولى فهو: إفناؤها، وهو نفخه فيها، وهي الأبدان والصور صور المخلوقين(1) وأبدان العالمين لما أراد من هلاكها، وفنائها ودمارها، فواقعها وحل بها من الله سبحانه ما أزالها، وحق(2) بها منه ما أبادها، وواقعها منه ما أتلفها(3)، فصارت بنفخ الله فيها، وما وعدها من الموت والفناء؛ إلى الزوال والإنقضاء.
فهذا معنى ما ذكر الله من النفخة الأولى في الصور المصورة، والأجسام المفتطرة.
ومعنى النفخة الأخرى، فهي: نفخة الله الثانية، في الصور والأبدان المتمزقة البالية؛ لما أراد الله من حيوتها ونشرها، وتجديدها وبعثها من بعد موتها، فكان نفخه بالحياة فيها، نفخة ثانية أخرى بعد النفخة المهلكة الأولى. فكانت النفخة الأولى للهلكة(4) والوفاة، وكانت النفخة الأخرى للنشور والحياة، قال الله تبارك وتعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون}[الزمر: 68]، فأخبر سبحانه أن النفخ على المعنيين، وأن له حالين مختلفين؛ إذ كان حال الأولى؛ ما أوجبه الله من حال الهلاك والانقضاء، وحال النفخة الأخرى، ما جعل الله فيها وبها من حال الحياة بعد الفناء.
فافهم ما قلنا، واعرف من ذلك ما شرحنا؛ من شرح النفخ ومعناه، وأنه ما واقع الصور أولا(5) وآخرا من مراد الله وفعله، وما حكم به سبحانه في خلقه.
[ماهي الأرواح ولماذا لا تموت مع الأبدان]
وسألت عن الأرواح فقلت: ما هي، وكيف هي؟ وقلت: كيف يميت الله الجسم ولا يميت الروح والله عدل لا يجور؟!
فكذلك الله سبحانه عدل في فعله، حكيم في صنعه، لا يجور على أحد من خلقه.
Page 715