أما كلامه على رجال سنن أبي داود، فكيفيه أنه نال إعجاب الناقد الحافظ
الذهبي، وذكره في ترجمته له في "سير أعلام النبلاءا، ويكفي لبيان سمو إمامته
في الحديث أن الإمام عز الدين بن عبد السلام الفقيه المجتهد، كان يحضر مجالسه
ويسمع الحديث منه.
أما في الفقه فقد شرح المنذري كتاب "التنبيه" لأبي إسحاق الشيرازي في
إحدى عشرة مجلدة، وذلك مما يدل على فقاهته الواسعة، وقد وصفه غير واحد
ممن ترجموا له بالفقيه. وكان يفتي الناس في الديار المصرية، فلما قدم الإمام
عز الدين بن عبد السلام مصر، بالغ الشيخ المنذري في الأدب معه، وامتنع عن
الإفتاء لأجله، وقال: كنا نفتي قبل حضوره، وأما بعده فمنصب الفتيا متعين فيه.
وبراعته في علم الرجال تبدو في كتابه"التكملة لوفيات النقلة" و"المعجم
المترجم " و"تاريخ من دخل مصر" وغيرها من تواليفه. وكتبه هذه تعد في كثير
مما حوته المصادر الأولى، تفردت بكثير من تراجم الرجال وأحوالهم.
ولقي الأدباء والشعراء وأخذ عنهم أو استجاز منهم كما سبقت الإشارة إلى
ذلك، ولهذا تبدو مسحة الأدب وطلاوته في عبارته وكلامه، ولم يحفظ له من النظم
سوى هذين البيتين اللطيفين الحكيمين:
اعمل لنفسك صالحا لاتحتفل بظهورقيل في الأنام وقال
فالخلق لايرجى اجتماع قلوبهم لابد من مثن عليك وقالي
وأما زهده وورعه وتدينه فقد كان مشهورا مذكورا، قال التاج السبكي: سمعت
أبي يحكي عن الحافظ الدمياطي -تلميذ المنذري -، أن الشيخ خرج مرة من
الحمام، وقد أخذ منه حرها، فما أمكنه المشي، فاستلقى على الطريق إلى جانب
حانوت، فقال له الدمياطي: يا سيدي أنا أقعدك على مسطبة الحانوت، وكان
مغلقا، فقال له، وهو في تلك الشدة: بغير إذن صاحبه كيف يكون؟! وما رضي.
ويكفي شهادة على ورعه وشدة تقواه قول تلميذه الإمام ابن دقيق العيد، الذي
كان يضرب به المثل في الزهد والتحري والخوف من الله تعالى، إذ قال فيه: كان
1 / 30