يقولون: من قاعدة المجاز جواز نفيه، ولا يجوز لأحد أن ينفي تلك الصفات عن الله –﷿ فيقول: ليس بسميع، ليس بحي، ليس ببصير، ليس بقادر، ليس بمتكلم، ليس بمستوٍ على العرش، فكيف تقولون: إنها من المجاز ومن قاعدة العرب أنهم يجوزون نفي المجاز؟
فإذا قالوا للشجاع: هذا أسد، إذا أرادوا تشبيهه بالأسد في الشجاعة، جوَّزُوا أن ينفى ذلك عنه، ويقال ليس بأسد، بل هذا إنسان ناطق متكلم عاقل.
وكذلك إذا قالوا للبليد: حِمار، تشبيها له بالحمار في الجهالة، جوزوا أن ينفي ذلك عنه، فيقال: ليس هذا بحمار، وإنما هو شبه له بالجهل، وأشباه ذلك كثير في كلامهم.
وأما إذا قال أهل السنة: إن الله أخبرنا أنه استوى على العرش، ولم يخبرنا بكيفية ذلك، فقلنا بما قال الله، وسكتنا عما سكت الله عنه، وحملنا الاستواء على حقيقته في حق الباريء تعالى، فإذا قيل لنا: كيف استوى؟ قلنا: لم يخبرنا الله بذلك، فهذا معنى قولنا: "بلا كيف"، فأين في هذا ما يخالف لغة العرب؟
وما أحسن ما قال بعض أهل السنة: إذا قال لك الجهمي: كيف استوى؟ أو كيف ينْزل إلى سماء الدنيا؟ أو كيف يداه؟ أو نحو ذلك، فقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال: لا يعلم ما هو إلا هو؟ وذات الباريء غير معلومة للبشر، فقل له: فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف، فكيف يمكن أن يعلم كيفيته؟ وإنما تعلم الذات والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي لذلك الموصوف، بل هذه المخلوقات في الجنة قد ثبت عن ابن عباس ﵄ أنه: "ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء".
وقد أخبر الله –تعالى- أنه: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ ١ الآية، وقال ﷺ: "يقول الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" ٢.
فإذا كان نعيم الجنة -وهو خلق من خلق الله- كذلك، فما الظن بالخالق ﷾؟ أفلا يعتبر العاقل بهذا عن الكلام في كيفية الله –تعالى؟ وقد قال -تعالى-: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ٣.