من تحتها تحس السرير يهتز. تصطك أعمدته النحاسية. تقول أمها إنها روح جدتها عادت لتنتقم من جدها. تخفي رأسها تحت اللحاف. تمد ذراعها عن آخره فوق السرير. ترتطم يدها بالجدار. لا أحد إلى جوارها. تفتح عينيها. ضوء خافت يدخل من شقوق الشيش. الستارة الزرقاء الشفافة تهتز مع الهواء. السقف مدهون بالبلاستيك والسرير بغير أعمدة نحاسية. سرير عريض دخل البيت مع جهاز العروس.
فوق الجدار صورة تشبه صورة أمها ليلة الزفاف، لكن الفتاة في الصورة لا تبتسم. من حولها ثوب أبيض بلون الكفن. بين يديها باقة ورد شاحبة. كالباقات فوق الأضرحة. إلى جوارها رجل طويل عريض، كتفاه محشوتان. يرتدي بدلة عسكرية. فوق صدره نيشان. أنفه غضروف كبير. - زكريا؟
رن الاسم في أذنيها غريبا كأنما لم تسمعه أبدا، وكأنما كانت تسمعه كل يوم، يوم وراء يوم، سنة وراء سنة، ثلاثين سنة، واقفة في الليل تنتظره. ينكفئ رأسها فوق صدرها وهي واقفة. تعد له العشاء وهي واقفة، تنتظره الساعة وراء الساعة وهو لا يأتي، وإذا أتى تعجل الأكل. بعد الأكل يتعجل النوم، بلا عناق أو مع العناق السريع. كمن يبلع الطعام دون مضغ. يخلع البدلة العسكرية والوسام. يتحسس اسمه الثلاثي المحفور فوق القرص الذهبي. يربت عليه كالطفل، ثم يضعه في الصندوق المبطن بالقطيفة الخضراء. يخلع البنطلون والفانلة. يخبئ السروال الداخلي في سبت الغسيل. يرمقها بطرف عينه. تغمض عينيها وتغيب في النوم. قبل الفجر تنهض. في القاع ترى السروال مكورا حول الإثم.
في الصباح تراه في الصورة واقفا في الصف الأول. عيناه جاحظتان، ويداه معقودتان فوق بطنه. ساقاه مضمومتان كالفتاة العذراء. يتقدم لمصافحة الجنرال. ينحني ثم يتراجع إلى الوراء بظهره، يصطدم ببطن الواقف خلفه. يدوس بكعب حذائه فوق قدمه.
يناديه الجنرال فجأة فيندفع إلى الأمام. ينسى في غمرة الاندفاع أن بينه وبين الجنرال بابا من الزجاج. يصطدم أنفه بالزجاج وينكسر الغضروف ومعه النظارة. يتراجع إلى الوراء بظهره دون أن يستدير. ترتطم إليتاه بباب آخر من الزجاج. يدور داخل علبة زجاجية تسمح بمرور الضوء دون الهواء. عيناه تبرزان في جحوظ أشد. صدره العريض من تحته الدرع الحديدية يعلو ويهبط كالمختنق.
في الصورة ترى وجهه شاحبا من وراء الزجاج. يدور حول نفسه دورة كاملة داخل الباب الدائري. ثم يجد نفسه وجها لوجه أمام الجنرال. - جود مورنينج معالي الجنرال. كله تمام يا فندم! كله أوكي!
لكن الجنرال صامت كالدب الأبيض. شدقاه منتفخان بالهواء. تنفرج شفتاه الحمراوان عن صوت كالفحيح. - أوه! نو! ذا ديفيل !
إبليس في لغة الجنرال كان اسمه «ذا ديفيل» يخرج طرف لسانه وهو ينطق حرف الذال: أيوه «زا ديفيل» يا فندم؟
يقلب حرف الذال إلى حرف الزاء، لكن مترجم الجنرال يطلب منه أن يخرج طرف لسانه من فمه، ويعلن أن الشيطان هو أصل الشر في العالم، وهو الوحيد الذي ركب رأسه وقال «لا» والجميع يسجدون، لا ترتفع لأحدهم عين. - ذا ديفيل!
ويفتح الجنرال كتاب الإنجيل بأصابع بيضاء مملوءة باللحم. يغطيها شعر أحمر اللون. يرسم الصليب فوق صدره العريض من تحت الدرع الحديدية، ثم يفتح فمه عن آخره معطيا الأمر. - كيل ذا ديفيل!
Unknown page