لم يكن لأبيها في البيت إلا هذا الكتاب. يضعه فوق الرف الخشبي إلى جوار صندوق الحلاقة. قبل أن يلمسه يتوضأ ويغسل يديه خمس مرات. يحفظه عن ظهر قلب، يردده الليل والنهار. يجثو بين يدي الله وبين يديه الكتاب.
ترفع ذراعيها نحو السماء: يا رب أبويا عمره ما فاته فرض. - عارف يا نرجس. - ليه يا رب عملت فيه كده؟! - لأمتحن قوة إيمانه يا حمارة! - أبويا كان مؤمن مية في المية.
تطرق برأسها إلى الأرض. تتراءى لها صورة سيدنا إبراهيم وهو يذبح ابنه قبل أن يهبط كبش الفداء. ترفع عينيها إلى السماء مليئتين بالدموع. كان أبوها أفضل من سيدنا إبراهيم. ذبح نفسه ولم يذبح ابنته، وأمها كانت امرأة فاضلة. عاشت عذراء مثل ستنا مريم، أما جدتها فكانت أفضل الجميع، تشقى في الحقل طول النهار، وتقضي الليل راكعة تصلي.
في المرآة رأت دموعها تنهمر فوق وجهها. مسحتها بطرف الشال الأبيض فانزلق عن كتفها كاشفا عن نهدها. امتدت يدها بسرعة وأعادت الشال إلى مكانه. عينا المدير تطلان عليها من الجدار. اختفت وراء ضلفة الدولاب: عيناه مقتحمتان كعيون المديرين. تقذفه بوسادة السرير. ينزلق الشال إلى الأرض. تلمح نفسها في المرآة عارية. تجري إلى لمبة النور تطفئها وتدس نفسها في السرير. يشد عنها الغطاء. أصابعه كبيرة يغطيها شعر شاحب كأصابع جدها، وصوته كصوت المديرين فيه سخرية. - مكسوفة يا بت؟!
يصدر عنها صوت يشبه مواء القطط: مئ مئ مئ! - ده خجل العذراوات والا إيه يا بت؟
تنكمش تحت الملاءة لا تقوى على النظر إليه. منذ جاءت إلى السراي وهي لا ترفع عينيها في عينيه؛ فهو المدير الكبير. منذ دخلت لأول مرة اتجهت عيناه إلى صدرها، وحين استدارت لتخرج من الباب أحست نظرته فوق ردفيها. تطرد عينيه عنها كما كانت تطرد صوت إبليس، وفي ليلة شتوية رأته يدخل غرفتها. أجهشت بالبكاء فوق صدره. - أنا عذراء والله العظيم يا بيه. - إزاي يا بت؟ - ما كانش فيه دم يا بيه. - يمكن غشاؤك مطاط يا بت. - مطاط يعني إيه؟ - يعني الأستيك.
وضحك بصوت عال. أطلق قهقهة اهتزت لها أرجل السرير الأربع. صوته يدوي في أذنيها وساقاها تهتزان. الأستيك؟ الكلمة لها بوز مدبب. تخرق الأذن، لكن المدير أعطاها درسا في التشريح. أخرج القلم من جيبه العلوي ورسم فتحة المهبل والغشاء. الله هو الذي خلق الغشاء المطاط. حكمتك يا رب! الأستيك يعني مرن. المرونة مطلوبة، هكذا قال لها المدير.
في المرآة رأت فوق عينيهما دمعة جافة، شعاع خافت ينبعث من المصباح بجوار السرير. مدت يدها وأطفأته. ذاب جسدها في الظلمة ومعه جسد المدير، وكل شيء راح في العدم.
معركة في الليل
كان متكورا وراء جذع الشجرة كالقنفذ. يرقب خيالها يروح ويجيء وراء النافذة. نهداها يظهران ويختفيان تحت الشال. أنفاسها تلهث. ابتهال طويل أو تنهيدة. - يا رب!
Unknown page