Janaqu Masamir Ard
الجنقو مسامير الأرض
Genres
ويبدو أن فكرة التمويل لم تكن إشاعة، ولكن المحاضر الذي أوفده البنك يوم جمعة لا ينسى قال كل ذلك، أو لم يقله، ولكن المؤكد أنه تحدث باستفاضة عن السلم، المرابحة، والمشاركة، وأصل لذلك بآيات، وأحاديث، وخطب، وشهادات فقهاء وفتاوى، وذكر فيما ذكر اسم عالم غامض لم يسمع به أحد في القرية، وهو القرضاوي ربما اشتق اسمه من قرض، من يدري؟ لم يفهم العامة الشيء القليل من خطبته العصماء، ولكنهم فهموا المهم والذي يخصهم وهو: أن هناك قروضا للجميع دون فرز، وحق للجميع، دون ربا، على سنة الله ورسوله، كل هذا تفوه به الخطيب، ولم يجتهد الناس كثيرا في التأويل، وعلى بركة ذلك بادرت المحلية بتخصيص قطعة أرض مجانية للبنك كي ينشأ عليها، وسمح باستخدام وابور المحلية لنقل الحجارة والرملة السفاية، والطوب الأحمر بسعر رمزي يغطي تكلفة العمالة، وتحصل إداريو البنك المشرفون على إنشائه وقودا، وكهرباء، وإمدادا مائيا مجانا ولوجه الله وحده، ولأجل خاطر التنمية، وابتغاء رفعة البلد.
وللحاق بركب هذا العطاء المجاني سعى المقاول الذي يعمل بالتشييد؛ لأن يحصل على عمالة مجانية للبناء من الجيش، طالما يجلس العساكر هنالك في ثكناتهم دون عمل، يلعبون الورق، والضالة، ينتظرون حروبا لن تقع في القريب العاجل، ولكن لسوء حظه أن قائد الحامية في ذلك الوقت كان جنديا يمتلك رأسا يسمى في الخفاء: ناشفا، لم يسعفه في تفهم التنمية والتطور، ودور البنك العظيم المنتظر، أو أنه كان يفهمه جيدا، فرد إليه طلبه مشفوعا بتهديد شفاهي: احذروا، واحذروا، واحذروا، الجيش دا قايلنوا شركة على الله؟ سوى هذا الصد الواضح، لم يجد البنك أي صعوبة في الحصول على أي تسهيل ومباركة، بل إن معظم الناس كانوا يحسون بأن لهم واجبا ما تجاهه، ولا يتأخرون في مد يد العون متى ما طلب منهم ذلك، كان البنك بمثابة مهدي المكان المنتظر، شربنا كركدي عند عزيزة الزغاوية، كان يجلس قربنا اثنان من السماسرة يتحسران لأجل سعر السمسم المنخفض في هذا الموسم، مع أن الإنتاج شحيح، يتعجبان؛ لأنهما يريان أن انخفاض إنتاجية السمسم يؤدي مباشرة إلى ارتفاع سعره، هذا ما تعلماه من التجربة، الشيء الذي لم يحدث هذه الأيام.
دا آخر أسبوع لحصاد السمسم، تاني ما تبقى الحته.
ولكن كان أحدهما متفائلا بعض الشيء؛ لأن شركة السمسم - حتى الآن - لم تدخل السوق لشراء متطلباتها السنوية من السمسم لأجل التصدير: ح يرتفع، ح يرتفع أكثر من السنة الفاتت، وهنا تدخل صديقي قائلا: السبب إنتاج الفول، الفول السوداني، وبرضو عباد الشمس.
ودون أن يستأذنهما طرح من رأسه سيلا من الأرقام المدهشة عن إنتاج الفول السوداني، وعباد الشمس في هذا الموسم، ثم تحدث عن سعر رطل الزيت من الاثنين: إنه ينخفض، وسوف ينخفض أكثر، وربط ذلك بالمستخدم من السمسم في زيت الطعام والحلوى، وكيف أن الفول السوداني الرخيص حل محله زيت عباد الشمس النقي الصحي منخفض الثمن المفضل لدى المصدرين، وأصبح إنتاجه ضخما، ثم أسهب في الحديث عما أسماه «مستقبل إنتاج السمسم في السودان»، هل سيصبح مثل مستقبل إنتاج القطن والصمغ العربي؟ نظرا إليه باستغراب، سأله أحدهما بعفوية: إنت في الأمن؟
مما جعلنا جميعا نضحك في وقت واحد، قال له صديقي: لا، أنا من القضارف.
قال الرجل هو يحملق في وجه صديقي: نعم، عارف، إنت الزول العندك حكاية مع الصافية، لكن إنت شغال شنو؟
قال له صديقي، وقد ظهر عليه بعض الغضب: البلد دي غير القوالات والإشاعات ما فيها شي، بلد نكد.
قال الآخر محاولا الخروج من موضوع الصراع: كدا أحسن نشوف موضوع السمسم، وقطع الحوار صوت أبواق سيارات، ونهيق ونباح بربارات ولاندروفرات مختلطا بزغاريد نساء وصبايا، غناء وجلبة، ثم عم المكان الغبار المختلق من رفس إطارات السيارات على الأرض، قالت عزيزة الزغاوية مستنكرة: دا زمن عرس؟ لسه الحصاد ما انتهى.
قال أحد السماسرة مقررا أمرا قد يبدو معروفا للجميع: العريس دا قايلاه منو؟ دا محمد عوض، سواق باربارة البرناوي، ديل بيعرسوا في أي وقت، طالما الخريف انتهى وانفتحت الشوراع، دي مرتو التالتة.
Unknown page