وَقد نطق الْقُرْآن بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يعيدهم وَيُعِيد أمثالهم إِذْ شَاءَ وَكِلَاهُمَا وَاحِد فَقَالَ كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ [سُورَة الْأَعْرَاف ٢٩] وَقَالَ تَعَالَى وإلينا ترجعون [سُورَة الْأَنْبِيَاء ٣٥] وَقَالَ وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ [سُورَة الرّوم ٢٧] وَقَالَ أوليس الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِقَادِر على أَن يخلق مثلهم بلَى وَهُوَ الخلاق الْعَلِيم [سُورَة يس ٨١] وَقَالَ إِنَّا لقادرون على أَن نبدل أمثالكم وننشئكم فِي مَا لَا تعلمُونَ وَلَقَد علمْتُم النشأة الأولى فلولا تذكرُونَ [سُورَة الْوَاقِعَة ٦١ - ٦٢]
فَهَذَا كُله معاد الْأَبدَان وَقد صرح سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ خلق جَدِيد فِي موضِعين من كِتَابه وَهَذَا الْخلق الْجَدِيد هُوَ الْمثل
الْآيَة: ٢٩
ثمَّ ختم سُبْحَانَهُ السُّورَة بِالشَّرْعِ وَالْقدر كَمَا افتتحها بالخلق وَالْهِدَايَة فَقَالَ فَمن شَاءَ اتخذ إِلَى ربه سَبِيلا [الْآيَة ٢٩] فَهَذَا شَرعه وَمحل أمره وَنَهْيه
الْآيَة الثَّلَاثُونَ
ثمَّ قَالَ وَمَا تشاءون إِلَّا أَن يَشَاء الله الْآيَة ٣٠ فَهَذَا قَضَاؤُهُ وَقدره ثمَّ ذكر الإسمين الموجبين للتخصيص وهما اسْم الْعَلِيم الْحَكِيم
وَقَوله وَمَا تشاءون إِلَّا أَن يَشَاء الله فَأخْبر أَن مشيئتهم مَوْقُوفَة على مَشِيئَته وَمَعَ هَذَا فَلَا يُوجب ذَلِك حُصُول الْفِعْل مِنْهُم إِذْ أَكثر مَا فِيهِ أَنه جعلهم شائين وَلَا يَقع الْفِعْل إِلَّا حِين يشاؤه مِنْهُم كَمَا قَالَ تَعَالَى فَمن شَاءَ ذكره وَمَا يذكرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء الله [سُورَة المدثر ٥٥ - ٥٦] وَقَالَ لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم وَمَا تشاءون إِلَّا أَن يَشَاء الله [سُورَة التكوير ٢٨ - ٢٩] وَمَعَ هَذَا فَلَا يَقع الْفِعْل مِنْهُم حَتَّى يُرِيد من نَفسه إعانتهم وتوفيقهم
فَهُنَا أَربع إرادات إِرَادَة الْبَيَان وَإِرَادَة الْمَشِيئَة وَإِرَادَة الْفِعْل وَإِرَادَة الْإِعَانَة وَالله أعلم
آخِره وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَسلم تَسْلِيمًا
1 / 77