Al-Jāmiʿ li-aḥkām al-Qurʾān
الجامع لاحكام القرآن
Editor
أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش
Publisher
دار الكتب المصرية
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م
Publisher Location
القاهرة
حَتَّى بَلَغَ وَلَا الضَّالِّينَ"، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَأَتَى وَرَقَةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: أَبْشِرْ ثُمَّ أَبْشِرْ، فَأَنَا أشهد أنك الذي بشر به عيسى بن مَرْيَمَ، وَأَنَّكَ عَلَى مِثْلِ نَامُوسِ مُوسَى، وَأَنَّكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّكَ سَوْفَ تُؤْمَرُ بِالْجِهَادِ بَعْدَ يَوْمِكَ هَذَا، وَإِنْ يُدْرِكْنِي ذَلِكَ لَأُجَاهِدَنَّ مَعَكَ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَرَقَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَقَدْ رَأَيْتُ الْقَسَّ فِي الْجَنَّةِ عَلَيْهِ ثِيَابُ الْحَرِيرِ لِأَنَّهُ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي) يَعْنِي وَرَقَةَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ﵁: هَذَا مُنْقَطِعٌ. يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ نزولها بعد ما نزل عليه" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ" [العلق: ١] و" يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ" [الْمُدَّثِّرُ: ١]. الثَّالِثَةُ: قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ظَنَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ جِبْرِيلَ ﵇ لَمْ يَنْزِلْ بِسُورَةِ الْحَمْدِ، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ سَمِعَ نَقِيضًا «١» مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمُ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَيْسَ كَمَا ظُنَّ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ ﵇ تَقَدَّمَ الْمَلَكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مُعْلِمًا بِهِ وَبِمَا يَنْزِلُ مَعَهُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ جِبْرِيلُ شَارَكَ فِي نُزُولِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ ﵇ لَمْ يُعْلِمِ النَّبِيَّ ﷺ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ بِمَكَّةَ، نَزَلَ بِهَا جِبْرِيلُ ﵇، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ" [الشعراء: ١٩٣] وَهَذَا يَقْتَضِي جَمِيعَ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ جِبْرِيلُ ﵇ نَزَلَ بِتِلَاوَتِهَا بِمَكَّةَ، وَنَزَلَ الْمَلَكُ بِثَوَابِهَا بِالْمَدِينَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ مَدَنِيَّةٌ، نَزَلَ بِهَا جِبْرِيلُ مَرَّتَيْنِ، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى. فَإِنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْقُرْآنِ والسنة، ولله الحمد والمنة.
(١). النقيض: الصوت.
1 / 116