Jamic Kabir
الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور
Investigator
مصطفى جواد
Publisher
مطبعة المجمع العلمي
ومن قبح الاستعارة أيضًا قوله:
وتقاسم الناس السخاء مجزًا ... وذهبت أنت برأسه وسنامه
وتركت للناسِ الإِرهابَ وما بقى ... من فرثِهِ وعُروقهِ وعظامهِ
فاستعار للسخاء، رأسًا وسنامًا وإهابًا وعظامًا وعروقًا. وما قنع بذلك، حتى استعار له فرثًا، فصار السخاء جملًا على الحقيقة. وأمثال ذلك كثيرة.
ولا يخلو الناظم أو النائر من سقطات تؤخذ عليه، إلا إنه ينبغي أن تكون مغفورة في جنب ماله من الجيد الحسن، لأن ذلك لا يحط من قدره في صناعته إذ العالم من تعد سقطاته، لا من يعد جيده.
ومن الاستعارة البعيدة قول بعضهم:
إلى ملك في أيكة المجد لم يزل ... على كبد المعروف من نَيْله بَرْدُ
فإن استعارته للمجد أيكة، أقرب مأخذًا من استعارته للمعروف كبدًا، وإن كانت الاستعارتان من البعد على ما أذكره لك، وهو أني أقول: قد ثبت أن الاستعارة هي الجمع بين شيئين بمعنى مشترك بينهما يكسب بيان أحدهما بالآخر، وهذه قاعدة مسلمة، لا نزاع فيها بحال من الأحوال. وإذا كان الأمر كذلك، فالجامع بين المجد
والأيكة وجه بعيد. وذلك أن المجد في وضع اللغة: هو المحتد الكريم، أي الأصل الكريم. والأيكة في وضع اللغة: واحدة الأيك، وهو شجر ماتف، فلما كان المجد هو المحتد الكريم، أي الأصل، كان للأيكة أصل أجيز استعارته للمجد أيكة من هذا الوجه، وفيه بعد، وسبب بعده؛ إنه يسوغ لقائل أن يقول: إن كل ما كان له أصل على هذا القياس يجوز أن يستعار للمجد؛ كقولنا: (جبل المجد) و(حائط المجد) وغير ذلك مما له أصل، وهذا بعيد جدًا.
1 / 89