كلمة واحدة صورة لا معنى. ألا ترى أن الأصل فيها (ليستخلفن الله المؤمنين) إلا إنه لما جاء بذكر المؤمنين مظهرًا في الأول لم يحتج في ذكرهم ثانيًا إلى الإظهار، بل اقتصر على ضميرهم كما تقول: (قاتلت بني فلان وحاربتهم) ينوب مناب قولك (وحاربت بني فلان أيضًا). وهذا مما لا نزاع فيه لوضوحه. وكذلك القول في اللفظة الأخرى وهي قوله تعالى: (فسيكفيكهم الله) ولا تجد في القرآن الكريم لفظة واحدة، مثل لفظة (سويداواتها) في الطول، لأنها ليست ثلاث كلمات وقد جمعت كلمة واحدة كما أريناك وإنما هي كلمة تدل على معنى الجمعية لا غير، وفي آخرها الهاء والألف لإضافتها إلى المؤنث، فاعرف ذلك.
وأما النوع السابع الذي ابتكرناه نحن فهو أن تكون الكلمة مبنية من حركات خفيفة، وسبب ذلك سرعة النطق بهاء ومضاؤه فيها من غير عناء يلحقه ولا كلفة؛ ولهذا إذا توالى حركتان خفيفتان في كلمة واحدة، لم يستكره ذلك ولم يستثقل، بخلاف هذا في الحركات الثقيلة؛ فإنه إذا توالى منها اثنتان في كلمة واحدة استكرهت واستثقلت؛ وذلك لما يجده الناطق فيها من تكلف العناء وتجشم المشقة. ومن أجل هذا استثقلت الضمة على الواو، والكسرة على الياء؛ لأن الضمة من جنس الواو والكسرة من جنس الياء، فتكون عند ذلك كأنها حركتان ثقيلتان. ولنضرب لهذا مثالًا كيف اتفق فتقول: إنا إذا أتينا بلفظة مؤلفة من ثلاثة أحرف وهي (ج ز ع) فلا خلاف أنا إذا جعلنا (الجيم) مفتوحة كانت أحسن من جعلها مضمومة، فإن من له أدني ذوق وأقل معرفة يعلم أن (الجزع) أحسن موقعًا من الجزع، و(الجزع) أحسن موقعًا من (الجزع). ومن المعلوم أن هذه اللفظة لم يكن اختلاف حركاتها مغيرًا لمخارج حروفها، حتى ينسب حسنها وقبحها إلى المخارج، بل قد تحققنا إنه
يكسوها تارة حسنًا وتارة يسلب ذلك الحسن عنها، ورأينا الحسن إنما يحدث لها إذا افتحنا (الجيم) منها، فعلمنا أن حسنها حادث من ذلك السبب؛ فإن الشيء إذا رأيناه يتغير وتختلف أحواله، ورأينا أن
1 / 59