النوع السادس من القسم الأول من الباب الأول
وهو أن تكون الكلمة مؤلفة من أقل الأوزان تركيبًا
وسبب ذلك أنها إذا ركبت من حروف قليلة خفت على النطق لقصرها، وسهل التعبير بها على اللسان لسرعة فراغه منها، وإذا تركيب من حروف كثيرة كان في النطق بها كلفة على الناطق، وذلك لتطاولها وامتداد الصوت بها. ولنضرب لهذا مثالا كيف اتفق، ليكون أسرع فهمًا للمتأمل، فتقول: إذا تلفظ الناطق بالثلاثي، فقال للماء الطيب (عذب) أو تلفظ بالرباعي، فقال للذهب (عسجد) كان ذلك أسهل عليه من التلفظ بالخماسي إذا قال للمرأة الشديدة الصوت (صهصاق) وللعجوز (جحمرش) وذلك مما لا يمكن النزاع فيه، لأن شاهده من نفسه ودليله من ذاته. ولهذا كانت أكثر ألفاظ القرآن الكريم ثلاثية، وكان القليل رباعيًا. وأما الخماسي فليس في القرآن منه شيء البتة، إلا ما كان اسم نبي فقط نحو إبراهيم، وإسماعيل. وغيرهما.
واعلم أن الأسماء الثلاثية في الأصل، إذا كان فيها زيادة فأكثر ما تبلغ سبعة أحرف، وكذلك الرباعية أيضًا. وأما الخماسية، فإن زيادتها لا تكون إلا حرفًا واحدًا، وذلك لأن الخماسي عندهم غاية الأصول، فلا يحتمل غاية الزيادات. وأما الأفعال فلا تكون خماسية في الأصل بل غايتها أن تكون رباعية فقط. وذلك أن الأسماء أقوى من الأفعال، وحيث كانت أقوى منها جعلوا لها ميزة عليها، وفضيلة فوقها. وسبب قوة الأسماء على الأفعال استغناء الأسماء عنها، وحاجة الأفعال إليها. إلا ترى الاسم نحو (زيد منطلق) كلام مفيد؟ والفعل مع الفعل نحو (ضرب قام) ليس بكلام مفيد؟ ولكن إذا اقترن الاسم بالفعل نحو (قام زيد) صار ذلك كلامًا
مفيدًا. فالأسماء إذن مستغنية عن الأفعال، والأفعال ليست مستغنية عن الأسماء، بل هي مفتقرة إليها. وحيث تكلمنا على الأصول الثلاثة؛ ثلاثيها ورباعيها وخماسيها
1 / 57