فأما الإضافة إلى من ذكره ففيها قبح لا خفاء به) هذه حكاية كلام أبي محمد بن سنان الخفاجي، وهو كلام مرضي واقع موقعه في هذا الباب. ولنذكر نحن ما عندنا من ذلك فنقول: قد جاءت لفظة (مقاعد) في القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال). إلا أنها في الآية غير مضافة إلى من يقبح إضافتها إليه، كما جاءت في شعر الشريف
الرضي، وهو قوله (مقاعد العواد). فلو لم يذكر القرينة التي هي لفظة (العواد)، لكان الأمر يسهل في ذلك، ولو قال عوضًا عن (مقاعد العواد) مقاعد الزيارة، وما جرى هذا المجرى لذهب ذلك القبح وزالت تلك الهجنة والكراهة. ولهذا جاءت هذه اللفظة اعني (مقاعد) في الآية على ما ترى من الحسن والجودة، وجاءت في شعر الشريف الرضي على ما ترى من القبح والرداءة، فاعرف ذلك وقس عليه.
وأما الذي ورد من هذا النوع مهملا بغير قرينة، فكقول تأبط شرًا:
أقول للحيانٍ وقد صفرت لهم ... وطابي ويومي ضيق الجحر مُعور
ولو ورد مع ذلك قرينة لم يفده شيئًا البتة، ألا ترى أن لفظة (الجحر) تطلق على كل ثقب، كثقب الحية، وثقب اليربوع وغير ذلك، وتطلق أيضًا على المحل المخصوص من الحيوان، وإنما استقبحت هاهنا، لأن الوهم يسبق إلى ما تدل عليه من المحل المخصوص، دون غيره. ومع هذا فأي قرينة وردت مع هذه اللفظة لا تذهب ما عليها من الكراهة، ولا تزيل ما فيها من القبح. وأمثال ذلك كثيرة، فاعرفها.
النوع الخامس من القسم الأول من الباب الأول
وهو أن تكون الكلمة مصغرة
في موضع يعبر بها عن شيء خفي أو لطيف أو ضعيف أو ما جانس ذلك ومعاني التصغير خمسة:
1 / 54