مكتوبًا من غير تصوت به، ولا نطق، إذا عرضه على طبعة السليم، وفكره المستقيم، عرف جودة ألفاظه، وعلم حسن تركيبها من قبحه. ولا خلطة للسمع في ذلك ولا مشاركة. فقد ثبت بهذا الدليل فساد ما ذكرته من قياس السمع على البصر، واختلال ما أشرت إليه من ذلك.
وإنما القول السديد في حسن اللفظ المتباعد المخارج، وقبح اللفظ المتقارب المخارج، ما سنورد هاهنا: وهو أن الفائدة في الأشياء المركبة، إنما هي اختلاف أجزائها وتباين مفرداتها، ليؤثر التركيب عند ذلك شيئًا لم يكن؛ إما حسنًا وإما قبحًا.
فأما إذا كانت أجزاؤها مشابهًا بعضها البعض، فإنه لا يكون لتركيبها حينئذ كبير فائدة، وهذا مما لا نزاع فيه؛ لوضوحه وبيانه.
وحيث كانت الحال في الأشياء المركبة كذلك، قسنا عليه تركيب مخارج الحروف. وذلك أن من المخارج ما هو مختلف ونعني بالمختلف هاهنا: المتقارب؛ كالراء، واللام، والطاء، والسين وغير ذلك، مما يجري هذا المجري. فمتى كانت الكلمة مركبة من حروف متباعدة المخارج، أثر التركيب فيها أثرًا؛ وهو الحسن والجودة
في الغالب. ومتى كانت الكلمة مركبة من حروف متقاربة المخارج، جاءت بخلاف ذلك في الغالب أيضًا.
فإن قيل: أما قولك: إن الكلمة، إذا ركبت من حروف متباعدة المخارج، أثر التركيب فيها أثرًا مسلم إليك ذلك. وأما تخصيصك ذلك التأثير بالحسن والجودة، فهذا تحكم محض أنت مطالب بإثباته.
1 / 39