Jamic Kabir
الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور
Investigator
مصطفى جواد
Publisher
مطبعة المجمع العلمي
من الإيجاز، والتكرير، والمقابلة، والتفسير، وغيرهما، مما أشرنا إليه، فإن كل ضرب من هذه الضروب المذكورة، إذا وصل الكلام فيه إلى حقه، يكون إطنابًا، فذلك من أعجب
الأشياء وأطرافها. وأن كان يعني بالإشباع الزيادة على قدر ما يستحقه الكلام ويحتاج إليه، وذلك هو التطويل بعينه، فإنه يلزم من هذا القول، أن التطويل في الكلام، إذا كان واضحًا بينًا، يكون من أفضل الكلام، وذلك ما لا يوافق عليه، بحال من الأحوال، بل كان يحتاج في قوله: (إن أفضل الكلام أبينه) إلى قرينة أخرى، وهو أن كان قال (أفضل الكلام أوجزه وأبينه)، فإنه لو قال ذلك، لكان قوله صوابًا لا يخالف فيه، وأما قوله (وكما أن الإيجاز له موضع، فكذلك الإطناب له موضع، والحاجة إلى الإيجاز في موضعه كالحاجة إلى الإطناب في موضعه، ومن استعمل الإيجاز في موضع الإطناب والإطناب في موضع الإيجاز فقد أخطأ) فكأنه توهم من هذا القول، أن الإطناب ضد الإيجاز، وإذا كان الأمر كذلك فهو التطويل بعينه.
ومما يقوى هذا الوهم قوله أيضًا (إن الإيجاز للخواص، والإطناب يشترك فيه الخواص والعوام). وأما قوله إن النبي ﷺ قال: (خاطبوا الناس على قدر عقولهم) فإن كان غرضه من قول النبي ﷺ مخاطبة كل فريق من الناس بما يفهمونه فهذا لا يتعلق بصنف واحد من صنوف الكلام، إطنابًا كان ذلك أو إيجازًا أو غيرهما، إذ الإفهام يشتمل على أنواع الكلام جميعها، ومتى لم يكن الكلام مفهومًا واضح المعاني فليس عندنا محسوبًا في جملة علم البيان، ولا نعده من صناعة التأليف بشيء.
وقد يخاطب مؤلف الكلام العامة بأوحش الخطاب وأحقره، ويفهمون من ذلك قوله، ويعرفون خطابه. فإن الأصل في الكلام: إنما هو كشف معانيه للمخاطب وإيضاحها له، وسواء عند ذلك خوطب به الخاصة أو العامة، فاعرف هذا وقس عليه.
ومعنى قول النبي ﷺ: (خاطبوا الناس على قدر عقولهم)
أي كملوهم بما يعرفونه من الألفاظ ويعتادونه بينهم من الكلام، كما كتب ﵇ إلى كسرى
1 / 149