Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
في ليلة كفر النجوم غمامها
يعني عطاها فكذلك الاحبار من اليهود غطوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وكتموه الناس مع علمهم بنبوته ووجودهم صفته في كتبهم،فقال الله جل ثناؤه فيهم
إن الذين يكتمون مآ أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون
[البقرة: 159] وهم الذين أنزل الله عز وجل فيهم { إن الذين كفروا سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون }. القول في تأويل قوله جل ثناؤه: { سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } وتأويل سواء معتدل مأخوذ من التساوي، كقولك متساو هذان الامران عندي، وهما عندي سواء:أي هما متعادلان عندي. ومنه قول الله جل ثناؤه " فانبذ اليهم على سواء " ، يعني أعلمهم وآذنهم بالحرب، حتى يستوي علمك وعلمهم بما عليه كل فريق منهم للفريق الآخر، فكذلك قوله: { سوآء عليهم } معتدل عندهم أي الامرين كان منك اليهم الإنذارأم ترك الإنذار لأنهم كانوا لا يؤمنون، وقد ختمت على قلوبهم وسمعهم، ومن ذلك قول عبد الله بن قيس الرقيات:
تغذ بي الشهباء نحو ابن جعفر
سواء عليها ليلها ونهارها
يعني بذلك معتدل عندها في السير الليل والنهار، لأنه لا فتور فيه. ومنه قول الآخر:
وليل يقول المرء من ظلماته
سواء صحيحات العيون وعورها
لأن الصحيح لا يبصر فيه إلا بصرا ضعيفا من ظلمته. وأما قوله { ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } فإنه ظهر به الكلام ظهور الاستفهام وهو خبر لأنه وقع موقع أي، كما تقول لا نبالي أقمت أم قعدت، وأنت مخبر لا مستفهم لوقوع ذلك موقع أي،وذلك أن معناه إذا قلت ذلك ما نبالي أي هذين كان منك، فكذلك ذلك في قوله { سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } لما كان معنى الكلام: سواء عليهم أي هذين كان منك اليهم حسن في موضعه مع سواء أفعلت أم لم تفعل، وقد كان بعض نحوبي البصرة يزعم أن حرف الاستفهام إنما دخل مع سواه وليس باستفهام، لأن المستفهم إذا استفهم غيره فقال: أزيد عندك أم عمرو ومستثبت صاحبه أيهما عنده فليس أحدهما أحق بالاستفهام من الآخر، فلما كان قوله: { سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } بمعنى التسوية أشبه ذلك الاستفهام إذ ؤشبهه في التسوية،وقد بينا الصواب في ذلك، فتأويل الكلام إذا معتدل يا محمد على هؤلاء الذين جحدوا نبوتك من أحبار يهود المدينة بعد علمهم بها،وكتموا بيان أمرك للناس بأنك رسولي إلى خلقي، وقد أخذت عليهم العهد والميثاق أن لا يكتموا ذلك وأن يبينوه للناس ويخبروهم أنهم يجدون صفتك في كتبهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم فأنهم لا يؤمنون ولا يرجعون إلى الحق ولا يصدقون بك وبما جئتهم به.
Unknown page