350

Jāmiʿ al-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

جامع البيان في تفسير القرآن

القول في تأويل قوله تعالى: { وحين البأس }. يعني تعالى ذكره بقوله: { وحين البأس } والصابرين في وقت البأس، وذلك وقت شدة القتال في الحرب. كما: حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العبقري، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أسباط، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله في قول الله: { وحين البأس } قال: حين القتال. حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله، مثله. حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وحين البأس } القتال. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: { وحين البأس } أي عند مواطن القتال. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: { وحين البأس } القتال. حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { وحين البأس } عند لقاء العدو. حدثني المثنى قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عبيد، عن الضحاك: { وحين البأس } القتال. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبيد بن الطفيل أبو سيدان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: { وحين البأس } قال: القتال. القول في تأويل قوله تعالى: { أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون }. يعني تعالى ذكره بقوله: { أولئك الذين صدقوا } من آمن بالله واليوم الآخر، ونعتهم النعت الذي نعتهم به في هذه الآية، يقول: فمن فعل هذه الأشياء فهم الذين صدقوا الله في إيمانهم وحققوا قولهم بأفعالهم، لا من ولى وجهه قبل المشرق والمغرب وهو يخالف الله في أمره وينقض عهده وميثاقه ويكتم الناس بيان ما أمره الله ببيانه ويكذب رسله. وأما قوله: { وأؤلئك هم المتقون } فإنه يعني: وأؤلئك الذين اتقوا عقاب الله فتجنبوا عصيانه وحذروا وعده فلم يتعدوا حدوده وخافوه، فقاموا بأداء فرائضه. وبمثل الذي قلنا في قوله: { أولئك الذين صدقوا } كان الربيع بن أنس يقول. حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: { أولئك الذين صدقوا } قال: فتكلموا بكلام الإيمان، فكانت حقيقته العمل صدقوا الله. قال: وكان الحسن يقول: هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل، فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء.

[2.178]

يعني تعالى ذكره بقوله: { كتب عليكم القصاص في القتلى } فرض عليكم. فإن قال قائل: أفرض على ولي القتيل القصاص من قاتل وليه؟ قيل: لا ولكنه مباح له ذلك، والعفو، وأخذ الدية. فإن قال قائل: وكيف قال: { كتب عليكم القصاص }؟ قيل: إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه، وإنما معناه: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى. أي أن الحر إذا قتل الحر، فدم القاتل كفء لدم القتيل، والقصاص منه دون غيره من الناس، فلا تجاوزوا بالقتل إلى غيره ممن لم يقتل، فإنه حرام عليكم أن تقتلوا بقتيلكم غير قاتله. والفرض الذي فرض الله علينا في القصاص هو ما وصفت من ترك المجاوزة بالقصاص قتل القاتل بقتيله إلى غيره لا أنه وجب علينا القصاص فرضا وجوب فرض الصلاة والصيام حتى لا يكون لنا تركه، ولو كان ذلك فرضا لا يجوز لنا تركه لم يكن لقوله: { فمن عفي له من أخيه شيء } معنى مفهوم، لأنه لا عفو بعد القصاص فيقال: فمن عفي له من أخيه شيء. وقد قيل: إن معنى القصاص في هذه الآية مقاصة ديات بعض القتلى بديات بعض وذلك أن الآية عندهم نزلت في حزبين تحاربوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل بعضهم بعضا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم، بأن تسقط ديات نساء أحد الحزبين بديات نساء الآخرين، وديات رجالهم بديات رجالهم، وديات عبيدهم بديات عبيدهم قصاصا، فذلك عندهم معنى القصاص في هذه الآية. فإن قال قائل: فإنه تعالى ذكره قال: { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } فما لنا أن نقتص للحر إلا من الحر، ولا للأنثى إلا من الأنثى؟ قيل: بل لنا أن نقتص للحر من العبد وللأنثى من الذكر، بقول الله تعالى ذكره:

ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا

[الإسراء: 33] وبالنقل المستفيض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

" المسلمون تتكافأ دماؤهم "

فإن قال: فإذ كان ذلك، فما وجه تأويل هذه الآية؟ قيل: اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: نزلت هذه الآية في قوم كانوا إذا قتل الرجل منهم عبد قوم آخرين لم يرضوا من قتيلهم بدم قاتله من أجل أنه عبد حتى يقتلوا به سيده، وإذا قتلت المرأة من غيرهم رجلا لم يرضوا من دم صاحبهم بالمرأة القاتلة، حتى يقتلوا رجلا من رهط المرأة وعشيرتها، فأنزل الله هذه الآية، فأعلمهم أن الذي فرض لهم من القصاص أن يقتلوا بالرجل الرجل القاتل دون غيره، وبالأنثى الأنثى القاتلة دون غيرها من الرجال، وبالعبد العبد القاتل دون غيره من الأحرار، فنهاهم أن يتعدوا القاتل إلى غيره في القصاص.

ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو الوليد، وحدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قالا: ثنا حماد، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي في قوله: { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } قال: نزلت في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتال عمية، فقالوا: نقتل بعبدنا فلان ابن فلان، وبفلانة فلان ابن فلان، فأنزل الله: { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى }. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } قال: كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان، فكان الحي إذا كان فيهم عدة ومنعة، فقتل عبد قوم آخرين عبدا لهم، قالوا: لا نقتل به إلا حرا تعززا لفضلهم على غيرهم في أنفسهم، وإذا قتلت لهم امرأة قتلتها امرأة قوم آخرين، قالوا: لا نقتل بها إلا رجلا. فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فنهاهم عن البغي. ثم أنزل الله تعالى ذكره في سورة المائدة بعد ذلك فقال:

وكتبنا عليهم فيهآ أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص

[المائدة: 45]. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { كتب عليكم القصاص في القتلى } قال: لم يكن لمن قبلنا دية إنما هو القتل أو العفو إلى أهله، فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم، فكانوا إذا قتل من الحي الكثير عبد، قالوا: لا نقتل به إلا حرا، وإذا قتلت منهم امرأة قالوا: لا نقتل بها إلا رجلا، فأنزل الله: { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى }. حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت داود، عن عامر في هذه الآية: { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } قال: إنما ذلك في قتال عمية إذا أصيب من هؤلاء عبد ومن هؤلاء عبد تكافآ، وفي المرأتين كذلك، وفي الحرين كذلك، هذا معناه إن شاء الله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: دخل في قول الله تعالى ذكره: { الحر بالحر } الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل. وقال عطاء: ليس بينهما فضل. وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في فريقين كان بينهم قتال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل من كلا الفريقين جماعة من الرجال والنساء، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم بأن يجعل ديات النساء من كل واحد من الفريقين قصاصا بديات النساء من الفريق الآخر، وديات الرجال بالرجال، وديات العبيد بالعبيد فذلك معنى قوله: { كتب عليكم القصاص في القتلى }.

Unknown page