222

Jamic Bayan

جامع البيان في تفسير القرآن

" ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ إلى قعره "

قال أبو جعفر: فمعنى الآية على ما روي عمن ذكرت قوله في تأويل { ويل } فالعذاب الذي هو شرب صديد أهل جهنم في أسفل الجحيم لليهود الذين يكتبون الباطل بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله. القول في تأويل قوله تعالى: { للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا }. يعني بذلك: الذين حرفوا كتاب الله من يهود بني إسرائيل وكتبوا كتابا على ما تأولوه من تأويلاتهم مخالفا لما أنزل الله على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم ثم باعوه من قوم لا علم لهم بها ولا بما في التوراة جهال بما في كتب الله لطلب عرض من الدنيا خسيس فقال الله لهم { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون }. كما حدثني موسى قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا قال كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم يبيعون من العرب ويحدثونهم أنه من عند الله ليأخذوا به ثمنا قليلا.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله، ولا كتابا أنزله الله فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالو لقوم سفلة جهال هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا قال عرضا من عرض الدنيا.حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله { الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله } قال هؤلاء الذين عرفوا أنه من عند الله يحرفونه.حدثني المثنى قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله إلا أنه قال ثم يحرفونه.حدثنا بشر بن معاذ قال ثنا يزيد عن قتادة { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } الآية وهم اليهود.حدثناالحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله { فويل للذين يكتبون الكتاب... } قال: كان ناس من بني اسرائيل كتبوا كتابا بأيديهم ليتأكلوا الناس فقالوا هذا من عند الله وما هو من عند الله. حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قوله: { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا } قال: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم، فحرفوه عن مواضعه يبتغون بذلك عرضا من عرض الدنيا، فقال: { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون }. حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا إبراهيم بن عبد السلام، قال: ثنا علي ابن جرير، عن حماد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن كنانة العدوي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون }:

" الويل: جبل في النار "

وهو الذي أنزل في اليهود لأنهم حرفوا التوراة، وزادوا فيها ما يحبون، ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة، فلذلك غضب الله عليهم فرفع بعض التوراة فقال: { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون }. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، قال: { ويل }: واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لانماعت من شدة حره. قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: ما وجه { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم }؟ وهل تكون الكتابة بغير اليد حتى احتاج المخاطبون بهذه المخاطبة إلى أن يخبروا عن هؤلاء القوم الذين قص الله قصتهم أنهم كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم؟ قيل له: إن الكتاب من بني آدم وإن كان منهم باليد، فإنه قد يضاف الكتاب إلى غير كاتبه وغير المتولي رسم خطه، فيقال: كتب فلان إلى فلان بكذا، وإن كان المتولي كتابته بيده غير المضاف إليه الكتاب، إذا كان الكاتب كتبه بأمر المضاف إليه الكتاب.

فأعلم ربنا بقوله: { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } عباده المؤمنين أن أحبار اليهود تلي كتابة الكذب والفرية على الله بأيديهم على علم منهم وعمد للكذب على الله ثم تنحله إلى أنه من عند الله وفي كتاب الله تكذبا على الله وافتراء عليه. فنفى جل ثناؤه بقوله: { يكتبون الكتاب بأيديهم } أن يكون ولي كتابة ذلك بعض جهالهم بأمر علمائهم وأحبارهم. وذلك نظير قول القائل: باعني فلان عينه كذا وكذا، فاشترى فلان نفسه كذا، يراد بإدخال النفس والعين في ذلك نفي اللبس عن سامعه أن يكون المتولي بيع ذلك وشراءه غير الموصوف به بأمره، ويوجب حقيقة الفعل للمخبر عنه فكذلك قوله: { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم }. القول في تأويل قوله تعالى: { فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون }. يعني جل ثناؤه بقوله: { فويل لهم مما كتبت أيديهم } أي فالعذاب في الوادي السائل من صديد أهل النار في أسفل جهنم لهم، يعني للذين يكتبون الكتاب الذي وصفنا أمره من يهود بني إسرائيل محرفا، ثم قالوا: هذا من عند الله ابتغاء عرض من الدنيا به قليل ممن يبتاعه منهم. وقوله: { مما كتبت أيديهم } يقول: من الذي كتبت أيديهم من ذلك { وويل لهم } أيضا { مما يكسبون } يعني مما يعملون من الخطايا، ويجترحون من الآثام، ويكسبون من الحرام بكتابهم الذي يكتبونه بأيديهم، بخلاف ما أنزل الله، ثم يأكلون ثمنه وقد باعوه ممن باعوه منهم على أنه من كتاب الله. كما: حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: { وويل لهم مما يكسبون } يعني من الخطيئة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { فويل لهم } يقول: فالعذاب عليهم قال: يقول من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب { وويل لهم مما يكسبون } يقول: مما يأكلون به من السفلة وغيرهم. قال أبو جعفر: وأصل الكسب: العمل، فكل عامل عملا بمباشرة منه لما عمل ومعاناة باحتراف، فهو كاسب لما عمل، كما قال لبيد بن ربيعة:

لمعفر قهد تنازع شلوه

غبس كواسب لا يمن طعامها

[2.80]

يعني بقوله: { وقالوا } اليهود، يقول: وقالت اليهود: { لن تمسنا النار } ، يعني لن تلاقي أجسامنا النار، ولن ندخلها إلا أياما معدودة. وإنما قيل معدودة وإن لم يكن مبينا عددها في التنزيل لأن الله جل ثناؤه أخبر عنهم بذلك وهم عارفون عدد الأيام التي يوقتونها لمكثهم في النار ، فلذلك ترك ذكر تسمية عدد تلك الأيام وسماها معدودة لما وصفنا. ثم اختلف أهل التأويل في مبلغ الأيام المعدودة التي عينها اليهود القائلون ما أخبر الله عنهم من ذلك. فقال بعضهم بما: حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } قال ذلك أعداء الله اليهود، قالوا: لن يدخلنا الله النار إلا تحلة القسم الأيام التي أصبنا فيها العجل أربعين يوما، فإذا انقضت عنا تلك الأيام، انقطع عنا العذاب والقسم. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: { لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } قالوا: أياما معدودة بما أصبنا في العجل. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } قال: قالت اليهود: إن الله يدخلنا النار فنمكث فيها أربعين ليلة، حتى إذا أكلت النار خطايانا واستنقتنا، نادى مناد: أخرجوا كل مختون من ولد بني إسرائيل، فلذلك أمرنا أن نختتن. قالوا: فلا يدعون منا في النار أحدا إلا أخرجوه. حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمرنا، فأقسم ليعذبنا أربعين ليلة، ثم يخرجنا. فأكذبهم الله. حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن قتادة، قال: قالت اليهود: لن ندخل النار إلا تحلة القسم، عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل. حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } الآية. قال ابن عباس: ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة مكتوبا: «إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم نابتة في أصل الجحيم». وكان ابن عباس يقول: إن الجحيم سقر، وفيه شجرة الزقوم، فزعم أعداء الله أنه إذا خلا العدد الذي وجدوا في كتابهم أياما معدودة. وإنما يعني بذلك المسير الذي ينتهي إلى أصل الجحيم، فقالوا: إذا خلا العدد انتهى الأجل فلا عذاب وتذهب جهنم وتهلك فذلك قوله: { لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } يعنون بذلك الأجل.

Unknown page