Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
[ابراهيم: 22] وقال:
وإذ يعدكم الله إحدى الطآئفتين أنها لكم
[الأنفال: 7] قالوا: فكذلك الواجب أن يكون هو المنفرد بالوعد في قوله: «وإذ وعدنا موسى». والصواب عندنا في ذلك من القول، أنهما قراءتان قد جاءت بهما الأمة وقرأت بهما القراء، وليس في القراءة بإحداهما إبطال معنى الأخرى، وإن كان في إحداهما زيادة معنى على الأخرى من جهة الظاهر والتلاوة. فأما من جهة المفهوم بهما فهما متفقتان، وذلك أن من أخبر عن شخص أنه وعد غيره اللقاء بموضع من المواضع، فمعلوم أن الموعود ذلك واعد صاحبه من لقائه بذلك المكان، مثل الذي وعده من ذلك صاحبه إذا كان وعده ما وعده إياه من ذلك عن اتفاق منهما عليه. ومعلوم أن موسى صلوات الله عليه لم يعده ربه الطور إلا عن رضا موسى بذلك، إذ كان موسى غير مشكوك فيه أنه كان بكل ما أمر الله به راضيا، وإلى محبته فيه مسارعا. ومعقول أن الله تعالى لم يعد موسى ذلك إلا وموسى إليه مستجيب. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الله عز ذكره قد كان وعد موسى الطور، ووعده موسى اللقاء، وكان الله عز ذكره لموسى واعدا ومواعدا له المناجاة على الطور، وكان موسى واعدا لربه مواعدا له اللقاء. فبأي القراءتين من «وعد» و«واعد» قرأ القارىء، فهو الحق في ذلك من جهة التأويل واللغة، مصيب لما وصفنا من العلل قبل. ولا معنى لقول القائل: إنما تكون المواعدة بين البشر، وأن الله بالوعد والوعيد منفرد في كل خير وشر وذلك أن انفراد الله بالوعد والوعيد في الثواب والعقاب والخير والشر والنفع والضر الذي هو بيده وإليه دون سائر خلقه، لا يحيل الكلام الجاري بين الناس في استعمالهم إياه عن وجوهه ولا يغيره عن معانيه. والجاري بين الناس من الكلام المفهوم ما وصفنا من أن كل إيعاد كان بين اثنين فهو وعد من كل واحد منهما صاحبه ومواعدة بينهما، وأن كل واحد منهما واعد صاحبه مواعد، وأن الوعد الذي يكون به الإنفراد من الواعد دون الموعود إنما هو ما كان بمعنى الوعد الذي هو خلاف الوعيد.
القول في تأويل قوله تعالى: { موسى }. وموسى فيما بلغنا بالقبطية كلمتان، يعني بهما: ماء وشجر، فمو: هو الماء، وسا: هو الشجر. وإنما سمي بذلك فيما بلغنا، لأن أمه لما جعلته في التابوت حين خافت عليه من فرعون وألقته في اليم كما أوحى الله إليها وقيل: إن اليم الذي ألقته فيه هو النيل دفعته أمواج اليم، حتى أدخلته بين أشجار عند بيت فرعون، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن، فوجدن التابوت، فأخذنه، فسمي باسم المكان الذي أصيب فيه. وكان ذلك المكان فيه ماء وشجر، فقيل: موسى ماء وشجر: كذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، عن أسباط بن نصر، عن السدي. وهو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله، فيما زعم ابن إسحاق. حدثني بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل عنه. القول في تأويل قوله تعالى: { أربعين ليلة }. ومعنى ذلك { وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة } بتمامها، فالأربعون ليلة كلها داخلة في الميعاد. وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معناه: وإذ واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة أي رأس الأربعين، ومثل ذلك بقوله:
وسئل القرية
[يوسف: 82] وبقولهم اليوم أربعون منذ خرج فلان، واليوم يومان، أي اليوم تمام يومين وتمام أربعين. وذلك خلاف ما جاءت به الرواية عن أهل التأويل وخلاف ظاهر التلاوة، فأما ظاهر التلاوة، فإن الله جل ثناؤه قد أخبر أنه واعد موسى أربعين ليلة، فليس لأحد إحالة ظاهر خبره إلى باطن بغير برهان دال على صحته. وأما أهل التأويل فإنهم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره، وهو ما: حدثني به المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قوله: { وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة } قال: يعني ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة. وذلك حين خلف موسى أصحابه، واستخلف عليهم هارون، فمكث على الطور أربعين ليلة، وأنزل عليه التوراة في الألواح، وكانت الألواح من زبرجد. فقربه الرب إليه نجيا، وكلمه، وسمع صريف القلم. وبلغنا أنه لم يحدث حدثا في الأربعين ليلة حتى هبط من الطور. وحدثت عن عمار بن الحسن، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، بنحوه. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، قال: وعد الله موسى حين أهلك فرعون وقومه، ونجاه وقومه ثلاثين ليلة، ثم أتمها بعشر، فتم ميقات ربه أربعين ليلة، تلقاه ربه فيها بما شاء.
واستخلف موسى هارون على بني إسرائيل، وقال: إني متعجل إلى ربي فاخلفني في قومي ولا تتبع سبيل المفسدين فخرج موسى إلى ربه متعجلا للقائه شوقا إليه، وأقام هارون في بني إسرائيل ومعه السامري يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به. حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط عن السدي، قال: انطلق موسى واستخلف هارون على بني إسرائيل، وواعدهم ثلاثين ليلة وأتمها الله بعشر. القول في تأويل قوله تعالى: { ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظلمون }. وتأويل قوله: { ثم اتخذتم العجل من بعده } ثم اتخذتم في أيام مواعدة موسى العجل إلها من بعد أن فارقكم موسى متوجها إلى الموعد. والهاء في قوله «من بعده» عائدة على ذكر موسى. فأخبر جل ثناؤه المخالفين نبينا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل المكذبين به المخاطبين بهذه الآية، عن فعل آبائهم وأسلافهم وتكذيبهم رسلهم وخلافهم أنبياءهم، مع تتابع نعمه عليهم وسبوغ آلائه لديهم، معرفهم بذلك أنهم من خلافهم محمدا صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به وجحودهم لرسالته، مع علمهم بصدقه على مثل منهاج آبائه وأسلافهم، ومحذرهم من نزول سطوته بهم بمقامهم على ذلك من تكذيبهم ما نزل بأوائلهم المكذبين بالرسل من المسخ واللعن وأنواع النقمات. وكان سبب اتخاذهم العجل ما: حدثني به عبد الكريم بن الهيثم، قال: حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي ، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما هجم فرعون على البحر هو وأصحابه، وكان فرعون على فرس أدهم ذنوب حصان فلما هجم على البحر هاب الحصان أن يقتحم في البحر، فتمثل له جبريل على فرس أنثى وديق، فلما رآها الحصان تقحم خلفها. قال: وعرف السامري جبريل لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه، فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه، فيجد في بعض أصابعه لبنا، وفي الأخرى عسلا، وفي الأخرى سمنا. فلم يزل يغذوه حتى نشأ، فلما عاينه في البحر عرفه، فقبض قبضة من أثر فرسه. قال: أخذ من تحت الحافر قبضة. قال سفيان: فكان ابن مسعود يقرؤها: «فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول». قال أبو سعيد، قال عكرمة، عن ابن عباس: وألقي في روع السامري أنك لا تلقيها على شيء فتقول كن كذا وكذا إلا كان. فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر. فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر، وأغرق الله آل فرعون، قال موسى لأخيه هارون:
اخلفني في قومي وأصلح
[الأعراف: 142] ومضى موسى لموعد ربه. قال: وكان مع بني إسرائيل حلي من حلي آل فرعون قد تعوروه، فكأنهم تأثموا منه، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه، قال السامري بالقبضة التي كانت في يده هكذا، فقذفها فيه وأومأ ابن إسحاق بيده هكذا وقال: كن عجلا جسدا له خوار فصار عجلا جسدا له خوار.
وكان يدخل الريح في دبره ويخرج من فيه يسمع له صوت، فقال: هذا إلهكم وإله موسى. فعكفوا على العجل يعبدونه، فقال هارون:
Unknown page