ولما كان الله -تعالى- ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا يوصف بأشباه خلقه، ولا بشيء من حالاتهم لم يجز أن يشبه علمه بهم، ولا كلامه بكلامهم.
ولما كان الإجماع أن كلام العباد وعلمهم اكتساب، وهو غيرهم |وهو| مخلوق وهم مخلوقون، فصح حدثهم.
ولما كان الإجماع أن علم الله غير مكتسب، ولا كلامه باكتساب، ولا يشبه بكلام العباد لم يجز أن يقال: إن كلامه مخلوق، فيقع الاشتباه في ذلك بقول القائل: إن كلامه مخلوق، ويشبه بخلقه؛ لأن معاني المخلوق تشتبه، فناقض القائل ما وقع من الإجماع أن الله لا يشبه بشيء من خلقه، ولا كلامهم مثل كلامه في شيء، ولا كلامه مكتسب بشيء، ولم يجز لقائل هذا.
ولما نطق القرآن أن الله واحد {ليس كمثله شيء}، وهو الله الواحد القهار العالم المتكلم بالإجماع، فسد قول من أوجب الله حدثا في صفته، ووصفه بصفة خلقه، وقد قال الله تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}، وقال: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم}.
فكلمات الله كما قال: لا تنفد، وكلامه لا ينقطع، ولو جاز لقائل أن يقول: "إن الله خلق كلاما به تكلم" لجاز لقائل أن يقول: "إن الله خلق علما به علم".
فلما لم يجز هذا لقائله بإجماع الأمة، و"أن الله هو العالم ولم يزل" جاز لقائل أن يقول: "إن الله هو المتكلم لم يزل"، وإذا ثبت أن الله هو العالم المتكلم لم يزل عالما متكلما، وإذا ثبت أنه هو العالم المتكلم صح أن كلامه من صفته، كما أن علمه من صفته ولا يشبه بخلقه -تعالى الله وجل-. /68/
Page 95