ومن الدلالة على أن الله يشاء المعصية قوله: {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله}، دليل على أن الله يشاء أن يعودوا في ملتهم.
وقوله: {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا} فثبت أن الله قد شاء أن يخاف أولياؤه من الكفار.
وقد قال الله: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} فهذا يدل على أن الله شاء المعاصي.
ومن احتج بقوله: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.
قيل له: لم يكن العسر الذي لم يرده الله؛ لأنه لا يكون إلا ما أراد الله من التخفيف في الصوم؛ لأن هذه الآية في الصوم.
فإن قال: قد كان العسر الذي لم يرده.
قيل له: ما دل على ذلك كتاب ولا سنة، فمن أين جاز ذلك أن تزعم أن العسر الذي لم يرده الله قد كان؟
فإن قال: فإنهم قد كانوا يلقون الشدة والمضرة والضرر وذلك عسر.
قيل له: فذلك عسر هو فعل الله قد أراد؛ لأنه لما فعله علمنا أنه قد أراده.
فإن قال: أرأيتم العسر الذي لم يرده لهم، ما هو؟
قيل له: لم يرد أن يعسر عليهم في الفرائض أن يكلفهم فوق جهدهم.
ومن ذلك قوله في الصوم: {يريد الله بكم اليسر...} خفف على المريض والمسافر ورخص لهم في الإفطار، وذلك قوله: {يريد الله أن يخفف عنكم}، وقوله: /121/ {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} يعني: من ضيق. فهذا دليل على أنه لم يفعل بهم ما لم يرد أن يفعل بهم من العسر الذي لم يرده بهم.
فإن قال قائل من أهل القدر: لم سميتمونا قدرية؟
قيل لهم: لأنكم تزعمون في اكتسابكم أنكم تقدرونها وتفعلونها مقدورة دون خالقكم، فالقدري: الذي يدعي ذلك لنفسه، كما أن الصائغ: هو الذي يصوغ دون من زعم أنه يصاغ له، وبالله التوفيق.
Page 167