وقد كانت قلوبهم مختلفة، ثم صارت متآلفة، والله ألف بينهم بالفعل الذي ألف به بين قلوبهم، لم يتقدم ذلك ولم يتأخر؛ لأن ذلك لو تقدم الائتلاف لجاز أن يقال للمتباغضين: قد ألف الله بين قلوبهم، وذلك محال. ولو تأخر ذلك لكان محالا وبطل قوله: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم}، وثبت أن الائتلاف من الله بين قلوبهم مع ائتلافهم.
وكذلك قوله: {حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم}، فثبت أنه مع محبتهم لم يتقدم ذلك ولم يتأخر عن أوقاته، ولو تقدم لجاز أن يقال: قد حبب إلى الكفار الإيمان، ولو تأخر لكان محالا، فثبت أن الاستطاعة مع الفعل، وذلك بتوفيق الله وتسديده.
ويقال للمخالفين: أرأيتم من استطاع شيئا في وقت أجائز عندكم أن يفعله في غير ذلك الوقت الذي يستطيعه فيه أم محال؟
فإن قال: جائز. قيل: أرأيت الكافر يستطيع الكفر في وقت ما هو مؤمن؟
فإن قال: ذلك جائز أن يكون كافرا مؤمنا في وقت واحد قال ما لا يكون.
وإن قال: ذلك لا يجوز لزمه أن يستطيع الشيء، ومحال عنده أن يفعله في وقت ما يستطيع، وهذا خارج من المعقول.
ويقال له: الاستطاعة التي أعطاها الله الكفار في حال كفرهم، ومحال عندكم كون الإيمان منهم في حال كفرهم لا منفعة لهم في تلك الاستطاعة.
فإن قال قائل: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} /111/ إلا ما تطيق.
قيل له: هذا له معان؛ وقوله: {إلا وسعها}: إلا ما تطيق بعون الله، كما قال: {واصبر وما صبرك إلا بالله}، فكلفهم من الصبر ما لا يكون إلا بعونه.
Page 154