154

Jamic

جامع أبي الحسن البسيوي جديد

Genres

وقد كانت قلوبهم مختلفة، ثم صارت متآلفة، والله ألف بينهم بالفعل الذي ألف به بين قلوبهم، لم يتقدم ذلك ولم يتأخر؛ لأن ذلك لو تقدم الائتلاف لجاز أن يقال للمتباغضين: قد ألف الله بين قلوبهم، وذلك محال. ولو تأخر ذلك لكان محالا وبطل قوله: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم}، وثبت أن الائتلاف من الله بين قلوبهم مع ائتلافهم.

وكذلك قوله: {حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم}، فثبت أنه مع محبتهم لم يتقدم ذلك ولم يتأخر عن أوقاته، ولو تقدم لجاز أن يقال: قد حبب إلى الكفار الإيمان، ولو تأخر لكان محالا، فثبت أن الاستطاعة مع الفعل، وذلك بتوفيق الله وتسديده.

ويقال للمخالفين: أرأيتم من استطاع شيئا في وقت أجائز عندكم أن يفعله في غير ذلك الوقت الذي يستطيعه فيه أم محال؟

فإن قال: جائز. قيل: أرأيت الكافر يستطيع الكفر في وقت ما هو مؤمن؟

فإن قال: ذلك جائز أن يكون كافرا مؤمنا في وقت واحد قال ما لا يكون.

وإن قال: ذلك لا يجوز لزمه أن يستطيع الشيء، ومحال عنده أن يفعله في وقت ما يستطيع، وهذا خارج من المعقول.

ويقال له: الاستطاعة التي أعطاها الله الكفار في حال كفرهم، ومحال عندكم كون الإيمان منهم في حال كفرهم لا منفعة لهم في تلك الاستطاعة.

فإن قال قائل: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} /111/ إلا ما تطيق.

قيل له: هذا له معان؛ وقوله: {إلا وسعها}: إلا ما تطيق بعون الله، كما قال: {واصبر وما صبرك إلا بالله}، فكلفهم من الصبر ما لا يكون إلا بعونه.

Page 154