قال الله تعالى في الصوم: {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا}، فمن كان ضعيفا من مرض لا يستطيع الصوم زال عنه فرض الصوم بزوال اسم الاستطاعة التي هي معناها الصحة، ووجود المال يوجب استطاعة الطعم.
وقال: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات}؛ يعني: سعة في المال أن يأخذ الحرة المحصنة {فمن ما ملكت أيمانكم}، فإذا لم يجد الغنى في تزويج الحرائر فقد أبيح له الإماء.
فالاستطاعة اسم لمعان، وقد يكون الصحيح الجسم تنفى عنه الاستطاعة في فعل من الأفعال لعدم ذلك الفعل، وقد قال الخضر لموسى ^: {إنك لن تستطيع معي صبرا}، وقد كان موسى صحيحا فنفى عنه الاستطاعة لعدم الفعل؛ لأن صبره لما كان معدوما كانت الاستطاعة كذلك معدومة، فمن زعم أن الاستطاعة قبل الفعل لم يجز على قياس قوله.
فمن زعم أن موسى كان مستطيعا للصبر؛ لأن الصبر فعل يكون بالقلب، فلما كان موسى صحيح القلب والجسم لا لعلة فيه لزمهم أن يزعموا أنه كان مستطيعا للصبر، فكذبوا الخضر في مقالته - عليه السلام - .
وإن زعموا أنه كان غير مستطيع للصبر فقد تركوا قولهم، وقد قال الله ما يدل على ذلك: {وكانوا لا يستطيعون سمعا}، وقوله: {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} /108/وقوله: {فضلوا فلا يستطيعون سبيلا}. وقد أمروا بالسمع؛ لأنه من أفعالهم، ثم أخبر أنهم لا يستطيعون السمع، وهم أصحاء ولم ينف عنهم الصحة، وإنما نفى عنهم الاستطاعة التي يكون بها الفعل موجودا، كما نفى الخضر عن موسى -صلى الله عليهما-. وهم غير معذورين في ترك السمع الذي أمروا به، وإن كانوا مستطيعين له على هذا المعنى.
Page 150