206

وقد (¬1) تنازع الناس في التطهر بماء البحر، فقال بعضهم: لا يتطهر به إلا إذا ألجىء إليه ولم يكن معه ماء غيره؛ وقال بعضهم: التيمم أحب إلي منه، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص. وقال الجمهور من الناس: جائز عندهم التطهر بماء البحر والعذب المطلق عليه اسم الماء، والصواب ما قالت هذه الفرقة إذ السنة وردت بصحة قولها لما روي أبو هريرة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: (يا رسول الله إنا نكون على أرماث لنا في البحر وليس معنا ماء إلا لشفاهنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هو الطهور ماؤه والحل ميتته) (¬2) . وقد قال جل وعز: { ?وأنزلنا من السماء ماء طهورا } (¬3) . وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء البحر طهورا، والمفرق بينهما مع وجود الأدلة محتاج إلى دليل. والأرماث جمع رمث، والرمث هو الخشب المضموم بعضها إلى بعض، الدليل على ذلك قول جميل شعرا:

تمنيت من حبي بثينة أننا على رمث في البحر ليس لنا وكر.

وأما من ادعى من أصحاب أبي حنيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم من إجازته (¬4) التطهر بالنبيذ، فلو ثبت قولهم لم يكن فيما ادعوه دلالة على أن التطهر بغير الماء جائز، وذلك أن النبيذ أصله المنبوذ، فنقل من مفعول إلى فعيل، كما يقول: مقتول وقتيل، ومجروح وجريح، واسم النبيذ قد يقع على الماء الملقى في الطرق (¬5) ، وإن لم يماع (نسختين) ينمع التمر في الماء. الدليل على ما ذكرناه قول الله عز وجل: { فنبذوه وراء ظهورهم } (¬6) ، وقوله جل ذكره: ? { لنبذ بالعراء وهو مذموم } (¬7) أي ألقيناه، ويدل على ذلك قول بعض الشعراء: فخبرني من كنت أرسلت أنما أخذت كتابي معرضا بشمالكا (¬8)

¬__________

(¬1) من (ج) و (أ) قال.

(¬2) تقدم ذكره.

(¬3) الفرقان: 48.

(¬4) في (أ) أجازت.

(¬5) في (ج) الطروق.

(¬6) آل عمران: 187.

(¬7) القلم: 49.

(¬8) ناقصة من (ج).

Page 206