وإذا كان محدثا ولا نجاسة في بدنه وعنده من الماء ما لا يكفيه لغسل أعضائه المأمور بغسلها إذا أراد الصلاة. كان المأمور به استعمال الماء على ما يكفيه من أعضائه، ويتيمم لما بقي منها؛ وقال بعض مخالفينا منهم أبو حنيفة وداود: إن عليه أن يتيمم ولا يستعمل الماء؛ لأن الله جل ذكره لم يتعبد بطهارة واحدة بالماء وبالتيمم، واحتجوا بقول الله تعالى: { ?فلم تجدوا ماء فتيمموا } (¬1) ، فمعناه عندهم ما لم تجدوا ماء تتطهرون به، وهذا ماء غير مطهر لنا.
قال: وإذا لم يكن عنده ماء لا يكفي إلا لبعض أعضائه فهو عندي غير واجد للماء الذي أمر بالطهارة به، فالواجب عليه التيمم، وليس عليه استعمال الماء الذي لا يطهر، والذي قلنا أشبه بالسنة وأولى بالحجة، وذلك أن الله جل ذكره أوجب بالغسل على كل عضو على انفراد، ولم يقل إذا عجزتم عن غسل بعض أعضائكم فلا تستعملوا الماء، فالواجب أن يستعمل ما قدر على استعماله؛ الدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" (¬2) ؛ وهذا يقدر أن (¬3) يغسل بعض أعضائه فعليه إتيان ما استطاع، ودليل آخر، أنه لا يجوز له العدول إلى التراب وهو واجد للماء، قال الله تعالى: { ?فلم تجدوا ماء فتيمموا } (¬4) ؛ فجعل شرط التيمم بعد عدم الماء، والماء موجود فليس له أن يعدل إلى التراب حتى يفنيه (¬5) ، فيدخل في قوله تعالى: ? { فلم تجدوا ماء } ، ولم يقل الله عز وجل: فلم تجدوا ماء ما يكفي أعضاءكم، فإذا كان هذا هكذا وجب عليه استعمال الماء، فإذا عدم الماء وبقي من أعضائه شيء عدل إلى التراب بظاهر الآية، والله أعلم.
مسألة
¬__________
(¬1) النساء: 43.
(¬2) رواه ابن حيان وابن ماجه.
(¬3) لا توجد في (ج).
(¬4) النساء: 43.
(¬5) في (ج) يفتيه.
Page 194