فإن قال قائل: فإن كان الملتقط لها فقيرا هل له أن يأكلها؟ قيل له: نعم يجوز له أن يأكلها بالفقر أيضا، فإن قال: فهل يجوز له أن يأكل زكاة عليه إذا كان فقيرا وقد عزلها وميزها ثم افتقر وهي قائمة في يده بعد، هل له أن يأكلها؟ قيل له: لا يجوز ذلك لأنها عليه، ولا يجوز أن يبرأ من دين هو عليه إلا بأدائه إياه، فإن قال: فإن لم يؤدها حتى مات وخلف ولدا، هل لولده من بعده أن يأكلها إذا كان فقيرا؟ قيل له: لا يجوز ذلك، فإن قال: أليس الزكاة هي للفقراء فلم لا يجوز لهذا الفقير أن يأكلها؟ ولم لا تكون كاللقطة تجوز لمن التقطها ولوارثه أكلها والجميع فقراء؟ قيل له: إن اللقطة جائز أكلها للفقراء وهي لهم ولمن التقطها أن يأكلها بإجماع الأمة إذا كان فقيرا، فلما كان له أكلها جاز لولده أيضا أكلها، والزكاة هي دين عليه للفقراء، وما كان عليه فلا يجوز أن يكون له، وكذلك ولده مأمور بعده بإخراجها فليس له أن يأكلها؛ لأنها عليه في تركة أبيه. وأيضا فإن الميت لا يدفعها إلى أحد ممن يلزمه عوله في حياته، فإذا لم تكن هذه وجبت له في حياة الميت لم تجب له بعد وفاته؛ لأنه ليس بوارث لها. فإن قال: أليس الإمام إذا دفع شيئا منها جاز له أخذه؟ قيل له: نعم؛ لأن الإمام إذا دفعها زالت عن الميت، ولو دفعها إليه وهو حي أيضا جاز له أكلها، فجائز له أن يدفعها إلى من يلزم الميت عوله إذا كان فقيرا. فإن قال: فلم قلتم: إن الإمام لا يجوز له أن يدفع إلى رجل من زكاة قد اجتمعت عليه لحدوث فقره وكان فقيرا قد اجتمعت عليه وهو محتاج إليها؟ قيل له: الدليل على ذلك الإجماع على أن الإمام إذا قبض من رجل زكاة ماله فجعلها في بيت المال، ثم حدث له الفقر أن على الإمام أن يدفع إليه من بيت مال المسلمين. فإذا دفع إليه من بيت المال فقد صار إليه ما دفع أو شيئا منه، ولا فرق بين الكل في أكله إياه وبين البعض منه والله أعلم.
Page 151