ولو أن رجلا عليه ديون كثيرة من أموال اغتصبها، ومظالم ارتكبها وله مال يملكه بقدر ما عليه،لم يكن له فيما بينه وبين خالقه أن يتصرف فيه، ويحسبه على قضائه في تلك المظالم، إلا بقدر ما يكفيه لقوته الذي يبلغه إلى قوت مثله. فإن قال قائل: فإن وهب منه شيئا أو باع أو اشترى شيئا منه أو تزوج عليه، أكان يجوز له ذلك؟ قيل له: نعم هو ملكه وله أن يتصرف فيه تصرف الملاك (¬1) . كل ذلك يجوز ويحكم به الحاكم، وأما في بينه وبين ربه فهو آثم، فإن قال: ولم قلتم أنه يكون مأثوما مع تجويز كم له التصرف فيه؟ قيل له: إن هذا المال هو مال له، وله أن ينفق منه ويتصرف فيه كيف شاء، وإنما قلنا لا يجوز له ذلك فيما بينه وبين الله؛ لأن أصحاب المظالم مضيقون عليه فليس له أن يحبس عليهم مالهم، وإذا كان يقدر على تسليم حقوقهم وهم غير موسعين عليه فيها كان حبسه ذلك عنهم معصية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الموسر ظلم) (¬2) ؛ والمغصوب منه والمتعدي عليه في ماله بمنزلة المطالب المضيق عليه، لأنه غير مبيح له لمن ظلمه ولا موسع عليه في تأخير حقه الذي هو غير ماله أو قيمته، فإن قال: فما تقول إن كانت هذه الأموال من ديون تحملها من أربابها، فعل عليه إثم إن حبسها عنهم ولم يدفع إليهم بدلها؟ قيل له: هذا غير آثم في حبسها عليهم إلا أن يطالبوا أو يضيقوا فحينئذ يكون آثما إن حبس عليهم وهو يقدر على ذلك، فإن قال: فلم فرقتم (¬3)
¬__________
(¬1) في (ج): نسخة: الأملاك.
(¬2) رواه الترمذي وأبو داود.
(¬3) في (أ) قرنتم..
Page 136