فمي منه، فأخذه ثم قال: إمض راشدًا مصاحبًا! فوليت منصرفًا فصاح بي من خلفي: أما إنك لو كرعت في بطنك العس لأصبحت أشعر قومك. قال أبي: فندمت أن لا أكون كرعت عسه في جوفي على ما كان من زهومته، وأنشأت أقول في طريقي، الطويل
أسِفتُ على عُسِّ الهَبيدِ وشُربِهِ، ... لَقَدْ حَرَمَتْنيهِ صُرُوفُ المَقادِرِ
ولو أنَّني إذْ ذاك كنتُ شَرِبتُهُ ... لأصْبَحتُ في قَوميْ لَهم خيرَ شاعرِ
وعنه قال: قال مظعون بن مظعون بن مظعون الأعرابي: لما حدثني أبي بهذا الحديث عن نفسه لهجت به، وتعرضت لما كان أبي يتعرض له من ذلك، وأحببت، إذ علمت أن لشعراء العرب شياطين تنطق به على ألسنتها، أن أعرف ذلك، ورجوت أن ألقى هاذرًا أو مدركًا اللذين ذكر الهبيد لأبي، وكنت أخرج في الفيافي ليلًا ونهارًا، تعرضًا لذلك، ولم أكن ألقى راكبًا إلا ذاكرته شيئًا مما أنا فيه، فلا يزال الرجل يخبرني بما استدل على ما سمعت حتى جمعت من ذلك علمًا حسنًا، ثم كبرت سني وضعفت ولزمت زرود، فكنت إذا ورد علي الرجل سألته عن ذلك، فوالله إني ليلةً من ذلك لبقناء خيمةٍ لي إذ ورد علي رجلٌ من أهل الشام، فسلم ثم قال: هل من مبيتٍ؟ فقلت: أنزل بالرحب والسعة! قال: فنزل، فعقل بعيره ثم أتيته بعشاءٍ فتعشينا جميعًا، ثم صف قدميه يصلي حتى ذهبت هدأةٌ من الليل، وأنا وابناي أرويهما شعر النابغة، إذ أنفتل من صلاته، ثم أقبل بوجهه إلي فقال: ذكرتني بهذا الشعر أمرًا أحدثك به، أصابني في طريقي هذا منذ ثلاث ليال.
1 / 49