Jamal Din Afghani
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Genres
وينقد الأفغاني رجال الدين الذين يحللون ويحرمون بغير نص. وقد نهى الرسول عن ذلك. وكان قد رأى شيخا بعمامة كالبرج وجبة كالخرج أخذ بتلابيب رجل بجوار جامع الآستانة لأن لبس القميص حرام وكفر ؛ لأنه من صنع الإفرنج الكفار مع أن عمامة الشيخ وجبته من صنع الإفرنج. ولا يستوي العالم والجاهل كما لا يستوي الملك والرعية والأمير والصعلوك، وإلا لما نفع في الشرق لسان أو قلب. والعلم نور داخلي. وعماء البصيرة أضر من عماء البصر. وكم من أعمى نبغ، حسده ويحسده المبصرون، وكم من أبكم بإشاراته أفصح من عيي بكلماته. ولذلك يتم الحجر شرعيا على الفرد السفيه.
22
والعلم للجهر والإعلان؛ فالصامت عن حقه محروم. وصاحب الحاجة إذا لم ينطق بحاجته كان أولى بالخرس. وإن أكبر دليل على كبر الهمة مجاهرة المرء بمخالفته المألوف إذا تحقق بطلانه. ويكون التعبير عن الحق بلا اختصار مخل أو تطويل ممل. فقلة الكلام لا تكون في الغالب دليلا على الكمال. وليس في كل اختصار بلاغ. وفي نفس الوقت التكلف للسجع ينفر منه الطبع، ويحسن وقعه إذا جاء عفوا. وإن أحقر صناعة لنحات أنفع من تقعر النحاة، وإن أظهر الآداب وأليقها بالعلماء والمتعلمين عدم قطع الحديث على المتكلم وتركه يتم ما يريد، أن يرويه من غير أن يسبقه إليه ولو كان من منسياته.
23
والعلم الصحيح نسب صحيح بل وراثة النبوة طبقا للحديث المشهور «العلماء ورثة الأنبياء». العلم يتراكم حتى يحدث الوعي العلمي، والوحي يتوالى حتى يكتمل ويحقق غايته في إعلان استقلال العقل وقدرته على الفهم واستغلال الإرادة وقدرتها على الحرية والاختيار. وكل دعوة تستند إلى علم. فكثرة النصراء لداع أو لدعوة عن غير علم منهم بصحة الدعوى ذلة ومذلة. وقليل من النصراء لدعوة عن علم مكانة واستطالة.
24
والعلماء والعقلاء لا يصح أن يكونوا أكثرية في محيطهم. وحكيمان عاقلان في أمة مجموعها مليون خير من ألف متعاقل ومدعي حكمة فيها. ويقل العلماء حتى يكثر المتطفلون والمدعون. هنا يبدو الأفغاني من أنصار الأقلية المؤمنة والنخبة العالمة القادرة على قيادة المجتمع، نخبة العلماء والعقلاء والحكماء. فالعالم الحق يساوي نصف مليون من مجموعة الأمة . ومن ثم تكمن الخطورة في مدعي العلم والحكمة والمتطفلين عليهما.
25
وهي النظرة النخبوية الموروثة عن تاريخ الأنبياء والصحابة والحواريين والتي ما زالت مسيطرة حتى الآن على الجماعات الإسلامية المعاصرة. ومع ذلك علماء العصر يظهرهم العصر، وقادة الأفكار تبرزهم الأخطار في تفاعل جدلي بين القيادة والجمهور والعصر. والعلم هو العلم بالغاية؛ إذ ليس في الإنسان عضو يتحرك لغير قصد وغاية. فكل حركة يعملها الإنسان لا يعلم غايتها يحكم عليه بالجهل، العلم هو العلم بالعلة الغائية وليس بالعلة الفاعلة بالضرورة كما هو الحال في العلم الطبيعي. العلم الإنساني يتحدد بغاياته ومقاصده. العلة الغائية هي العلة الفاعلة بالحقيقة كما هو الحال عند إقبال وفشته. العلم على ما به من جمال لا يرضي الإنسانية كل الإرضاء؛ لأنها تتعطش إلى مثل أعلى، وتحب التحليق في الآفاق المظلمة التي لا يستطيع الفلاسفة والعلماء ارتيادها.
26
Unknown page