Jamal Din Afghani
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Genres
استقبال النفس وجهة الشرف، وطموحها إلى بلوغ الغاية بحيث تكون لائقة بالكمال الإنساني باستثناء النبوة. وقد فتح الإسلام باب الشرف لذلك بالدعوة إلى الإسراع إلى الفضيلة والتسابق إلى الخير. لقد قسم دين براهما الناس أربعة أقسام. لكل قسم كماله من الفطرة. وكان هذا التقسيم سببا في انحطاط الدين. وفضلت اليهودية شعبا على باقي الشعوب. تكرم الأول وتحقر الثانية. فارتفع امتياز الجنسية وقدر العرق. وظهر البناء الطبقي للمجتمع اليهودي، طبقة عليا للأحبار والكهان وطبقة دنيا لعامة المؤمنين. وكعب الأحبار واسطة بين العبد والرب، بين الشعب ويهوه، مخالفة لما جاء في الكتاب. فأتى الإصلاح الديني اليهودي والبروتستنتي موافقا لما جاء به الإسلام ضد التوسط بين الإنسان والله وضد اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله. (3)
إقامة عقائد الأمة، وهي أول ما ينتقش في النفس، على البراهين القويمة والأدلة الصحيحة وليس على التقليد. وقد طلبت أوروبا في العصور الحديثة البرهان على صحة العقائد، وعارضت رجال الدين وسلطتهم، دفعا للتقليد وتشجيعا على الاجتهاد. وينفرد الإسلام عن باقي الديانات بطلب البرهان، وقيام عقائده وأصوله على العقل والبرهان. (4)
قيام طائفة في كل أمة يختص عملها بتعليم الأمة. وهم العلماء المناط بهم تنوير العقول بالمعارف، وتحليتها بالعلوم من أجل نيل السعادة وطائفة أخرى تقوم بتربية النفوس وتثقيفها، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر طبقا لأمر القرآن
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ،
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون . وكان الأفغاني ينوي وضع كتاب لبيان أن المدينة الفاضلة لا تقوم إلا بالدين الإسلامي. ولما كان المسلمون على غير الإسلام فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. فالأديان نافعة لقيام النظام البشري على الإطلاق، والإسلام على الخصوص.
32
هكذا يبدو الأفغاني من مؤسسي علم الكلام الجديد، مدافعا عن الإسلام فيما تصوره يمثل خطرا عليه وهو الدهرية أو المذهب الطبيعي، ومثبتا وجود الله، وخلق العالم، وخلود النفس وأمور المعاد. ولكنه أخطأ الطريق ولم يصب الهدف. فالمذهب الطبيعي ليس ضد الدين ولا الدين ضد المذهب الطبيعي. الإسلام دين الفطرة، أي دين الطبيعة، والطبيعة خيرة تتجه نحو حقائق الدين. الدين طبيعة، والطبيعة دين. الدين طبيعة نازلة، والطبيعة دين صاعد، لا فرق بين تنزيل وتأويل بتعبير القدماء. لذلك يوجه القرآن النفس والعقل نحو الطبيعة والتأمل في ظواهرها. والآية ظاهرة طبيعة ونص في آن واحد. الطبيعة مصدر تحرر دائم من النص. الطبيعات مقدمة للإلهيات في علم الكلام، ولما بعد الطبيعة في الفلسفة، والخلق والحق واجهتان لشيء واحد عند الصوفية، وتحليل العلل ومقاصد الشرع واحد في علم أصول الفقه. ومن ثم برز سؤال عند المحدثين وبحق: عود إلى النص أم عود إلى الطبيعة؟
33
الفصل الثالث
الحرية والعقل (العدل)
Unknown page