Jamal Din Afghani
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Genres
26
غايته نقض مذاهب الطبيعيين وإرغام الضالين بتأييد عقائد المؤمنين. والحقيقة أن مقاييس العلم برهانية خالصة وليس الدفاع الجدلي عن مسلمات الإيمان. يمكن تأويل الإيمان على نواح عدة حتى يتفق مع العلم أو يختلف معه. وفي هذه الحالة يكون العلم هو الثابت والإيمان هو المتغير، والعلم لا يدعى ثباتا بل هو متغير في كل عصر، والإيمان يدعى ثباتا وينكر التغير. والحقيقة أن كليهما متغير بتغير فهم البشر للعلم وللدين طبقا لتصورات كل عصر. كما تغلب على فكر الأفغاني الدعوة السلفية، الرجوع إلى الماضي؛ إذ لا يصلح هذه الأمة إلا ما صلح به أولها، وأن السلف خير من الخلف الذي أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات، وأن خير القرون قرن الرسول، وأن الخلافة ثلاثون سنة تتحول بعدها إلى ملك عضود. وهي الدعوة التي ما زالت تتردد في الخطاب السلفي والتي تجعل النموذج أو القدوة في الماضي وكأن للتاريخ نموذجا ثابتا في إحدى لحظات مساره. وهي الدعوة الرومانسية الموجودة في كثير من الحركات الإصلاحية في كل مكان مثل مارتن لوثر، ولامنيه، وشاتوبريان. وذلك على عكس الدعوة إلى المستقبل، وأن الكمال قادم وليس ماضيا، وأن حركة التاريخ في صعود وليست في هبوط. وهي الروح التي عبر عنها رينان في
مستقبل العلم
ومحمد عبده ربما في الجزء الأخير من
رسالة التوحيد
عن تقدم الإسلام في التاريخ بسرعة لم يشهد مثلها العالم من قبل، وأن الوحي ممكن الوقوع وكما هو الحال في كل محاولات إنشاء فلسفة جديدة للتاريخ تضع شروط النهضة ولا تكتفي بوصف أسباب الانهيار كما فعل ابن خلدون، محاولات بدأها أديب إسحاق تلميذ الأفغاني الأثير.
أما القول الخطابي فما زال يسيطر على الفكر الإسلامي المعاصر بالتناوب مع القول الجدلي، ويقل كثيرا القول البرهاني إلا فيما ندر. ومن الصعب تحويل الخطابة إلى تصورات، والحماسة إلى أفكار. فالمقصود منها الجماهير وليس العلماء، والمستمع جزء من مكونات الخطاب. فالخطاب رسالة من مرسل إلى رسول. والحركة الاجتماعية جزء من مكونات الخطاب أيضا باعتباره بواعث ومقاصد وليس مجرد الحقائق النظرية. لذلك يستعمل الأفغاني كثيرا أسلوب النداء وضمائر المخاطب مفردا أو جمعا.
27
قد يظهر الأسلوب الخطابي والقول الانفعالي أحيانا في هذه الدراسة أسوة بالموضوع، ومشاركة في الهم والقصد. فليس المطلوب باسم العلم إيقاف حركة التاريخ أو عزل الخطاب عن الجماهير وإلا كان ادعاء مقصودا وخطابة سلطان. وهو خطاب في النهاية كان منبره الصحافة. فالصحافة عند الأفغاني منبر الفكر، عمل شريف. ويعترف بأنه صحفي، له جريدة في باريس.
28
Unknown page