322

Al-Jalīs al-ṣāliḥ al-kāfī waʾl-anīs al-nāṣiḥ al-shāfī

الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي

Editor

عبد الكريم سامي الجندي

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition

الأولى ١٤٢٦ هـ

Publication Year

٢٠٠٥ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

لأصبحتْ من لحمهنَّ تَعْتَذِرْ
وَقَدْ تُأُوِّل قَوْلُ اللَّهِ ﷿ " أمرنَا مُتْرَفِيهَا " عَلَى وَجْهَيْن فِي قِرَاءَة الْجَمَاعَة، والوجهان: أمرنَا أَيّ أُمِرُوا بِالطَّاعَةِ ففسقوا، وَقيل: فِيهِ أكثرنا، وقرىء أمَّرنا من الْإِمَارَة، وأَمِرْنا بِمَعْنى أكثرنا، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ: أمِرنا بِكَسْر الْمِيم عَلَى معنى أكثرنا، وَأنكر الفَرَّاء هَذِهِ الْقِرَاءَة وذُكِر أَن أَمر لَا يتَعَدَّى إِلَى مفعول. وَحكى أَبُو زَيْد التَّعَدِّي فِي هَذَا الْفِعْل عَنِ الْعَرَب، فصحَّت قراءةُ الْحَسَنِ من جِهَة الْعَرَبيَّة، وَإِن شَذَّتْ عَمَّا نقلتْهُ الجماعةُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَة من الْقِرَاءَة.
واستقصاءُ هَذَا الْفِعْل وتلخيصُه، فِي مَوْضِعه من كتبنَا فِي عُلُوم التَّنْزِيل والتأويل.
المجلِسُ الرَّابِع وَالأربَعُونْ
نعيمان الصَّحَابِيّ الظريف
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ - يَعْنِي ابْنَ بَكَّارٍ - قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو طُوَالَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ نُعَيْمَانُ، يُصِيبُ الشَّرَابَ، فَكَانَ يُؤْتَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَيَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، وَيَأْمُرُ أَصْحَابَهُ فَيَضْرِبُونَهُ بِنِعَالِهِمْ، وَيَحْثُونَ عَلَيْهِ التُّرَابَ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لَعَنَكَ اللَّهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
قَالَ: وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ طُرْفَةً إِلا اشْتَرَى مِنْهَا ثمَّ جَاءَ إِلَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا أَهْدَيْتُهُ لَكَ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهُ يُطَالِبُ نُعَيْمَانَ بِثَمَنِهِ جَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَعْطِ هَذَا ثَمَنَ مَتَاعِهِ، فَيَقُولُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَوَلَمْ تُهْدِهِ إِلَيَّ؟ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ - وَاللَّهِ - لَمْ يَكُنْ ثَمَنُهُ عِنْدِي، وَلَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَأْكُلَهُ، فَيَضْحَكُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَيَأْمُرُ لِصَاحِبِهِ بِثَمَنِهِ.
وَفِي هَذَا الْخَبَر مَا أبان فَضْلَ مَكَارِمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَحُسْنَ فُكَاهَتِهِ وَسَعَةَ خُلُقِهِ وَسَجَاحَتِهِ. وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّهُ كَانَ من أَفْكه النّاس، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " إِنِّي لأَمْزَحُ وَلا أَقُولُ إِلا حَقًّا "، وَأَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُؤاخذ المَزَّاح الصَّادِق فِي مُزاحه ".
ونعيمانٌ هَذَا مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ كَثِيرَ الدُّعَابَةِ بَدِيعَ الْمُمَازَحَةِ، وَجَلَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْخَمْرِ، وَكَانَتْ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دعاباتٌ اسْتَحْسَنَهَا النَّاسُ وَيُعْجَبُونَ بِهَا.
مِنْهَا، مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطُّوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْغَرِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

1 / 326