فقد وجب إذا أن الطبيب الفاضل هو المؤثر لسبل الحق والاستقامة، وينبغى له أيضا أن يكون قد تدرب فى صناعة المنطق، حتى عرف كم الأمراض كلها فى أنواعها وأجناسها وكيف ينبغى أن يستخرج من كل واحد منها الاستدلال على العلاج. وبهذه الصناعة بعينها يتعرف نفس طبيعة البدن، أعنى الطبيعة التى هى من الإسطقسات الأولى التى يمازج الكل منها الكل من تلك، والطبيعة التى من الإسطقسات الثوانى المحسوسة التى تسمى أعضاء متشابهة الأجزاء، والطبيعة الثالثة التابعة لهاتين التى هى من الأعضاء الآلية. وتعرف المنفعة أيضا التى ينالها بدن الحى من كل واحد من هذه التى ذكرنا ما هى وما فعل كل واحد منها، إذ كان هذا أيضا يحتاج فى التصديق به إلى ألا يكون بالتسليم من غير تفتيش، لكن بإقامة البرهان، والبرهان إنما يكون بصناعة المنطق: فأى شىء بقى على الطبيب مما يقضى به على أن يكون فيلسوفا، إذا كان يحتذى حذو بقراط ويتقيل فى الحذاقة طريقته؟ إذ كان يوجب على نفسه، كيما يعرف طبيعة البدن وأصناف الأمراض والاستدلال على العلاج بها، أن يرتاض فى علم المنطق، وكيما يؤثر النصب على الخفض، يصير علل التدرب فى هذه الأشياء، أن يستخف بالأموال ويلزم ظلف النفس، ما يقصر به شىء عن أن يكون قد استوعب جميع أجزاء الفلسفة، حتى يكون قد حصل له الجزء المنطقى منها والجزء الطبيعى والجزء المصلح للأخلاق. وذلك أنه لا يخاف عليه إذا هو استخف بالأموال وأخذ نفسه بظلفها أن يفعل فعلا مخالفا للعدل. وذلك لأن | الناس إنما يقدمون على جميع ما يفعلونه مما يغادر العدل باختراع إيثار الأموال وباختداع اللذة لهم.
وكذلك يجب ضرورة أن يكون معه سائر الفضائل، وذلك أنها كلها يتبع بعضها بعضا، ولا يمكن أحدا أن يستفيد فضيلة واحدة من الفضائل ولا يتبعها سائر الفضائل الباقية ضرورة، لأنها كلها كأنها منظومة فى خيط واحد. فإن كانت حاجة الأطباء إلى الفلسفة ضرورية فى تعلمهم الطب أولا، ثم فى تدربهم من بعد، فقد بان أن من كان طبيبا فهو لا محالة فيلسوف. فإنى لست أرى أنه يحتاج أحد إلى إقامة البرهان له على أن الأطباء يحتاجون إلى الفلسفة، كيما يكون استعمالهم لصناعتهم على ما ينبغى، إذ كان قد يرى عيانا مرارا كثيرة أهل الثروة من الأطباء ليس هم أطباء بالحقيقة، لكنهم خداعون يستعملون صناعة الطب لضد ما قررت له.
[chapter 4]
Page 24