[chapter 1]

هذه مقالة جالينوس في العادات

| هذه مقالة جالينوس في العادات

قال جالينوس ان حذاق الاطبا وجميع الناس كافة يرون ان احد الاغراض التي يقصد نحوها في التماس الصحة الغرض المأخوذ من العادة وان كان قوم ممن شانهم افساد الامور الجميلة يرومون ان يطرحوه ويرذلوه واذا هم سالونا عن السبب الذي من اجله اذا اكل انسان لحم بقر فضره متى اتفق ذلك في اول امره ياكله ثم اضطره الامر الى ان ياكله في كل يوم من السنة اجمع اما لم يضره بتة واما كان ما يناله من مضرته اقل مما ينال من لم يعتد اكله فاجبناهم في ذلك وردوا علينا بعض كل جواب فاتيناهم به بالقول ظنوا انهم مع نقضهم لجوابنا بالقول قد ابطلوا نفس وجود الامر بمنزلة ما لو ان رجلا نقض كل راي اعتقده الناس في البصر كيف يكون فقال ان الناس لا يبصروا اصلا

والامر في ان الغرض الماخوذ من العادة عظيم النفع في استخراج الاشيا التي بها تكون المداواة امر ظاهر ومن اجل ذلك قد نجد ابقراط يقول في كتاب الفصول ان من اعتاد الصبر على التعب في الاشيا التي قد الفها وان كان ضعيفا او شيخا فالامر عليه في احتمالها اسهل واضف منها على القوي والشاب الذي لم يعتدها وذكر ايضا بكلام طويل في كتاب تدبير الامراض الحادة المضاد العارضة من الاغذية التي لم يعتدها اكلها والمنافع المكتبسة من التدبير التي جرت به العادة وكذلك ايضا ارسسطراطس في المقالة الثانية من كتابه في الاسترخا قد نجده امتثل قول ابقراط فيما وصف من علمه بامر العادات ومع هذا ايضا فلسنا نجد احدا من هاولا ولا غيرهم من ساير الاطبا القدما الا وقد يظن به انه قد ذكر في امر العادات اشيا لا تدخل في باب الاجماع ولا تنفك من حجج ينقضها ايضا فان القوم انما الذين يظن بهم الظان انهم قد وجدوا شيئا مقنعا انما وجد كل واحد منهم ما وجده من السبب في نوع واحد غير النوع الذي وجد فيه صاحبه فمنهم من وجد سببا مقنعا في الاطعمة وحدها ومنهم من وجد في الرياضات او في الاعمال واما في الانواع كلها جملة فليس فيهم احد وجد سببا مقنعا

Page 139

ولذلك قد تخالفنا قوم مرارا كثيرة في اسقا الما البارد لمن به مرض حاد فمنعونا من اسقا المحموم ما باردا ويامرونا بالاقتصاد على الاستدلالات الماخوذة من الاغراض الاخر اعني من المواضع الالمة ومن الامراض التي فيها ومن الاسباب الفاعلة لها ومن اوقات السنة والبلدان وامزاج المرضى على ما جرت العادة بالنظر في ذلك ويقولون ان هذا الامر حقيق بان نضحك منه ان تكون الكبد وارمة او الرية او المعدة او غير ذلك من ساير الاعضا التي منزلتها من الشرف منزلة هذه ويومر المريض المعتاد لشرب الما البارد لشربه لا لشي من الاسباب الاخر بل للعادة فقط فان ذلك فيما زعموا تشبيه بان ياذن الرجل لمن اعتاد الاستحمام بالما البارد ان يفعل ذلك ولو كان محموما كانا نحن معشر من يتبع العادة نامر جميع المرضى على اي الحالات كانت امراضهم ان يفعلوا ما كانوا معتادية من غير ان نستعمل مع الغرض الذي نقصد نحوه من العادة جميع الاغراض الاخر

Page 140

ومن ذلك ان ارسطاطاليس الميطوليني وقد كان رجلا مقدما في علم الفلاسفة المشايين لما وقع في مرض قد كان في مثله يمكن ان ينفع شرب الما البارد وكان رجلا لم يشرب الما البارد قط رد على من اشار عليه بشربه وقال لهم انه يعلم يقينا انه ان ذاق الما البارد تشنج وذلك بزعمه لانه قد كان راى اخر عرض له التشنج من الما البارد ممن كان شبيها به في مزاج بدنه وسحنته وكان معتادا لشرب الما الحار ولو كان ارسطاطاليس اعتاد شرب الما البارد لكان حريا الا يفزع ولا يجبن منه ولو انه فزع وجبن منه لكان الاطبا الذين يتولون علاجه سيقهرونه لا محالة ويقسرونه على شربه الا ان هذا مات في مرضته هذه فيما بلغني عنه ولما سالني من حضر وفاته هل كنت تقدم على اسقايه الما البارد بثقة ويقين كما تقدمت على ذلك في بشر كثير فاسقيت بعضهم الما البارد في وقت مرضه كله وبعضهم في وقت دون وقت على ان غيري من الاطبا كانوا يجبنون عن اسقايهم اياه ام قد اصاب الرجل في امتناعه منه واحسن في الحرس على طبيعته فاجبتهم بانه قد اصاب غاية الصواب في حرسه لانه كان منهوك البدن جدا وكان فم معدته باردا منذ اول امره حتى انه كان ان حمل عليها فضلا قليلا اصابه من ساعته فواق ولكن كما ان هذا لا يحتمل شرب الما البارد لمكان عادته ولمكان طبيعة بدنه على ان مرضه كان يدل انه ينبغي ان يسقى ما باردا كذلك كنت انا اسقي مريضا ما باردا بغاية الثقة والاتكال متى كانت حماه الحمى المحرقة خالصة وهي التي ترعى ما وسوس ولم يكن في شي من احشايه ورم بين وكنت اسقي انسانا اخر ما باردا وانا ليس منه في غاية الثقة والاتكال لكن كنت اسقيه اياه بعد ان اقول لخواصه انه ان لم يشرب ما باردا يموت لا محالة وان شرب رجوت له ان يسلم ويعافا رجا كبيرا وتالله ان جميع من شربه ممن رجوت له العافية سلم وعوفي واذا كان هذا الباب هو احد الاشيا التي يداوا بها الامراض 〈و〉قد امتحن بالتجارب على طول الزمان فقد ينبغي لنا ان ناخذ في البحث عن سببه بعد ان نذكر اولا بما قاله بقراط في كتابه في تدبير الامراض الحادة وما قاله ارسسطراطس في المقالة الثانية من كتابه في الاسترخا والذي قاله بقراط هو هذا

Page 141

انه قد تقدر ان تعلم باهون السعي امر التدبير الردي في المطعم والمشرب اذا كان يجري على امر واحد يشبه بعضه بعضا دايما فهو اوثق واحرز وابعد عن الخطر في التماس الصحة من ان ينقل الرجل تدبيره دفعة ويغيره تغييرا عظيما الى شي اخر افضل منه لان من اعتاد ان يتغذى في كل يوم مرتين او من اعتاد ان يتغذى مرة واحدة في اليوم يعرض له من الانتقال عن ذلك دفعة مضرة وضعف فمن كان قد اعتاد ان لا يتغدا فهو ان تغدى عرض له من انتقاله على عادته دفعة ضعف وثقل في جميع بدنه وكسل فان هو مع هذا تعشا عرض له جشا حامض وقد يعرض لبعضهم الخلفة وذلك لانه اثقل معدته ثقلا لم يعتده وانما اعتادت تجف ولا تنتفخ مرتين في اليوم ولا تطبخ الطعام مرتين ثم ان بقراط اذا هو ادخل في وسط كلامه صفة السبيل في مداواة ما يعرض لهولا من المضار عاد الى ما كان فيه واتبع ذلك بذكر من يدع عادته فيقول هذا القول وان اكل من هذه حاله ثلث مرار في اليوم 〈و〉يشبع في كل مرة منها كان ما يناله من الاذى اشد وان هو ايضا اكل اكثر من ثلث مرار كان الاذى اعظم على ان خلقا كثيرا يحتمل باهون سعي ان ياكل في اليوم ثلث مرات اكلا كثيرا اعني من قد اعتاد ذلك وكذلك ايضا من اعتاد ان ياكل في اليوم مرتين متى لم يتغدا عرض له خمول وضعف وتهيب لكل عمل ويصيبه وجع الفواد ويظن ان احشاه معلقة ويبول بولا حارا اصفر اللون ويكون برازه يتوقد وبعضهم يعرض له مرارة في فمه وتكون عيناه غايرتين وصدفاه يضربان وتبرد يداه ورجلاه وجل من لا يتغدا لا يقدر ان ياكل في العشا اكلا كثيرا وان هو تعشا اثقل معدته وكان نومه اردى منه لو انه كان قد تقدم فتغدا فاذا كانت هذه الاشيا قد تعرض للاصحا على ما وصفت وذلك بسبب تغير التدبير الذي جرت به العادة في نصف النهار فالامر ظاهر انه ليس ينبغي ان يزاد فيما جرت به العادة ولا ينقص منه فاذا كان هذا الذي اكل مرة واحدة وخرج في اكلته عن العادة اذا هو مكث نهاره اجمع يحلل بدنه ثم تعشى بمقدار ما لم يزل يعتاده فبالواجب يكون ثقل ذلك اعظم عليه واشد اذ كان حين لم يتغدا اذاه ذلك واضعفه فلما تعشى اثقله العشا وان هو مكث مدة اطول يتحلل بدنه ثم تعشا دفعة كان ما يناله من الثقل اعظم واكثر ثم ان ابقراط من بعد هذا ايضا كما فعل قبل لما وصف الوجه في اصلاح المضرة العارضة لمن يتحلل تحللا خارجا عن العادة اتبع ذلك ووصله بان قال:

Page 142

وللانسان ان يعدد اشيا كثيرة اجابة لهذه من الاشيا التي ترد المعدة وغير ذلك لان الناس يسهل عليهم احتمال الاطعمة التي قد الفوها واعتادوها وان لم تكن اطعمة خيارا في طبايعها وكذلك الاشربة ويعسر عليهم احتمال الاطعمة التي لم يالفوها ويعتادوها وان كانت ليست بردية وكذلك الاشربة وليس بعجب لمن يتناول من اللحم مقدارا كبيرا على غير عادته او تناول انجدان او لبن الانجدان وهو الحلتيت او قصب نبات الانجدان او غير ذلك مما قوته عظيمة ان يعرض له من امثال هذه الاشيا في البطن وجع وان يكون ذلك من بعضها اكثر من بعض وانما التعجب متى علمتكم مقدار ما يحدثه الطعام الذي يسمى مازا من الاذى والنفخة والرياح في بطن من اعتاد ان ياكل الخبز اذا هو اكل ذلك الطعام على غير اعتياده له واي ثقل يحدث عن الخبز واحتباس البطن فيمن قد اعتاد اكل المازا والخبز ايضا نفسه اذا اكل حارا اي عطش يحدث عنه وكيف يشبع دفعة بسبب تجفيفه وابطا الحرارة والخبز المختبز من السميذ النقي والخبز المختبز من دقيق ليس بالنقي اذا اكل كل واحد منهما على غير اعتياد من اكله له ما الذي يفعله كل واحد منهما من الافعال المخالفة لافعال غير والمازا نفسها اذا اكلت يابسة على غير اعتياد من اكلها لها او رطبة او لزجة والسويق ما الذي يفعله الحديث منه فيمن لم يعتد تناول الحديث وما الذي يفعله السويق الاخر فيمن قد اعتاد بشرب السويق الحديث وشرب الشراب وشرب الما اذا انتقل عن كل واحد منهما الى الاخر دفعة على غير اعتياد لذلك وشرب الشراب الكثير المزاج والشراب الصرف اذا شرب كل واحد منهما بغية يحدث في المعدة ترهلا ورياحا وفي الامعا نفخة والصرف يحدث اختلاجا في العروق وثقلا في الراس وعطشا والشراب الابيض والشراب الاسود يحدثان في ابدان من يبدل كل واحد منهما بالاخر ولو كانا كلاهما في الخمرية على مثال واحد تغيرا كثيرا فيكون تعجب الانسان من انواع الشراب الخمرية وانواعه الحلوة اذا وجدها عندما تبدل الواحد من هذه بالواحدة من تلك لم يكن فعلهما فعلا واحدا اقل فقد اتينا من كلام ابقراط الى هذه الغاية في قوى العادات بمثالات فيها كفاية وبلاغ

Page 143