وهذا امر لم يكن من ذينك الطبيبين ولا واحد يفهمه فكانا يتخاصمان ويقتتلان فى الالفاظ مدة طويلة جدا، وكان واحد منهما يزعم ان الحميات المطبقة انما هى تلك التى لا تزال قائمة على حال واحدة من غير ان تنحط انحطاطا يدركه الحس، وكان الآخر يقول ان الحميات التى يكون حالها هذه الحال هى الحميات المطبقة واما الحميات التى تنحط من غير ان ينقه صاحبها منها فانما تسمى حميات دائمة فقط. فلما كان احدهما يقول ان الدائمة هى كذا والآخر يقول ليس هى كذا ولم يكن فيهما رشيد يقول انها تسمى او تلقب كذا او لا تسمى او تلقب بكذا بل كان كل واحد منهما ثابتا على قوله انها كذا او انها ليست كذا لا ينتقل عنه الى ان يقول انها تسمى لم يجتمع ولم يحصل لهما من تلك المقاولة شىء من الربح. ولو كانا لم يدخلا فى قولهما انها كذا او انها ليست كذا وجعلا مكان ذلك انها تسمى كذا او انها لا تسمى كذا لكان سيسهل على الغبى الامى فضلا عن غيره ان يميز ما يقتتلان فيه ويصلح بينهما، بعد ان يكون ممن يمكنه ان يفرق بين القولين فيعلم من كان المسمى لمثل هذه الحمى حمى مطبقة وما السبب الذى دعاء الى ان سماها بهذا الاسم ومن كان المنكر لذلك الممانع من ان تسمى بهذا الاسم ولم قال انها لا تسمى به.
وقد يعرض للاطباء مرارا كثيرة فى مثل هذه المسائل ايضا ان لا يمسكوا عن المراء والمحال حبا منهم للغلبة فيقول الواحد منهم فى المثل ان ابقراط لم يسم ولا واحدة من الحميات قط حمى مطبقة ويقول الآخر ان ارشيجانس قد يسمى الحمى الدائمة بهذا الاسم. ثم يضعون انفسهم فى موضع الحكام فينظرون اى الرجلين اقرب الى الصواب ابقراط ام ارشيجانس، فيخرجهم النظر فى ذلك الى الصباح الذى لا ينقطع. وكان الاجود ان لا يبحثوا عن اسم الحميات المطبقة هل ذكره او لم يذكره اذ كان ليس من المنكر ان يكون الانسان اذا اراد ان يخبر عن هذه الحميات جعل ذكره لها ودلالته عليها فى اكثر كلامه بالصفة لا بالاسم، ولا من المنكر ان يكون الانسان لا يذكر فى كتابه اسم الحمى المطبقة الى اى شىء يصرفة بتة لكن يذكر هذا الجنس من الحميات التى حالها هذه الحال فيقول انها حمى يوم لا يكون لها مبدأ نوبة ثانية بعد مبدئها الاول حتى تقلع عن صاحبها ولا يكون لها ايضا تزيد وصعود لكن تكون نوبتها واخذها نوبة واحدة واخذا واحدا من اولها الى آخرها. وذلك لان النظر فى مثل هذا والبحث عنه هو نظر وبحث يقع فى نفس الامور فاما بحث هؤلاء ونظرهم الذى يجرى بينهم فى كل يوم فانما هو بحث ونظر فى امر الاسماء.
ولعل ظانا يظن انه ينبغى بحسب هذا القول آلا نسمى شيئا من الاشياء الداخلة فى الطب باسم يدل عليه بل انما ينبغى ان نعبر عنها كلها ونشرح معانيها للمتعلم بالقول والصفة. فاما انا فأحسب انى قد بينت مرارا كثيرة ان العبارة عن الشىء بالصفة هى ايضا اسم فأوضحت الطريق المسلوك فى ذلك وبينت بالاشياء اللازمة له من الامور الجزئية كل ما ينبغى ان يتحرى فيه، الا انى لست اشير على الناس ان يستعملوا الاسماء على ما يستعملها هؤلاء ولا انا ايضا استعملها كاستعمالهم لها. وذلك لان الحدث من الاطباء يخطئون فى استعمالهم للاسماء خطأين ليسا باليسيرين: احدهما انهم يجعلون مبدأ تعليمهم منها وانما كان ينبغى ان يجعلوه من نفس الامور التى لها اسماء، والثانى انهم لا يحفظون ما جرى عليه الامر فيها عند من تقدمهم من الاطباء ولا يصرفون كل واحد منها الى المعنى الذى جرت به عادة القدماء بصرفه اليه. وانا مبين لك كل واحد من هذين الخطأين على حدته واجعل اول ما اذكره من ذلك ان اصف كيف ينبغى ان يجعل التعليم.
Page 5