Jadid Fi Hikma
الجديد في الحكمة
Investigator
حميد مرعيد الكبيسي
Publisher
مطبعة جامعة بغداد
Publication Year
1403م-1982م
Publisher Location
بغداد
Genres
واستمرار وجود ما هو أضداد كمالات النفس ، وكونها مشتغلة | بغيرها يمنعها عن إدراك ما ينافيها ، من حيث هو مناف لها ، فلا تتألم | بحصوله لها ، كالمرور الذي ربما لم يحس بمرارة فمه ، إلى أن يصلح | مزاجه . والذي هو كريم النفس إذا تأمل عويصا يهمه ، وعرض عليه | شهوة ، وخير بين الطرفين استخف بالشهوة . والأنفس العامية أيضا | قد تؤثر الغرامات والآلام ، الفادحة ، بسبب افتضاح أو شوق إلى أمر | عقلي . وإذا انفصلنا عن البدن ، وكانت النفس منا تنبهت فيه ، | لكمالها الذي هو معشوقها ، ولم تحصله . وهي بطبعها نازعة إليه ، إلا | أن اشتغالها بالبدن أنساها إياه ، كما ينسى المريض الاستلذاذ بالحلو ، | ويميل إلى المكروهات بالحقيقة ، تألمت بفقده تألما كبيرا ، وكان مثلها | | الخدر الذي لم يحس بمؤلمه ، فلما زال عائقه أحس به .
وإذا كانت القوة العقلية بلغت من النفس حدا من الكمال يمكنها | به عند مفارقة البدن أن تستكمل الاستكمال الذي لها أن تبلغه وتصل | إليه ، وجدت لنيل ما كانت أدركته وتنبهت له ، لذة عظيمة ، هي أجل | من كل لذة ، وأشرف . وهذه هي السعادة الحقيقية .
وأما النفوس الساذجة التي لم تكتسب الشوق إلى هذا الكمال ، | ولم تكتسب أيضا هيئات ردئية من البدن ، لم يحصل لها التألم لفقد | الكمال ، لعدم تنبهها له .
وإن كانت مكتسبة للهيئات البدنية الردئية ، فربما اشتاقت إلى | مقتضى تلك الهيئات ، فتعذبت عذابا شديدا بفقد البدن ومقتضياته ، | من غير أن يحصل المشتاق إليه ، لأن آلة ذلك قد بطلت ، وخلق التعلق | بالبدن قد نفى .
والتعذب الذي يكون بسبب هذه الهيئات لا يبقى دائما لزوال | هذه الهيئات ، بعد الموت شيئا فشيئا ، لانقطاع أسبابها التي حصلت | منها كذلك ، ومنافاة اللذات لها . وهذه تختلف في شدة الرداءة | وضعفها ، وفي سرعة الزوال وبطئه .
Page 470